زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التي تبدأ رسميا (الجمعة) على رأس وفد كبير ستكون مختلفة عن الزيارات السابقة المماثلة، ليس لأنها الأولى له، وإنما لان أمريكا تغيرت، والمملكة العربية السعودية تغيرت، والمنطقة العربية كلها تغيرت أيضا. أمريكا التي كانت حتى اقل من عام الحليف الأوثق للمملكة العربية السعودية لم تعد كذلك، صحيح أنها ما زالت حليفة للسعودية، ولكن ليس كما كان عليه الحال طوال السبعين عاما الماضية من عمر العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين، فقد وقعت اتفاقا نوويا مع إيران، الخصم والعدو الأول للمملكة، واعترفت من خلاله بها، أي إيران، دولة نووية، وقوة إقليمية عظمى، وباتت تنسق معها في قضايا المنطقة، أو تحسب حسابها على الأقل. السعودية تغيرت أيضا، فلم تعد المتحكم الرئيسي في أسعار النفط، وإنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط “اوبك”، وتلبي، أي السعودية، ما يعادل عشرة في المئة من الاحتياجات النفطية الأمريكية، فالإنتاج النفطي الأمريكي فاق نظيره السعودي، وباتت تقف على حافة أزمات مالية متفاقمة، قد تدفعها إلى إجراءات تقشفية تلحق أذى بالمواطن، وتتورط في الوقت نفسه في حرب استنزاف في اليمن، وأخرى في سورية، علاوة على حرب داخلية شرسة ضد الجماعات الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها “الدولة الإسلامية” التي تريد أن تجعل من مكةالمكرمة عاصمة خلافتها. الرئيس باراك اوباما يستقبل ضيفه السعودي وقد امّن الأغلبية التي يريدها في الكونغرس لتمرير الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي سيشكل صدمة لهذا الضيف الذي كان يراهن على إعاقة تمرير هذا الاتفاق من قبل حلفائه الجمهوريين، وسيكون في موقف أقوى لان هذا التمرير سيعزز سياساته الشرق أوسطية. ومن هنا فان الاتفاق النووي الإيراني لن يتصدر جدول الأعمال رغم أن هذه الزيارة المؤجلة، والتي كان من المفترض أن تتم في إطار اللقاء الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي مع زعماء الخليج في كامب ديفيد قبل بضعة أشهر لطمأنتهم، وتبديد مخاوفهم، بعد توقيع هذا الاتفاق، فدول الخليج لم تشعر بالاطمئنان، ولم تأخذ التطمينات الأمريكية بالجدية المطلوبة، وبدأت تتعايش مكرهة مع هذا الاتفاق، وأعراضه الجانبية التي بدأت تظهر بقوة في اليمن وسورية ولبنان والبحرين، والداخل الخليجي أيضا، والكويت احد الأمثلة. الملفان اليمني والسوري سيتصدران المباحثات حتما بين العاهل السعودي والرئيس اوباما، أو بالأحرى بين الأخير والأمير محمد بن سلمان نجل العاهل السعودي، والرجل الذي يمسك بكل خيوط الحكم ويتحكم بدائرة صنع القرار في المملكة، ووزير الدفاع الذي يقف على رأس كل حروب بلاده في المنطقة. اليمن قطعا سيحظى بالأولوية القصوى لان السعودية باتت متورطة في حرب استنزاف دموية مكلفة ماديا وبشريا، وبعد ستة أشهر من التدخل العسكري المباشر لم تحقق أي من أهدافها، فالرئيس الشرعي منصور هادي ما زال في منفاه الآمن في الرياض ومعه نائبه السيد خالد بحاح، والتحالف “الحوثي الصالحي” ما زال يسيطر على صنعاء، بينما يسيطر تنظيم “القاعدة” على معظم مدينة عدن “المحررة”، وبالأمس أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن مقتل 22 جنديا من جنودها في حرب الجنوب اليمني، مما قد يعني أن المعارك على الأرض لا تسير في الاتجاه الصحيح، بينما تقتل طائرات “عاصفة الحزم” المزيد من المدنيين