تفجرت في مصر ثورة ضد حكم الإخوان الذي لم يمضِ عليه سوى بضعة أشهر، وبدلاً من أن يراجع الإخوان سياستهم خلال فترة حكمهم القصيرة، سارعوا إلى تبني نظرية المؤامرة التي غالباً ما يلجأ إليها أي نظام إقصائي تَفردي، لتبرير التحركات الشعبية ضده. من يقود الثورة الجديدة في مصر هم محمد البرادعي وحمدين صباحي والسيد البدوي وغيرهم من قيادات التيارات السياسية والشبابية من حركة 6 أبريل إلى وائل غنيم مؤسس صفحة "كلنا خالد سعيد" التي كانت شرارة الثورة في 2011، ومعهم أغلب النخبة الثقافية والإعلامية، كل هؤلاء في نظر الإخوان "فلول"، مع أنهم كانوا رأس حربة في ثورة 25 يناير ضد نظام مبارك. الهروب إلى الأمام هي السياسة التي يتبعها الإخوان حالياً في إدارة الأزمة في مصر، فبعد الإعلان الدستوري الذي برره مرسي بأنه مؤقت لحين التوافق على دستور جديد، أصدرت الجمعية التأسيسية بعد أن استقال منها أغلب التيارات ما عدا الإخوان والسلفيين، مشروع الدستور، وسلمته للرئيس دون توافق مع أحد، وفوراً أعلن الرئيس عن موعد للاستفتاء عليه، في عملية سلق سريعة ومستعجلة، وواضعاً كل القوى السياسية أمام الأمر الواقع، وضارباً عرض الحائط بكل الوعود التي قطعها على نفسه بأن يكون رئيساً لكل المصريين. بالتأكيد فإن بعض عناصر النظام السابق شاركوا في تلك الاحتجاجات، واستغلوا الخلاف بين مكونات الثورة، لكن المشكلة ليست في مشاركتهم، بل في من دفع القوى الثورية إلى هذا الخلاف، ومن الذي حاول أن يستفرد بالقرار وبصياغة الدستور. الإخوان يخوضون المرحلة الانتقالية بعقلية خوضهم الانتخابات التشريعية، بمعنى أنهم ينظرون إلى أنفسهم، وبجانبهم التيار السلفي، بأنهم أغلبية، لذلك من حقهم صياغة الدستور وكل القوانين في هذه المرحلة الخطرة والحساسة في تاريخ مصر، متناسين أن الدستور عقد اجتماعي لا يقر بالمغالبة، وإنما بالتوافق بين مختلف القوى الرئيسية، بغض النظر عن أحجامها، مصر فيها المسيحي والمسلم، فيها اليميني واليساري والليبرالي، وكلهم تيارات عريقة، ولهم وزن في الشارع المصري بغض النظر عن الفوارق، والمشكلة أن من صاغ مشروع الدستور هم مكون واحد من تلك المكونات. ثم إن إطلاق مسمى "الفلول" على كل من عارض سياسة الإخوان في مصر، كلام لا أخلاقي ولا منطقي، خصوصاً أن هناك شريحة واسعة من المصريين انتخبت أحمد شفيق زعيم الفلول، ولم يفز مرسي إلا بفارق واحد في المائة، ومعنى هذا أن 49% من الشعب المصري فلول، أما إذا أضفنا إليهم بقية القوى الثورية فسيصبح 80% من الشعب المصري فلولاً. تلك العقلية والممارسات ستدخل مصر في إشكالات كبيرة قد تمهد لعودة العسكر عبر انقلاب وبحجة حماية مصالح البلاد، وسيكون الانقلاب مبرراً، بل ومدعوماً من فئات كثيرة داخل الشعب المصري، بعد الرعب الذي سببه الإخوان بتسلطهم وإقصائهم للآخرين. نفس الأمر في اليمن يتم استنساخه، فكل من عارض سياسة حكومة الوفاق أو انتقد أداءها أو فساد بعض وزرائها، يطلق عليهم لقب "بقايا النظام" أو "بقايا العائلة"، وفي الحد الأدنى يتم اتهامهم بأنهم حلفاء لصالح. متى نتخلص من عقلية "الفلول" و"بقايا العائلة"، ونتعامل بمعايير مهنية وطنية واضحة وبرامج سياسية، ونفتح صفحة جديدة مع الجميع، خصوصاً أن أغلب من شاركوا في الثورة في اليمن كانوا شركاء أساسيين في النظام، وهم أنفسهم شاركوا "كبير العائلة" في حكومة الوفاق، ومنحوا الحصانة للنظام، لأنها ستشملهم أيضاً.