أنس القباطي حملت استقالة الدكتور أحمد عوض بن مبارك من رئاسة الوزراء العديد من الرسائل، والتي تكشف عن عمق الأزمة داخل مكونات الحكومة المعترف بها دوليا. إقالة أم استقالة..؟! ومن طريقة صياغة الرسالة يبدو أن ابن مبارك أجبر على الاستقالة، ويظهر ذلك من استهلاله الاستقالة بسرد جهوده وما بذله فيما سماها معركة استعادة الدولة، وبيان التحديات والصعوبات والمعوقات التي واجهها، وصولا إلى ما سماه بالنجاحات التي تحققت، والتي لم يحدد منها سوى نجاح يتيم سماه ب"الوفورات" والتي تصل إلى أكثر من 133.5 مليون دولار في فاتورة شراء وقود الكهرباء، ومثلها تقريبا سيتم توفيرها من إلغاء عقود الطاقة، حسب زعمه. براءة من الفساد كما تحمل الاستقالة ضمنيا اتهام للفاسدين بالوقوف خلف اقالته، فهو يشير في استقالته إلى إنجازات زعم أنه تمكن من إنجازها من خلال المسارات الخمس التي قال انه تبناها أولويات في مسارات الإصلاح المالي والإداري ومكافحة الفساد وتفعيل حضور مؤسسات الدولة وقياداتها وتعظيم الاستفادة من المنح والقروض الخارجية، وكانه اراد القول ان تلك المسارات ازعجت الفاسدين، في مسعى منه لتبرئة ساحته من الفساد. خلاف عميق وفي رسالة تالية كشف ابن مبارك عن خلاف عميق مع مجلس القيادة الرئاسي، وربما هنا يقصد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وهو الخلاف الذي أشارت له في وقت سابق العديد من وسائل الإعلام، وأبرز تلك الخلافات تعيين وزير الخارجية، شائع الزنداني، دون الرجوع له، رغم نفي مجلس القيادة لتلك التناولات حينها. كما قد يكون ابن مبارك اراد ان يكشف عن خلافه مع بعض المكونات في الشرعية، وابرزها التجمع اليمني للإصلاح. ويستشف ذلك من قوله: (واجهت الكثير من الصعاب والتحديات، لعل أهمها عدم تمكيني من العمل وفقاً لصلاحياتي الدستورية في اتخاذ القرارات اللازمة لإصلاح عدد من مؤسسات الدولة، وعدم تمكيني من إجراء التعديل الحكومي المستحق). تناقضات حادة ورغم أن إبن مبارك حين أورد ما سبق تناسى أن حكومته قائمة على التوافق، كما تناسى ان التوافق عطل ما سماها ب"صلاحياته الدستورية" مع اداركه انه جاء إلى رئاسة الوزراء وفقا لذلك التوافق، الذي عطل صلاحياته، وبالتالي فإن إيرادها لا يفهم منه سوى البحث عن مبررات للفشل والفساد، والذي لا يتحمله وحده، وانما تتحمله الشرعية كمنظومة، لكونها تعيش حالة من التناقضات الحادة بين مكوناتها، وتفتقر جميعها لاتخاذ القرار السيادي، في ظل قبولها تدخلات وإملاءات الخارج. تقنين الفشل وتشير استقالة ابن مبارك والتي جاءت في ظل أزمات متداخلة وانهيار خدمي واقتصادي، بأن تراكم الفشل على مدى عقد من الزمن مرتبط بالفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة، والذي قننته المحاصصة، التي بدورها قننت التوافق كأساس لإصدار القرارات الحاسمة. مقايضات ولابد من الإشارة هنا إلى أن التوافق الذي تم على استقالته، جرت فيه مقايضات بين مكونات الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، فإبن