أ.د/ عبدالله غالب المعمري في تاريخ الشعوب تبرز أنظمةٌ غريبة معقدة في تكوينها، حلزونية بتفكيرها ، هشة في جوهرها تبني بامتياز سلطات قمع واستحواذ وسيطره على مربعات للأرض ولكنها تعجز عن بناء أوطان نموذجية بمواصفات مدنية إنسانية. تلك هي أنظمة العصبيات المُستَبِدة التى تم إنتاجها في معامل الإستبداد القديمة حيث تحل القبيلة , المنطقة أو الطائفة أو الحزب الهش محل الدولة وتتنازع مهامها، ويتحوّل الولاء للزعيم ، للقائد، للجنرال أو للرئيس الرمز كبديل عن الولاء للوطن. في رحلة الأوطان نحو البناء الحقيقي لا مكان لسلطه مستبدة طارئة فاسدة مُرتَهنه للخارج ترى في نفسها إلهًا صغيرًا ولا لمليشيا منفلتة مجنونة تحمل بندقيةً للأيجار بلا وعي ولا قانون ولاقضية عادلة ترفض أن تكون ضمن مؤسسة عسكرية وطنية محترفة. أن نهج الإستبداد المتدثر بالعصبيات النتِنه وعصابات الفساد لا يُنجب دولة مكتملة الأركان، بل ينجبُ سجونًا، يُصدر خوفًا، يكرسُ الارتهان ، يذل شعوبًا مسحوقة تبحث عن متنفس للحياة واساسيات العيش. والبندقية السائبة المأجورة لا تحمي، بل تتحول إلى غول ضخم يلتهم الدولة، يسرق قوت الناس ويتحكم بهم ويزرع الرعب بدل الأمن والأمان. في تاريخ اليمن لم يكن قطار الاستبداد العصبوي يومًا مشروع دولة ولا كانت المليشيات يومًا درعًا حامياً للوطن. كلاهما وجهان لعملة واحدة: عملة الخراب والقمع كلاً منهما يتكئ على الآخر. قد يبدو للمشاهد البسيط أن سلطات العصبيات قوية تسيطر على الأرض وتدير شؤون الحياة اليومية للناس وتُسكت الأصوات المعارضة، لكنها في الحقيقة تعيش على هشاشة عميقة. فالوطن الذي لا يقوم على العدالة والمساواة والقانون، يتحول إلى أرضٍ مشققة عليها كانتونات رخوه تنتظر أول هزة نحو التغيير لكي تنهار. نعم أقولها وبكل ثقه قد تبني العصبيات سلطة وقد تُشيّد قصورًا للحاكم وأتباعه وديكور لمؤسسات رخوه، وأجهزة أمن قمعية وسجونًا للمعارضين، وجيوشًا من المصفقين المتنطعين والبشمرجه لكنها أبدًا لا تستطيع أن تبني وطنًا مستقراً امناً كريماً. العصبية ليست قوة، بل وهم قوة؛ أنها الضعف كله. فهي تبني ولاءات عمياء متعصبه على حساب دولة القانون والعدالة ترفع من شأن القريب مهما كان فاسداً وغير مؤهلاً، وتقصي الكفؤ إذا لم يكن من "العشيرة" أو "الحزب" أو "الطائفة" أو"الشلة" توزع الهبات والخير لمن تريد وتمنعه عمن تريد وبهذا تضعف مؤسسات الدولة، ويتحول القرار السياسي والإداري إلى غنيمة يتقاسمها أولئك المتعصبون خلف خنادق العصبيات المقيته التى انتشرت على مستوى محافظاتاليمن كخلايا سرطان تنقسم ميتوزياً على نحو مخيف . أن قوى الاستبداد في اليمن اليوم لم تأتي ولن تأتي بحكم رشيد ممنهج لكل الناس، بل جاءت وستبقى دائمًا كسلطة غاشمه طارئه متعجرفه لا ترى الشعب إلا كعبء، ولا تفهم الدولة إلا كغنيمة. هي سلطه تُكمم الأفواه، وتغتال العقول، وتبني عروشها على ركام الفقر وجدار الجهل والصراع الدموي عبر الانقلابات. اليمن لن يتحرر ويكون دوله مؤسسات ولن ينهض ويتقدم خطوات نحو برنامج حاجات الناس الوطني الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلا حين نخلع نحن الشعب ثوب الخوف والجبن أولا ً ومن ثم نخلع الجلباب العتيق الممزق المهترئ للاستبداد الذي فرضه علينا المستبدون الطارئون وأمراءالمليشيات العابثون في كل الساحة اليمنية، لنلبس بوعينا وبنضالنا الشريف ثوب الدولة المدنيه الحديثة ، دولة القانون، دولة المواطنة المتساوية ونغادر ثقافة الإستبداد والاستقواء بقوة السلاح وبكرباج ومال دعم الخارج. اليمن سيُبنى فقط عندما تُكسر قيود واصنام الاستبداد وتجفف منابعه وتجتث شبكات الفساد وتُخمد نيران البندقية السائبة القاتلة للحياة ويعلو صوت الوطن الواحد فوق كل الأصوات فالوطن فكرة لاتموت ولا تُختزل في مشاريع تفتيتيه تمزيقيه ماقبل الدولة. إن اليمن لن يُبنى إلا بدوله ديمقراطيه عادلة، ودولة قانون، وجيش وطني موحَّد منظم يُبني على أسس حديثه جيش من كل ابناء اليمن ولكل اليمن من الشمال الى الجنوب يحتكر السلاح بأسم الشعب وللشعب لا بأسم العصبيات والهويات والجهويات المناطقية المختلفة والماسكة بأصابع الديناميت من خلال مليشياتها تهدد بها السلم الإجتماعي ونسف مشروع وبناء الدولة المدنية الحديثة حلم الجميع. أن اليمن هي أنت هي أنا هي أنتم هي نحن جميعاً أيها المثقفون الثوريون (الأنتليجنسيا) المناضلون الشرفاء. حقاً لن يستقر بلدنا ولن يتقدم إلا بكم وبحرية مواطنيه، وعدالة قضائه، وكرامة إنسانية وتوزيع السلطة والثروة للجميع. اليمن أكبر من الأجندة الشوفينيه الأنانية متعددة الولاءات لترويكا أعضاء المجلس الرئاسي اليمني، وأبقى من المليشيات وأقدس من البندقية المستأجرة المنفلتهدة المنتشرة كحبوب اللقاح هنأ وهناك. قال تعالى: ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ [ الحشر: 14]. أن بعد كل هذا القُبح ومصفوفة تلك الخيبات التي طوقت حياتنا لعقود من الزمن يجب علينا أن ننهض جميعًا للتغيير لإنقاذ بلدنا المنهار والذي يُسحب من تحت أقدامنا وبناء اليمن الذي نستحقه ويطالب به أبناؤه المتعبين المسحوقين : يمن بلا استبداد ، يمن بلا فوضى، بلا عبث بلا قمع بلا خوف بلا تمييز جغرافي ، جيني ، سياسي ولا الغاء ولاتهميش ، يمن حر بلا عمالة وخيانة وارتزاق.