محمد المخلافي مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تلوح في الأفق ذكريات الأيام الخوالي، حين كانت الفرحة تعمّ البيوت، وتمتلئ الشوارع ببهجة الأطفال وهم يعدّون الأيام حتى يحين وقت الذهاب إلى مصلى العيد وذبح الأضاحي. لكن اليوم، تبدو تلك الصور وكأنها حكايات من الماضي، إذ حلّت مكانها مشاهد القلق والمعاناة، حيث تحوّلت الفرحة إلى همّ وكفاح يومي من أجل البقاء. مرت أكثر من عشرة أعوام على اندلاع الحرب التي ليس لنا فيها لا ناقة ولا جمل، وما زالت تداعياتها تمتد كظل ثقيل على حياة الناس. الأسواق التي كانت تعجّ بالحركة قبل العيد أصبحت شبه خاوية، إلا من الموسورين والممتلئة جيوبهم. الأسر التي كانت تقوم بتجهيز كل متطلبات العيد أصبحت بالكاد توفر قوت يومها، فكيف بها أن تفكر في شراء أضحية أو ملابس جديدة؟ الأطفال، الذين كانوا يترقبون العيد بقلوب مليئة بالفرح، أصبحوا اليوم يواجهون واقعًا قاسيًا يحرمهم من أبسط مظاهر الاحتفال. في صباح اليوم، ذهبت إلى سوق الملح، حيث كان المشهد يعكس عمق المأساة. هناك، سمعت رجلاً في الستين من عمره يتحدث مع صديقه بصوت خافت، يخاطبه: "كيف أشتري البهارات واللحمة، مهليش!" كانت كلماته تعبر عن حال المئات غيره، ممن أصبحت لقمة العيش همّهم الأول والأخير. ومشيت قليلاً، استوقفني صوت طفل صغير وهو يبكي ويشد على يد أبيه، يطلب منه أن يشتري له ملابس العيد، لكن الأب لم يجد ما يقوله سوى: "تمام، بكرة"، وهي كلمة تختزل كل العجز والألم. فوق الباص، ركب معنا رجل في منتصف العمر كان يمسك بيده حزمة من المساوك يبيعها في الجولات، وكانت تبدو على وجهه علامات التعب والإرهاق. قال لنا بنظرة يائسة: "الله يجازي من كان السبب. أجلس في الشارع طوال اليوم، وأعود إلى البيت في معظم الأيام بألفين ريال، لا تكفي لشراء عشاء لأسرتي. ويقولون إن بعد بكرة عيد، كيف نسوي؟" بعد الظهر، التقيت مع أصدقائي في مقيل القات، حيث دار الحديث حول العيد الذي لم يعد كما كان. تبادلنا الذكريات عن الأيام التي كنا نستعد فيها للعيد بفرح، نشتري الملابس الجديدة، ونذبح الأضاحي، ونتجمع حول موائد الطعام. أما اليوم، فقد تحول العيد إلى مناسبة تذكرنا بما فقدناه، حيث غابت الأضحية، واختفت الملابس الجديدة، وحلّت مكانها هموم الحياة اليومية. وفي الجهة الأخرى، هناك من ينفقون في اليوم الواحد ما يكفي لإعالة عشرات الأسر لشهر كامل. هذه المفارقة الصارخة تزيد من مرارة الواقع، وتجعل العيد مجرد مناسبة تذكرنا بمدى الظلم الذي نعيشه. هذا هو واقعنا اليوم.. واقع يُذرف له الدمع، ويُسأل عنه السؤال الأكثر إيلامًا: إلى متى؟ إلى متى ستستمر هذه المعاناة؟ إلى متى سيظل اليمن أرضًا منسية، يُعبث بها من لا يعرفون إلا لغة الحرب والدمار؟ لقد تحولت بلادنا إلى ساحة صراع تُسرق فيها الأحلام، ويُدفن فيها الأمل تحت أنقاض السياسات الفاسدة والصراعات العبثية. والأسوأ من ذلك أن العالم ينظر إلينا وكأننا مجرد رقم في تقارير المنظمات، أو صورة عابرة في نشرات الأخبار. اليمن تستحق أن تعود، والأطفال يستحقون أن يعيشوا طفولتهم، والعيد يجب أن يعود كما كان – مناسبة للفرح لا للقهر والذل. فمتى نصحو من هذا الكابوس؟ ومتى ينتهي زمن الذل والجوع والخوف؟ السؤال معلق في الهواء.. والجواب لا يزال غائبًا.