أنس القباطي تسير الأوضاع في المحافظاتالجنوبية، و بالذات في محافظة عدن، باتجاه مآلات خطيرة، قد تحولها إلى بيئة خصبة للعصابات و الجماعات المسلحة. بعد مغادرة الرئيس هادي للمحافظة، و دخول بعض القوات الموالية ل"أنصار الله" إليها، باتت الأوضاع في محافظة عدن تتجه نحو الفوضى المنظمة مع استمرار عمليات النهب و السلب، و ظهور ما تسمى ب"المقاومة الجنوبية" التي تستهدف أفراد و آليات الجيش والعناصر المسلحة الموالية ل"أنصار الله". القاعدة تتسلح و مع عمليات النهب الذي تعرضت له مخازن سلاح الجيش، و الذي شمل أسلحة ثقيلة بينها مصفحات و مدافع بي 10 و غيرها من المعدات العسكرية، فإن ذلك يشجع على انتشار العصابات المسلحة، التي ستقاوم أي سلطة قادمة في محافظة عدن أو المحافظات المجاورة لها، على المدى القريب والمتوسط. تؤكد تقارير استخباراتية و أخرى اعلامية إن عناصر القاعدة تمكنت من اختراق اللجان الشعبية الموالية ل"هادي" و تمكنت من السيطرة على مخزون كبير من الأسلحة المتوسطة و الثقيلة من مخازن الجيش في عدن ولحج و أبين، و هو ما يعني أن القاعدة تمكنت من التسلح من مخازن الجيش و بدون أي خسائر. غطاء المقاومة و من هنا فإن القاعدة ستتفرغ خلال المرحلة القادمة للسيطرة على عدد من المناطق في الجنوب و الشرق، تحت غطاء مقاومة القوات الموالية ل"أنصار الله" التي انتشرت باتجاه الجنوب و الشرق بهدف السيطرة عليها و انهاء حالة الفراغ الذي تعيشه هذه المحافظات. قد تتبع القاعدة خلال المرحلة الحالية، استراتيجية الالتحام بالقبائل و تستحثها على مقاومة القوات الموالية ل"أنصار الله" من منطلق مذهبي (شيعة الشمال وسنة الجنوب) و بالذات في المناطق الشرقية، حتى تتمكن من ترتيب أوضاعها و نقل عناصرها إلى المناطق الغنية بالنفط في شبوة و وادي و صحراء حضرموت، تمهيدا للمرحلة الثانية، التي ستعلن فيها سيطرة على تلك المناطق، و اعلانها ولايات اسلامية، على غرار ما حصل في الشمالين العراقي و السوري. طفرة اقتصادية و هنا ستنتقل القاعدة إلى مرحلة رفد ميزانيتها بأموال ضخمة من بيع النفط في السوق السوداء، على غرار ما يجري في ليبيا و العراق. و مع التدمير المنظم الذي تقوم به عاصة الحزم السعودية، لعتاد الجيش اليمني و بنيته التحتية، سيكون من الصعب مواجهة عناصر القاعدة، و ذلك سيعطي مبرر للسعودية لاستمرار عاصفة الحزم، لمواجهة القاعدة في الجنوب و الشرق و بالتالي فرض وصايتها على اليمن. قد تكون مرحلة سيطرة القاعدة في جنوب و شرق اليمن على مساحات واسعة غنية بالنفط، مجرد هروب للسعودية من أي فشل في تنفيذ هدفها في اضعاف "أنصار الله" باتجاه هدف أخر هو منع توسع القاعدة، غير أن سلاح الجو سيفشل مرة أخرى مع عناصر تنتهج أسلوب حرب العصابات، حتى و إن سيطرت على الأرض. خطرين يتهددان السعودية غير أن انفجار المعارك في المناطق الحدودية بين اليمن و السعودية، سيضع السعودية أمام خطر محتمل و من جهتين، الأول: خطر "أنصار الله" الذين سيحققون تفوق قتالي على البر في مواجهة الجيش السعودي المترهل، و الثاني: خطر القاعدة الذي سيبدأ بالتمدد نحو الأراضي السعودية القريبة من حضرموت و شبوة و مأرب. "أنصار الله" يسابقون الوقت في السيطرة على الجنوب و التفرغ بعد ذلك لمواجهة القاعدة، غير أن طيران "عاصفة الحزم" يمثل عائق في سرعة تقدمهم، و يعمل على اضعاف قدراتهم التسليحية باستمرار استهداف أسلحة الجيش الثقيلة و منصات اطلاق الصواريخ. و من هنا، فإن السعودية تسير باتجاه الغرق في وحل الحوثيين و القاعدة، و تمهد بغاراتها الجوية لمرحلة دعشنة الجنوب و توسع القاعدة على حساب أراضيها النفطية القريبة من منفذ الوديعة و المساحات الصحراوية مترامية الأطراف و القريبة من الحدود اليمنية. يبدو خيار المقاومة للجنوبيين، هو الخيار الأخير، في حال قررت فصائل الحراك الجنوبي اللجوء له، ضد القوات الموالية ل"أنصار الله" و مسلحيهم، غير