قد تكون من أجمل المعارك التي نشبت بين نجمين لم يسبق لهما التواجه في ملاعب الكرة، وقد نكون أكثر حظا بأننا شهدنا على هذا السجال بينهما وهما أحياء، وفتحا نقاشا بدأ عام 1999، وأغلقاه قبل رحيلهما عن عالمنا بقليل. الجوهرة بيليه والأسطورة مارادونا، كلاهما طغى بسحره على البسيطة، وخلقا حالة مبكرة من النقاش: من الأفضل في التاريخ؟
رغم الفوارق الكبيرة بين النجمين واختلاف زمن كل منهما، إلا أن النقاش كان منصبا على الأفضلية والنجومية، بعيدا عن الصراع الثنائي حتى جاء عام 1999، حين قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم الإعلان عن جائزة لاعب الألفية، والتي منحت لبيليه بناء على رأي الخبراء، فيما حقق مارادونا الجائزة بناء على رأي الجماهير من خلال التصويت، وهو الأمر الذي أغضب مارادونا، معتبرا النتيجة خيانة من الفيفا.
مارادونا كان قد حصل على الكرة الذهبية الشرفية التي منحته إياها مجلة فرانس فوتبول عام 1995 تقديرا لمشواره مع كرة القدم، وهو ما اعتبره إنجاز يفوق نجم الألفية.
سيبقى في المركز الثاني
بعد إعلان فوز بيليه بجائزة الألفية، أعلن مارادونا الحرب على بيليه وعلى الفيفا في نفس الوقت، وقال تصريحه الشهير:
"حصلت على الكرة الذهبية من قبل ولذلك فبيليه يأتي من بعدي، هو هكذا اعتاد أن يكون في المركز الثاني دائما في كل شيء.. حتى في بلاده حل ثانيا في استفتاء أفضل الشخصيات الرياضية بعد سائق الفورمولا الراحل آرتون سينا".
وأنكر مارادونا على بيليه أن تكون هذه الجائزة هي الأولى من نوعها في التاريخ بالقول:
"يجب أن تعرفوا شيئاً مهماً فرانس فوتبول منحتني كرة ذهبية شرفية في 1995، والتي حصل عليها بيليه هي الثانية وليست الأولى".
وواصل مارادونا
"أعتقد أنني أفضل لاعب على الإطلاق. لماذا تقارنني ببيليه؟ قالت والدتي إنني أقوى وأنه كان يلعب مع لاعبين لا يتحركون حتى في الملعب".
"لقد خرجت من القمة من حيث الأصوات وآراء الجماهير. وجاء بيليه في المركز الثاني".
"نظرًا لأنني فزت بالكثير خلال مسيرتي المهنية، كان أصدقاء بيليه بحاجة إلى منحه نوعًا من التقدير (جائزة ثاني أفضل لاعب كرة قدم في القرن)، وهو ما لا يعني شيئًا على الإطلاق"!
بيليه يعيش في الفيفا مارادونا أكد بعدم وجود خلاف مع النجم البرازيلي وأنه مستعد لمقابلته ولكن المشكلة حسب رأي الأرجنتيني هي كما قال خلال تدريبه لنادي الوصل الإماراتي:
"بيليه يعيش في الفيفا وأنا أعيش في دبي" في إشارة إلى علاقة بيليه الوثيقة بالفيفا ورئيسها في ذلك الوقت جوزيف بلاتر.
بيليه..يرد الهجوم
كان للفارق الكبير في السن بين بيليه ومارادونا دورا في ردود بيليه المقتضبة على هجوم النجم الأرجنتيني، وفي أول رد فعل على الهجوم عليه قال الجوهرة السوداء:
"لا أستطيع أن أشرح سبب اهتمام مارادونا بهذا الأمر (الفوز بجائزة لاعب الألفية)، لأنني أقول دائمًا إنه كان واحدًا من أفضل اللاعبين في العالم، وهذا صحيح".