مبارك الذي بدا في الآونة الاخيرة متقارب بشكل نسبي مع المجلس الانتقالي الجنوبي، لم يقدم استقالته إلا بعد تعيين القيادي الانتقالي، سالم العولقي رئيسا للهيئة العامة للاراضي، خلفا ل"أنيس باحارثة" مدير مكتبه والذي اقيل بقرار رئاسي على خلفية قضايا فساد، ما يعني ان الانتقالي قبل باقالة ابن مبارك قبل ان يستقيل مقابل توسيع حصته إلى أراضي الدولة، وهنا يكمن الفشل الذي ترعاه المحاصصة. صفقة وفي الوقت نفسه يبدو أن التوافق على اقالة ابن مبارك قبل استقالته كانت نتاج صفقة بين المكونات، قضت بتقديمه أمام الشعب ككبش فداء للفشل في مختلف الجوانب، مع احتفاظ المكونات بحصصها الحالية في الحكومة، يتضح ذلك من قرار تعيين سالم بن بريك رئيسا للحكومة، والذي قضى بان تبقى الحكومة بهيكلها الحالي، ما يجعل من القرار مجرد ذر رماد على عيون الشعب، لأن الحكومة لم تتغير، ما يشير إلى أن الفشل والفساد الذي تديره سيستمر مستقبلا، فضلا عن أن تعيين وزير المالية رئيسا للحكومة يفهم منه أن السياسة الاقتصادية والمالية لن تتغير، رغم أنها تعد اس فشل الحكومة وعنوان لفسادها. تغيير مرتقب كما تشير استقالة ابن مبارك، والتي لم تقبل إلا بالتوافق، الذي يراعي مكاسب المكونات، إلى أن تغييرا مرتقب سيطال مجلس القيادة، والذي من المرجح ان يقلص عدد اعضائه، لكن ذلك يحتاج لتوافق خارجي قبل التوافق الداخلي، خصوصا بين اللاعبين الكبار إقليميا (السعودية، الإمارات) وإلى حد ما اللاعبين الثانونيين مثل قطر، ما يعني ان ذلك يحتاج وقت اطول للوصول إلى التوافق. أزمة عميقة وفي المجمل فإن استقالة ابن مبارك تكشف عن ازمة عميقة داخل مكونات الشرعية، وتعيد هذه الازمة إلى الاذهان مثيلتها قبل عقد من الزمن والتي أفضت إلى إقالة حكومة باسندوة، وتكليف ابن مبارك بتشكيل حكومة قبل أن يستقيل بسبب ضغوطات الحوثيين الرافضين تعيينه حينها، ليتم تشكيل حكومة كفاءات برئاسة بحاح، لكنها لم تحمل من وصفها غير الاسم، فيما كانت في الأساس حكومة محاصصة. ترحيل الفشل وتلك الأزمة بين مكونات سلطة ما بعد 11 فبراير/شباط 2011 هي التي دفعت البلاد نحو الحرب، وأفضت الى تقسيم جغرافية البلد بين سلطات واقع متناحرة، ما يعني ان تلك الازمة رحلت لعشر سنوات تالية، لتنفجر اليوم مجددا، وباسباب تكاد تكون متشابهة بشكل نسبي وان كانت اكثر تعقيدا، ما قد يجعل من حكومة ابن بريك مجرد ديكور، تخفي خلفها صراعات مزمنة ومخاتلة قد تدفع البلاد نحو مرحلة أسوأ من التمزق، خاصة في حال اقدمت بعض المكونات التي تملك تشكيلات عسكرية وأمنية إلى فرض أمر واقع في جغرافيات السيطرة، على غرار ما فعل الحوثيين في العام 2015، ما سيفتح الباب لتشكيل حكومات محلية تحت مسميات الحكم الذاتي او الادارة الذاتية، والمرشح لاعلان ذلك مكوني حلف قبائل حضرموت والمجلس الانتقالي، وربما مكونات اخرى، وجميعها ستذهب لدبج مبررات ومسببات وعوامل لتبرير خطواتها التمزيقية، إن وجدت ضوء أخضر من الخارج. تم نسخ الرابط