مرت الاعوام وشيء لم يتغير، كأن العراق علق في الزمن كبلد يعاني الامرين من الانفجارات والارهابيين بمختلف "انواعهم" لكن ذلك لم يحبط من عزيمة منتخب "اسود الرافدين" الذي يبدو وكأنه "يحرق" المآسي كوقود من اجل اعادة الابتسامة الى وجوه العراقيين. يقف المنتخب العراقي على بعد 180 دقيقة من تكرار انجاز عام 2007 حين توج بطلا للقارة الاسيوية ومنح الفرحة لبلد مزقته حرب مدمرة استنزفت معظم موارده الانسانية والمادية. وحينها زادت الغمة بهزيمة "أسود الرافدين" بهدفين نظيفين على يد منتخب سنغافورة المتواضع في أولى مباريات التصفيات المؤهلة لكأس اسيا 2007. ورغم أن الظروف فرضت على المنتخب العراقي الذهاب إلى الإمارات العربية المتحدة لاستقبال ضيوفه في المباريات التي يفترض أن يخوضها على أرضه، إلا أنه نجح في إنهاء المباريات الخمس المتبقية من التصفيات بلا هزيمة ليحجز مقعدا في النهائيات القارية. وبعد مرور ثمانية اعوام، شيء لم يتغير بالنسبة للعراق الذي خاض جميع مبارياته المقررة في التصفيات بين دبي وعمان والشارقة بسبب الاوضاع الامنية المتردية والتي ازدادت تأزما في الاشهر الاخيرة بسبب تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي يسيطر منذ هجومه في حزيران/يونيو العام الماضي على مناطق واسعة في البلاد. كما كان مسار العراق في التصفيات شاقا في بدايته اذ خسر امام الصين ثم السعودية مرتين قبل ان ينتفض ويتمكن في نهاية المطاف من حجز مقعده في النهائيات حيث خالف التوقعات مجددا بوصوله الى الدور نصف النهائي بعدما تغلب على جاره الايراني اللدود بركلات الترجيح اثر تعادلهما 3-3 في الوقتين الاصلي والاضافي. وسيكون العراق امام فرصة تاريخية غدا الاثنين في سيدني من اجل بلوغ النهائي القاري للمرة الثانية في تاريخه بعد عام 2007 حين اصطدم بمواجهة اللقب مع المنتخب السعودي الخبير وتمكن من التفوق عليه بهدف سجله يونس محمود في الدقيقة 72 بكرة رأسية. وبعد ثمانية اعوام من تلك اللحظة التاريخية، تبقى امال العراقيين معلقة على "السفاح" ذاته يونس محمود الذي اثبت انه ما زال من اللاعبين المؤثرين جدا في صفوف "اسود الرافدين" بعد ان سجل هدفين في النهائيات الحالية، اخرها كان هدف التقدم 2-1 لبلاده الجمعة ضد ايران في مستهل الشوط الاضافي الاول قبل ان يفعلها في الركلات الترجيحية عندما سدد الكرة على طريقة "بانينكا" متجاوزا الحاجز النفسي وواقع انه اهدر ركلة جزاء امام فلسطين (2-صفر) في الدور الاول وقبلها امام ايران (صفر-1) بالذات في مباراة تحضيرية للنهائيات. "فعلتها لاني اردت ان ابعث برسالة الى لاعبي فريقي لاقول لهم لا تقلقوا، انظروا الى مدى سهولة التسجيل"، هذا ما قاله محمود الذي اصبح اول لاعب يسجل على اقله هدفا في اربع نسخات متتالية، رافعا رصيده في مشاركته الرابعة الى ثمانية اهداف (1 في 2004 و4 في 2007 و1 في 2011 و2 في 2015). وتابع محمود (31 عاما) الذي اصبح رابع افضل مسجل في العرس الكروي القاري بالتساوي مع الكويتي جاسم الهويدي وبفارق هدف عن الياباني ناوهيرو تاكاهارا الثالث وهدفين عن الكوري الجنوبي لي دونغ غوك وستة اهداف عن الايراني علي دائي صاحب الرقم القياسي، "اعتقد ان ما حاولت القيام به قد نجح لان بعدها الكل سدد ركلته الترجيحية بقوة وسجل". اما المدرب راضي شنيشل فتحدث عن قائده، قائلا: "يونس لعب أربعة أشواط كاملة وقدم مستوى رائعا. لدينا تشكيلة شابة وكنا بحاجة للاعب قائد. إنه من طراز اللاعبين الذين لا يفضل الفريق المقابل اللعب ضده، فيما يحب زملاؤه اللعب إلى جانبه". وتابع المدرب العراقي الذي سيعود الى فريق قطر القطري بعد النهائيات: "كان هناك بعض التشكيك في الوسط الإعلامي حول أحقية يونس باللعب مع الفريق، ولكنني