"الآن، لا يمكننا أن نقول إن مارادونا كان يلعب رأسيات رائعة فلم يسجل أهدافًا بالرأس، ولا يمكننا أن نقول أن مارادونا سدد بشكل جيد بكلتا قدميه، لأنه لم يسدد بيمينه، بل فقط بقدمه".
"الهدف الوحيد المهم الذي سجله مارادونا بالرأس كان بيده!" في إشارة إلى الهدف الذي سجله الأسطورة الأرجنتينية بمرمى إنجلترا بكأس العالم 1986، وواصل بيليه تصريحاته: "من وقت لآخر، عندما يقوم الناس بإجراء مقارنات، أقوم بإلقاء النكات حول ذلك، بالنسبة لي كان لاعبًا رائعًا، لكن لا يمكنك مقارنة مارادونا ببيليه".
ميسي أم نيمار؟
مع ظهور نجومية ميسي الأرجنتيني وبعدها نيمار البرازيلي..بدأ صراع الأولوية بين جمهور الدولتين اللدودتين، وقال بيليه في هذا الشأن:
"هناك دائمًا مقارنة بمارادونا، حيث يقول إنه أفضل من بيليه، الآن يقول البعض أن ميسي أفضل من بيليه، حسنًا، يجب أن يكون (ميسي) أفضل من نيمار أولاً، وهو ما لم يفعله بعد، لديه المزيد من الخبرة."
مارادونا رد بشكل حاد على هذا الرأي
"يا إلهي، هذا مجرد غبي! ربما يكون نيمار هو أفضل لاعب في العالم، ولكن فقط إذا قلت إن ميسي من كوكب آخر، يبدو أن بيليه تناول الدواء الخطأ قبل النوم..لقد ارتبك ولم يعرف ما الذي يتحدث عنه، أقترح في المرة القادمة أن يأخذ الحبوب الصحيحة قبل تقديم أي اقتراحات وأن يغير طبيبه".
تعاطي مارادونا للمخدرات
في إطار حديثه عن آفة المخدرات، استشهد بيليه بمارادونا بالقول:
"ليس من العدل الحديث عن المخدرات في كرة القدم بسبب حالة واحدة أو حالتين فقط، مثل رونالدو وروبينيو، اللذين يعانيان من هذه المشكلة، لقد كان (مارادونا) لاعبًا ممتازًا، لكن لسوء الحظ يمكن للجميع رؤية ما فعله بحياته".
لكن رد مارادونا هذه المرة خرج عن سياق الأدب، واتهم بيليه ب(الشذوذ).
اشتعال الخلاف مع ظهور المذكرات
في عام 2000، وصلت حرب التصريحات بين بيليه ومارادونا إلى ذروتها. لقد أصدر الأسطورتان سيرتهما الذاتية في نفس العام، بل وفي نفس الشهر.
في سيرته الذاتية يقول مارادونا: "إذا صنفنا أعظم 100 لاعب كرة قدم عبر التاريخ سيكون بيليه في مقدمتهم، لكني لا أحب نموذج بيليه كلاعب، كنت أتمنى أن يدافع بيليه عن حقوق اللاعبين، ويقف بجانب زميله جارينشيا لينقذه من الموت والفقر والمرض، كان يحب أن يستغل بيليه مكانته التي وصل لها ليحارب أثرياء كرة القدم ونفوذهم لأجل كرة القدم الفقيرة".
في المقابل، وفي مذكراته، صنف بيليه خصمه مارادونا كأفضل لاعب كرة قدم رآه، لكن قال بالتحديد:
" لا أرى مارادونا رياضي يُحتذى به، لا ينبغي أن يكون الرياضي صاخباً أو مدمناً للمخدرات، أو لا يتردد في نعت منافسيه بالشواذ جنسياً"
وهو ما فعله مع بيليه نفسه قبل إصدار الكتاب بسنوات.
بيليه يهاجم المدرب الفاشل
في عام 2010 شن بيليه هجوما على مارادونا الذي كان مديرا فنيا لمنتخب الأرجنتين، وقال بيليه في تصريحات للصحافة البرازيليه:
"إنه ليس مثالاً جيداً للشباب".