يوميا، وهو أمر بات يقلق الحليف الأمريكي والغربي عموما، وان العاصمة اليمنية الثانية لم تعد آمنة، حتى تعود إليها الوزارات، مثلما أعلن السيد بحاح أكثر من مرة. نحن هنا لا نقلل من أهمية الملف السوري بالنسبة إلى السعودية، ولكن التورط السعودي في اليمن أكثر مباشرة، واليمن تعتبر الفناء الخارجي الأقرب، والحرب التي يشنها الحوثيون على المدن والقرى السعودية الجنوبية تزداد شراسة، مضافا إلى ذلك أن الملف الأخير، أي السوري، شائك ومعقد وتتداخل فيه قوى إقليمية مثل السعودية وإيران وتركيا والعراق (بشكل غير مباشر) وحزب الله، وعالمية مثل روسيا الاتحادية وأمريكا، أي أن السعودية هي احد اللاعبين فيه، بينما هي اللاعب الرئيسي في اليمن. العاهل السعودي سيحاول أن يقنع مضيفه الأمريكي بقلب أولويات حكومته، وإعطاء الأولوية لإطاحة الرئيس بشار الأسد من الحكم، وجعل محاربة “الدولة الإسلامية” في المرتبة الثانية أو الرابعة، ولكن مثل هذا الطلب يواجه صعوبات كبيرة، لان الرئيس يضع مصالح بلاده قبل رغبات وتمنيات العاهل السعودي، ويدرك أن تغيير الأولويات ربما يؤدي إلى الصدام مع روسيا التي يتفق معها على محاربة “الدولة الإسلامية”، خاصة انه يعلم جيدا أن موسكو وطهران تتمسكان ببقاء الرئيس الأسد، ويعتبرانه خطا احمر وعاملا فاعلا وأساسيا في الحرب على “الدولة الإسلامية” والإرهاب بشكل عام في سورية والمنطقة بأسرها. الرئيس اوباما وجه رسالة واضحة إلى السعودية ودول الخليج الأخرى مفادها انه مستعد لبيعها أسلحة حديثة لا تتعارض مع التفوق العسكري الإسرائيلي لحماية نفسها في المنطقة، ولكنه غير مستعد لخوض حروبها الاقليمية ضد ايران، مثلما فعلت بلاده سابقا ضد الرئيس العراقي صدام حسين، وهي الحرب الأمريكية التي تدفع ثمنها غاليا هذه الدول من أمنها واستقرارها وخزائنها المالية، فأمريكا لن تعد “كلب الصيد” مهمتها طمأنة هذا الحليف الخليجي أو ذاك، والدفاع عنه، وعلى هذا الحليف أن يساعد نفسه ويحميها أولا. الشق الآخر من الرسالة، وهو الأكثر أهمية في نظرنا، يتعلق بالسياسات الداخلية السعودية، عندما قال الرئيس الأمريكي في مقابلته المهمة مع الكاتب الأمريكي توماس فريدمان ان الخطر الأكبر على السعودية ليس إيران، وإنما يأتي من الداخل، أي من الشباب الساخط العاطل عن العمل، وغياب حريات التعبير والقضاء العادل، حتى بات هذا الشباب معزولا عن دائرة القرار في بلاده التي تحدد مصيره، ولا يجد أي بدائل غير الانضمام إلى “الدولة الإسلامية”، ومن المفارقة أن فريدمان الذي كان يحسب في عداد الأصدقاء للسعودية، وتنشر الصحف السعودية مقالاته، بات الآن يتهمها بأنها مصدر الإرهاب في العالم، مثلما قال في مقاله الأحدث في “نيويورك تايمز″. لا نستبعد ان يسأل الرئيس اوباما ضيفه السعودي عما فعل من اجل استيعاب اللاجئين السوريين الفارين من الحرب، فالمسوؤلون الأمريكان لا يجاملون ضيوفهم ويتجرأون على قول ما لا يريدون سماعه، على عكس نظرائهم العرب والأوروبيين، ولا نعرف كيف سيجيبه العاهل السعودي. البوصلة السعودية تحتاج إلى تصويب، وكذلك العديد من السياسات الاخرى المتبعة في المنطقة، لان هذه السياسات بدأت تعطي نتائج عكسية، وتفرض اعباءا كبيرة، مادية وبشرية وإستراتيجية، على كاهل صانع القرار والشعب السعودي نفسه، فهل سيعود الملك سلمان إلى الرياض على قناعة بحتمية تغيير هذه السياسات على ضوء ما سمعه من الرئيس الأمريكي من مواقف ليست على مستوى ما هو مأمول من هذه الزيارة؟ افتتاحية رأي اليوم