أن ذلك سيقدم الجنوب على طبق من ذهب للقاعدة، التي باتت تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة نهبتها من مخازن الجيش في الجنوب. القاعدة ستستفيد من مقاومة الجنوبيين ل"أنصار الله" بالالتحام بالقبائل و اختراق المقاومة الجنوبية، حيث ستسخر امكانياتها الحربية لهذا الغرض و ستوفر دعما تسليحا لتلك القبائل، غير أنها ستستفيد من أبناء تلك القبائل في عملية تجنيد واسعة تمهد لمرحلة السيطرة على مساحة شاسعة من الأراضي اليمنية و السعودية الغنية بالنفط، و التي ستحقق من خلال السيطرة عليها طفرة اقتصادية، حتى و إن تم ازاحتها مستقبلا. تجنيد وتحشيد استفادت القاعدة من عمليات التجنيد العشوائية للجان الشعبية الموالية ل"هادي" و تمكن عناصرها من الوصول إلى عدن و تجولوا فيها بكل اريحية، و ستستفيد من خيار المقاومة المسلحة، في حال تم ذلك. من حق الجنوبيين رفض دخول قوات إلى مناطقهم، و هنا يصبح حقهم في المقاومة مشروعا من منطلق أنهم لا يريدون الوحدة مع الشمالية الذي يستقوي عليهم بالجيش في عملية تبادل للأدوار، من حق الجنوبين أيضا استعادة دولتهم، غير أن هذه العملية بحاجة لتنظيم و ترتيب، و بحاجة لقيادات كفؤة لإدارة العملية. أي عشوائية قادمة في تبني فكرة المقاومة في الجنوب، لن تكون إلا في خدمة اجندة القاعدة، و الاستخبارات الأجنبية التي تتحين الفرصة لتبرير تدخلها في اليمن. دور الحراك وأنصار الله و من هنا بات الأمر ملحا على "أنصار الله" باعتبارهم القوة العسكرية الأقوى و سلطة الأمر الواقع، و فصائل الحراك الجنوبي باعتبارها المتواجدة على الأرض في الجنوب، لمنع سيطرة القاعدة و داعش على الجنوب. الأمر بات ضرورة وطنية أمام فصائل الحراك الجنوبي و "أنصار الله" و الوضع يتطلب التأني و التعامل بروية أمام الوضع المستجد على الساحة. هناك شيء يبدو كبيرا تساق نحوه اليمن و السعودية معا، بغباء حكامها و نخبها السياسية. شيء غامض الأمر ليس كما يبدو ظاهرا استعادة شريعة الرئيس هادي، هناك من دفع السعودية باتجاه الفخ، الذي يمهد لمرحلة استنزافها و الاجهاز عليها، و ربما تكون حصلت على ضوء أخضر على غرار الضوء الأخضر الأمريكي ل"صدام حسين" حين احتلت قواته الكويت، في اغسطس 1991، و التي مهدت بعد ذلك لإسقاط حكمه في 2003 و اعادة صياغة عراق جديد على أساس طائفي. في حال قررت السعودية التدخل البري في اليمن، فهي لن تزج بجيشها بمفرده و إنما ستشارك معها دول أخرى، و ربما لن تتدخل بريا و إنما ستوفر لها الحماية من البحر، غير أن ذلك سيضع السعودية في الواجهة، ما سيزيد من تأجيج حقد اليمنيين نحوها، ما يعني أن حدودها الشمالية و الشرقية، ستدخل مرة من عدم الاستقرار، و ستصبح هدفا للمقاومة القادمة. القاعدة و داعش قد تغير من استراتيجيتها في التوسع، و قد تتبنى خيار المقاومة ضد السعوديين، ما سيضعها أيضا أمام خطر توسع القاعدة باتجاه اراضيها الغنية بالنفط. توسع ميدان المعركة و في حال تحولت عاصفة الحزم من القصف الجوي إلى الاجتياح البري و البحري، فإن ميدان المعركة سيتوسع و لن تكون ساحة الحربية الأراضي اليمنية و إنما ستكون الأراضي السعودية جزءا من ساحته. و في حال استمر أمد الحرب، فإن احياء مشروع تقسيم السعودية سيعود إلى الواجهة، حيث سيتم احياء النعرات الطائفية و الجهوية و المناطقية. و سيصبح الوسط في مواجهة الجنوب و الشرق الشيعي، و ستتشتت القوات السعودية بين اخماد تمردات الداخل و تأديب الرافض لساستها في المحيط المجاور. ترك الساحة لقوة أخرى و في هذه الحالة، قد تترك السعودية، الشأن اليمني لقوة أخرى، و تتفرغ هي لمنع توسع الاضطرابات في الداخل، غير أن اشتعال الصراع على أساس طائفي سيكون من الصعوبة السيطرة عليه، حتى و إن استخدمت القوة المسلحة في قمعه، و الذي حتما سيؤثر على هيبة المملكة في المحيط الاقليمي و المجتمع الدولي، حيث ستركز كل جهدها للشأن الداخلي.