"لقد أفاء الرب عليه بنعمة لعب كرة القدم ولهذا السبب هو محظوظ .. ورغم كل ما حدث له في حياته مازال هناك أشخاص يتعاقدون على العمل معه، ولو كانوا أكثر وعيا لما تعاملوا معه".
وأضاف:
"إذا لم يتغير مارادونا فلن يجد عملاً في المستقبل، كان لاعباً عظيماً ولكنه مثال سلبي".
لكن مارادونا كان أكثر لؤما في رده على كلمات بيليه:
"ومن يعبأ بما يقوله بيليه، إن مكانه المناسب في المتحف".
بيتهوفن والملك جورج
بعد أن وصف بيليه نفسه بأنه "بيتهوفن كرة القدم" رد عليه مارادونا ساخرا:
"إذا كان بيليه هو بيتهوفن كرة، فأنا الملك جورج وروبن هود".
وأضاف مارادونا خلال تدريبه لنادي الوصل الإماراتي:
"لا أعلم من أين يأتي بيليه بهذه التصريحات المضحكة".
وكان بيليه قد صرح في مناسبة سابقة بأن
"قدوم بيليه آخر أمر صعب لأن والدتي ووالدي أقفلا الماكينة.. هناك لاعبون ممتازون، قد يخوض أحدهم مباريات أكثر مني أو يسجل أهدافا أكثر من رصيدي، لكني أعتقد أن هذا صعب".
الغيرة من ميسي
بعد فشل ميسي في الفوز بكأس العالم مع الأرجنتين، وجه مارادونا انتقادات لابن جلدته، لكن بيليه أنصف البرغوث الأرجنتيني باعتباره الأفضل في العالم، وقال بيليه:
"لقد ظهر (مارادونا) في حوارات عديدة ويبدو عليه الضيق لأنني قلت إن ميسي أفضل لاعب حاليا.. أعتقد أنه يشعر بالغيرة، أليس كذلك؟". وأوضح الجوهرة السوداء بنبرة مازحة: "مارادونا قال لي: أنت لا تحبني؟ لا أروق لك؟ وأجبته: مارادونا، لقد وجهوا لي سؤالا عن أفضل لاعب في الوقت الحالي.. إذا كان السؤال عن فترتك، كنت بالطبع سأختارك".
قبل انطلاق فعاليات بطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2016) التي استضافتها فرنسا في 2016، كان الصلح بين بيليه ومارادونا على هامش مباراة (الصداقة) بين عظماء الكرة.
مارادونا قال لبيليه:
"لن يكون بيننا مزيد من الصراعات". ورد بيليه:
"إنها رسالة سلام وترابط، أود توجيه الشكر لصديقي مارادونا على هذه الفرصة".
وأكد مارادونا تقديره التام لبيليه بالقول: "أود توجيه الشكر لبيليه، نعلم من هو بيليه وسيظل هكذا، نحتاج دائما لرموز مثله".
صديقان مقربان
اعتبر بيليه أن الحرب الكلامية مع مارادونا كانت تتعلق بالدعابة:
"نحن أصدقاء، نمزح دائما، أقول له: مارادونا، يمكنك أن تعادل بيليه عندما تسجل أكثر من 1000 هدف ويقول: لا أستطيع الآن، ولكن لا يهم!"
مباراة السماء عبر بيليه عن حزنه لوفاة مارادونا المفاجئة عام 2020، وقال له مودعا:
"ذات يوم، آمل أن نلعب كرة القدم سويا في السماء". بعدها بأسبوع، وجّه له رسالة جاء فيها:
"تميّزت رحلتك بالصدق، كنت دائما واضحا، وبطريقتك الفريدة والمميّزة، علمتنا أن علينا أن نحب ونقول "أحبك" في كثير من الأحيان.. رحيلك السريع لم يسمح لي أن أقول ذلك لك، لذلك سوف أكتب فقط: أحبك، دييغو".