لا أستمع اليهم، أنا كمدرب أشاهد ماذا يقدم اللاعب خلال التدريبات وعلى أرض الملعب. أتمنى كل التوفيق ليونس، فهو نجم مهم للعراق". من المؤكد ان العراقيين الذي نزلوا الى الشوارع واحتفلوا طويلا بتأهل بلادهم الى الدور نصف النهائي على حساب ايران، يعولون كثيرا على محمود من اجل تكرار انجاز 2007 الذي تحدث عنه "السفاح" سابقا، قائلا: "لم يكن الانجاز عاديا، كان لا يصدق بالنظر إلى كافة الصعاب التي واجهناها، توقع عدد قليل أن نتخطى مرحلة المجموعات لكننا توجنا باللقب الآسيوي للمرة الأولى، والأهم من ذلك هو نجاحنا في رسم البسمة على وجوه شعبنا المهووس بكرة القدم. لن تسعفني كلماتي في التعبير عن مدى احتياجهم لهذا الانتصار في فترة عم فيها الخراب كافة أرجاء البلاد". كان من المفترض ان لا يتواجد محمود في نهائيات كأس اسيا 2015 بعد ان قرر الاعتزال اثر خيبة الخروج من تصفيات كأس العالم البرازيل 2014. "اشعر بالحزن العميق للخروج من مشوار المونديال خالي الوفاض"، هذا ما قاله محمود بعد ان حل العراق في ذيل ترتيب المجموعة الثانية من الدور الرابع الحاسم لتصفيات مونديال البرازيل، مضيفا "انها لحظات قاسية امر بها لعدم مساهمتي بافراح الشعب الذي يستحق منا الكثير، وبسبب حبي للجمهور مهتمي انتهت مع الكرة بالرغم من العقود الكثيرة التي قدمت لي اريد ان اعتزل وانا في القمة". لكن محمود، المولود في احدى مناطق محافظة كركوك شمال البلاد عام 1983، عاد بعدها عن قراره وانضم مجددا الى المنتخب وكان حتى صاحب الهدف الاول في التصفيات المؤهلة الى استراليا 2015 في مرمى اندونيسيا، وهو يأمل دون شك ان يكون مهندس الانتصار على كوريا الجنوبية من اجل اسعاد الجمهور العراقي وبلوغ النهائي. وعلى غرار رحلة كبار كرة القدم ونجومها نسج محمود مسيرته الكروية فجاءت حافلة بالمصاعب والذكريات القاسية فمن مدينة صغيرة شهيرة باسمها "الدبس" ومغمورة على خارطة كرة القدم بدا "السفاح" رحلته مع الفريق المحلي لمدينته عام 1997 وفي عام 1999 انتقل الى فريق كركوك وارتدى قميصه. يملك قائد المنتخب العراقي وسفاح الحراس سجلا حافلا بالمشاركات والانتصارات التي ترك فيها بصماته واضحة فبعد انطلاقته في نهائيات اولمبياد اثينا 2004 حين حصل العراق على المركز الرابع، واصل مشواره اللافت وتواجد في خمس بطولات لكاس الخليج منذ النسخة السابعة عشرة 2004 في قطر وانتهاء بخليجي 21 بالمنامة (غاب عن خليجي 22 في السعودية بسبب الاصابة) الى جانب مساهمته باهدافه الاربعة بحصول العراق على كاس اسيا 2007. والى جانب حضوره اللافت مع منتخب بلاده الذي سجل له 53 هدفا في 135 مباراة، حقق يونس محمود تواجدا حيويا في فرق الدوري القطري مع الخور الذي انتقل اليه في موسم 2004-2005 قادما من الوحدة الاماراتي وواصل مشواره الاحترافي مع الغرافة حيث عاش اسعد ايامه ومواسمه وانتقل الى العربي ثم الوكرة فالسد وصولا الى الاهلي السعودي الذي كان محطته الاخيرة قبل ان يصبح الان دون فريق. وقد كشف محمود بانه سيقرر مستقبله بعد نهائيات كأس اسيا 2015، كاشفا من استراليا تلقيه عدة عروض من اندية قطرية واخرى من الصين. واشار محمود: "لكني كنت مع المنتخب الاولمبي في دورة الالعاب الاسيوية ولم احظ بالوقت الكافي لاتخاذ القرار. صديقي، علي عباس الذي يلعب مع سيدني اف سي قال لي بان فريقه مهتم بالتعاقد معي ايضا". وواصل يونس محمود الذي اصبح دون فريق منذ رحيله عن الاهلي قبيل نهاية موسم 2013-2014: "اعتقد اني سأجلس مع الطاقم الفني بعد كأس اسيا لتقرير مستقبلي الكروي". ومن المؤكد ان اسهم "السفاح" العراقي سترتفع كثيرا في حال تمكن من قيادة بلاده الى تكرار انجاز 2007 والفوز باللقب للمرة الثانية في تاريخها. بواسطة : علي عثماني