أحمد سيف حاشد * لطالما تمنيت يا هيفاء أن أكون دمعة حزن في محاجر عينيك .. مسحة حزن خفيفة على ملامحك الحالمة .. الحزن أيضا يزيد عينيك سحرا، و يضفي على تفاصيل وجهك جمالا و جاذبية .. ما أجمل أن أقاسمك حزنك و اتبارك فيه، و أتبرك به .. من هذا الذي لا حزن له..؟! * تمنيت أن أكون خصلة أو جديلة في مفرقك .. تطير عاليا خارج المدار .. تسافر إلى الأقاص البعيدة .. تعرج بي إلى السماء .. نستكشف مجاهيل مكتوبنا، و ما خطه في اللوح القلم، و نجيب على كل الأسئلة.. * لازلت أذكر و أنت تفرقين جدائل شعرك صرتين، واحدة على اليمين و الثانية على اليسار، و كنتُ بين المفارق و الضفائر، مصلوبا بالسؤال: لماذا لا تطلقين سراح شعرك للريح و البحر و النسائم..؟!! * أبحث عنك في كل فسحة، و بعد كل درس و حصة، كالحروف الشاردة عن كلماتها، و الكلمات الباحثة عن نقاطها التائهة .. دونك الكلمات لا ملح و لا سكر، و لا في الشعر قصائد .. عندما أراك أطعم الأشياء، و أرى الألوان البهيجة .. أرى الحروف محار، و أرى الجواهر في القصيدة .. دونك أشعر بالفراغ يحيطني، و يفرقع داخلي احباطا و خيبة.. * أنا الحروف الشاردة في الفضاءات القصية، أبحث عن نقاطي الهاربة..!! كيف لي أن أكتب القصيدة، و أنا الذي أستغرقه الفشل..؟!! لازال نصفي يبحث عن نصفه الهارب في الآماد البعيدة..؟!! كيف لانكسارات الحروف أن تستعيد العافية..؟!! و كيف للحروف الشاردة أن تصنع القصيدة في دوحة الشعر الجزيل..؟! * كتبت عن عينيك يا هيفاء، بجراح غائرة في الروح، وفاه فاغر يبلعني كل يوم مرتين .. حاولت أستعيد نصفي و أسترد بعضك في لواحظي، و لكن عينيك كانت عنِّي شاردة .. فإن رمتك سهامي عادت خائبة، لتصيب قلبي الذي أنفطر بحب التي لا تحبني .. من يصنع الكيمياء بين أرواح البشر..؟! * حاولت أن أشحذ سهامي في جحيمي الذي يصطليني .. أسنها بلواعجي و أواري التي أخبيتها .. أردت أن أقصف بصواعقي قلب الحبيب، و يا ليتني ما فعلت، فكل صواعقي عادت تفجرني بألف خيبة و صاعقة .. أنا المحب الذي أثقل الحب كاهله، و أثخنه ألف مصاب و جرح.. * كنتِ تنامين يا هيفاء تحت جفوني كل مساء و تصبحين .. تمرين جواري خفيفة كنسمة بحر منعشة، أو إشراقة صبح جميل، ممشوقة كآية في امتشاق القوام، آسرة المشاعر كالمعجزة .. تسيرين سير الحمام، فيزجل داخلي الحب الجميل .. و إذا ألقيتي عليّ السلام، كان سلامك قنطرة تسقي روحي العاطشة، و تمدها بالأكسجين .. و عندما عني تعرضين، أشعر بهول الكارثة.. * لطالما تمنيت أن أكون قلما و دفترا و ممحاة في حقيبتك .. أسافر فيما تكتبين دون عودة .. لوحة رسم معلقة على حائط غرفة نومك، تسافرين في تفاصيلها قبل كل غفوة .. و سادة تضعينها تحت خدك عندما تخلدين إلى النوم، و تحلقين مع الأحلام السعيدة .. قنينة عطر تشتاق لك في كل حين .. هدية ملفوفة بالضوء تبحث عنك في الدروب و الأمكنة .. شرفة يملأها وردك الفواح بالأريج .. سترتك و مناديلك و كل التفاصيل في خزانتك، إلى المرآة و ساعة الحائط و حتى أحمر الشفاه و طلاء الأظافر .. إنه الحب المتيم، و المستبد على الشوارب.. * و لكن كان الختام غير مسك، و كان الفراق .. استهلكت روحي في عناء السفر و الزمن المسافر، و عندما أدرك اليأس اللحاق، و بات طول الانتظار دون لقاء أو مجيء أو أمل، و مسافات البين تزداد بيننا، و ختامها غير الطريق، كان السؤال: كيف لي أن أدركك..!! و مسافات البين تترامى في المدى، و مسافاتي التي قطعتها خائبة تحبو في القاع السحيق.. * استجمع روحي المهشمة و المتطايرة كالزجاج، أحاول بيأس أشد إليّ شواردك، و لكن صوتي مهما علا لا يصل إلى أطراف مسامعك، و يتلاشى صداه في المسافات الطويلة، و بقي حولك زحام المتحلقين و ضجيجهم .. و نحسي المثابر بات يعترض كل معابري، و أنا الذي قالوا في يوم ميلادي أنني صاحب البخت السعيد.. يتبع