تحدثت صحيفة “الفايننشال تايمز″ البريطانية المعروفة في عددها الصادر امس عن استعدادات اردنية جارية لاقامة منطقة امنية عازلة في جنوب سورية تشمل منطقتي درعا وجبل العرب (السويداء)، يحتمي بها اللاجئون السوريون وتشكل خط دفاع متقدم او عازل في مواجهة “الدولة الاسلامية”، يمنع وصولها وقواتها وتفجيراتها الى الاردن، ثم بعد ذلك اقامة منطقة عازلة شمال هذه المنطقة العازلة يتمركز فيها وحدات تابعة للجيش السوري الحر لمنع تقدم قوات الجيش العربي السوري الى المنطقة العازلة الجنوبية. هذا الحديث يتزامن مع ما ذكرته صحف تركية عن عزم تركيا التدخل في شمال سورية، لمنع قيام كيان كردي على طول حدودها، يمهد لقيام دولة كردية مستقلة يتخذها حزب العمال الكردستاني كنقطة انطلاق لعملياته العسكرية ضد السلطات التركية. من الواضح، ومن خلال دراسة متعمقة للتحركين الأردني والتركي على صعيد مناطق عازلة، أن البلدين وصلا إلى قناعة راسخة بأن أمنهما الوطني بات مهددا، ولا بد من اتخاذ خطوات سريعة لتحصينه، وإعطاء هذه الخطوة الأولوية المطلقة، حتى لو أدى ذلك إلى تغيير جذري في الأولويات، أي إطاحة النظام السوري. إذا تركنا جانبا، ولو بصفة مؤقتة، وركزنا على “المأزق” الأردني، يمكن القول أن جميع رهانات السلطات الأردنية السابقة على إقامة مناطق عازلة، لم تحقق أي نجاح، بل تحولت إلى مصدر تهديد حقيقي للأردن وأمنه الوطني. نشرح أكثر ونقول أن “عاصفة الجنوب” التي شنتها قوات المعارضة السورية للاستيلاء على منطقة درعا، كمقدمة للزحف نحو جبل العرب، على غرار ما فعلت “عاصفة الشمال” التي قادها جيش “الفتح” وتكللت بالاستيلاء على مدينتي ادلب وجسر الشغور، هذه العاصفة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهدافها، ووضعت الأمن القومي الأردني في دائرة الخطر الحقيقي. رهان الأردن على الجماعات السورية المقاتلة، وتشكيل “غرفة عمان” التي تضم ممثلين عن أجهزة مخابرات عسكرية عربية وأجنبية، تشرف على عمليات القتال في جنوب سورية باتت عبئا على السلطات الأردنية بعد أربع سنوات من الفشل، ويبدو أن قناعة أردنية تتبلور حاليا، وبشكل متسارع، لتغيير النهج والبحث عن بدائل أخرى. إسقاط النظام السوري بالوسائل العسكرية لم يعد ممكنا في المستقبل المنظور على الأقل، ولكن إسقاط انظمة تحاربه على أيدي “الدولة الإسلامية” التي تزداد قوة وتمددا، بات غير مستبعد، وإذا لم يتم إسقاط هذه الأنظمة، فان زعزعة استقرارها الداخلي، ورأسمالها الحقيقي، وربما الوحيد، بات شبه مؤكد بالنظر إلى التفجيرات الأخيرة في الكويت والسعودية، والاغتيالات في مصر التي تصاعدت حدتها في اليومين الماضيين، ووصلت إلى المدعي العام المصري في قلب القاهرة. أن يصل عدد اللاجئين السوريين في الأردن إلى ربع سكانه حتى الآن، فهذا يشكل خطرين: الأول ديمغرافي، والثاني امني، ومن الواضح، بالنسبة لنا على الأقل، وبناء على معلومات مؤكدة وصلت إلى “رأي اليوم” إن قلق السلطات الأردنية وصل إلى الذروة، ولم تعد تتحمل الصمت على التهديدات الأمنية المتنامية لأمنها القومي، وباتت تبحث عن البدائل. الأردن بات يتحدث حاليا، وفي العلن، عن سعيه إلى شريك استراتيجي في سورية، ليس لمحاربة الجماعات الجهادية فقد، وإنما للحفاظ على وجوده وأمنه القومي، والتأسيس لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل أن يتوطنوا، وهذا الحليف الاستراتيجي لا يمكن أن يكون فصائل المعارضة السورية المعتدلة، بل النظام السوري نفسه. النغمة التي تتردد في الأردن حاليا وبصوت مسموع هي ضرورة “إغلاق ملفات الماضي والمضي قدما نحو تفكير استراتيجي مستقبلي يضع نهاية للازمة المستشرية في سورية، وإعطاء الأولوية المطلقة لمحاربة الإرهاب، الأمر الذي يتطلب إحداث تغيير جذري في مواقف كل الأطراف”. ماذا يعني كل هذا الكلام؟ انه يعني، وبكل بساطة، الترحيب بمبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي أعلنها في حضور السيد وليد المعلم، وزير الخارجية السوري الزائر لموسكو، وعنوانها “تحالف رباعي سعودي سوري أردني تركي” لمحاربة “الدولة الإسلامية” ومنع تمددها. يبدو أن عنوان المرحلة المقبلة يقول “كل الطرق تؤدي إلى دمشق” أي دمشق النظام، تطبيقا للمثل الانكليزي الذي يقول “إذا لم تستطع هزيمتهم انضم إليهم”. هل سينجح الخيار الأردني البديل والجديد؟ نفضل الانتظار بضعة أسابيع لمعرفة المزيد من المعطيات للإجابة على هذا السؤال. افتتاحية رأي اليوم