التنازل مطلوب أحياناً للوصول إلى تحقيق بعض الأهداف, والتبرير قد يكون مقنعاً ومطلوباً في مرحلة من المراحل, لكن أن تصبح التنازلات والتبريرات بلا نهاية وبلا سقف يحدد إلى أين نمضي, فتلك طامة كبرى وقع فيها بعض شركائنا في الثورة. طالبنا جميعاً بإسقاط النظام الفاسد, فاقتسموا الفساد مع النظام, طالبنا بمحاكمة المجرمين الذين ذاق الشعب على أيديهم الأمرين, فَغُفر ذنب بعضهم بعد انضمامه للثورة, وأعطي الباقون الحصانة, وكأن الثورة تجب ما قبلها, عندما نسألهم لماذا كل تلك التنازلات؟ ومقابل ماذا؟ يقولون لنا من أجل مصلحة الوطن. إذا كانت مصلحة الوطن تقتضي غض البصر عن الماضي وإعطاء الحصانة, فهل من مصلحة الوطن استمرار بعض الفاسدين ومن تلطخت أيديهم بدماء اليمنيين خلال العقود الماضية في أعمالهم؟ وهل من مصلحة الوطن تعيين بعضهم في أعمال جديدة؟ الا يتناقض ذلك مع الحصانة الممنوحة لهم؟ لماذا أصبحت الحصانة تصفيراً للعداد فقط ليبدأ دورة جديدة؟ وليست تصفيراً حتى لا تستمر المآسي بحسب ما هو مُؤمل منها؟. إذا كانت مصلحة الوطن تقتضي اقتسام الحكومة, فهل من مصلحة الوطن اقتسام الفساد أيضاً, فما يشاع عن فساد بعض وزراء المشترك المُمَنهَج, عبر تمرير صفقات وعقود بالمخالفة لقانون المناقصات, والتوظيف للأقارب والتعامل مع شركات قريبة أو تابعة لتيارات دينية وحزبية محددة, أصبح واضحاً للمتابع العادي, مع أنهم يحاولون تغليف فسادهم عبر الكثير من الطرق ليكون فساداً أكثر اتقاناً, مراعاة لمرحلة ما بعد الثورة. إذا كانت مصلحة الوطن تقتضي التأكد من عملية معالجة ملف شهداء وجرحى الثورة, حتى لا تصل تلك الأموال إلى غير مستحقيها, فهل من مصلحة الوطن أن تطول تلك العملية – على فرض صحتها – إلى أكثر من سنة؟ إلى أن تعفنت جروحهم وقطعت أطرافهم وتوفي بعضهم, هل يعرف عَمنا صخر الوجيه أنه يتعامل مع جرحى, وأن اليوم مهم بالنسبة لهم, وأن تسرب بعض تلك المبالغ حتى لمن أصيبوا في حوادث مرورية أفضل من موت بعض جرحى الثورة وهم يتنقلون من باب إلى باب للبحث عن حل لمعاناتهم؟ ماذا لو كان أحد الجرحى ابناً لصخر الوجيه أو عبدالوهاب الآنسي أو للدكتور ياسين سعيد نعمان؟ هل سيتم التعامل معهم بذلك الأسلوب؟ عندما لا يكون هناك سقف للتنازلات ولا هدف واضح منها, وتتبعها تبريرات تلو التبريرات, مع عدم اعتراف بالأخطاء, كبداية لمراجعة الخطوات اللاحقة, عندها نصل إلى مرحلة العقم الفكري والعملي. تلك التنازلات – كالحصانة - كانت ضرورية في بعض المراحل, مع أنه كان يجب أن تكون في مقابل واضح ومحدد, فمن يحتمي بالحصانة – وهم متواجدون في شُركاء السلطة أو محسوبون عليهم - لا يجب أن يظل في السلطة ولا يجوز أن يعين في وظيفة عامة جديدة, تلك بديهيات كان يجب أن تشترط عند منح الحصانة, ولا يترك الأمر للتفسيرات والتأويلات التي كان آخرها تأويل سماحة آية الله العظمى جيرالد فايرستاين, صاحب كتاب "شرح المبادرة بعد المجابرة".