إن الاستخبارات والأمن أصبحا من أبرز القواعد الأساسية لتنظيم القاعدة المركزي والمجموعات الجهادية لتتحول حروب القاعدة والمجموعات الجهادية المسلحة إلى حروب اسخبارية ومعلوماتية أكثر من أن تكون حرب عصابات. وهنا نجد الكثير من التداخل مابين الأمن والاستخبارات مما يجعل القاريء العادي يخلط بين المفهومين. ورغم مراجعتي إلى عدد من الموسوعات المعلوماتية المعنية بالمعرفة فلم أجد تعريفا أكاديميا أو ميدانيا إلى الأمن والاستخبارات قريب الى الواقع. إن المفهوم الشامل للأمن وفقا الى روبرت ماكنامرا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه جوهر الأمن، حيث قال: “الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة”. ويقصد في الأخير توفير الأمن العسكري لهذه التنمية وحمايتها من التهديدات. أما تعريف المخابرات وفقا لموسوعة المعرفة: وكثيراً ما يُطلق عليها الاستخبارات “هي الخطوات المدروسة لجمع المعلومات، ثم فرزها وتصنيفها، وتحليلها، ثم ارسالها للجهات المناسبة، في الوقت المناسب، لتعيينها في وضع الاستراتيجات، ورسم السّياسيات، واتخاذ القرارات الصائبة لحماية الدولة من الخطر”. لكني استطيع تعريف المخابرات/ الاستخبارات بشكل بسيط اكاديميا: “هي الجهاز المسؤول عن مكافحة التجسس في الداخل وعن التجسس الخارجي أي في الخارج لحماية الأمن القومي واستشعار التهديدات الداخلية والخارجية”. ويقوم جهاز المخابرات بجمع المعلومات على ثلاث مراحل: وهي الخبر أو (الإشارة)، التحقق من الإشارة الاستخبارية قبل أن يكون معلومة ثم توظيف المعلومة أي رفعها الى الجهات العليا للاستفادة منها في رسم استراتيجياتها وسياساتها. أما تعريف الأمن فممكن أن يكون الأمن ضمن علم الاستخبارات أي أن الاستخبارات أوسع مفهوما من الأمن. والأمن: “ممكن أن يكون أمن الأشخاص أو أمن المنشآت. ويغلب المفهوم الداخلي على الأمن أكثر من غيره “علما بأن الأمن القومي يقع ضمن مسؤولية الاستخبارات بالإضافة الى الدفاع والخارجية ولم يتحدد بالداخل رغم مفردة الأمن. مفهوم الامن والاستخبار ات لدى القاعدة إن تنظيم القاعدة يمسك بالاستخبارات والأمن ليكون أساس وقاعدة في عمله، بلاشك القاعدة، التنظيم المركزي هو تنظيم أيدلوجي عقائدي قائم على الفكر السلفي، لكنه يجمع مابين الفقه والشريعة والاستخبارات، فهو يستخدم كل الوسائل لتعزيز قوته وتنظيمه داخليا، بل يستنبط الدروس الاستخبارية والأمنية من القرآن الكريم ومن السيرة النبوية ليوظفها في إدارة التنظيم ليصبح علامة قوة يوازي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية رغم عدم توازن القوى. لقد درس تنظيم القاعدة تشكيلات السي اي ايه وعملياتها الاستخبارية المغطاة منذ التأسيس ولحد الآن وهو يؤمن بتحديث علم الاستخبار مع الوقت. واعتمد طريقة الاستخبارات المركزية الاميركية والغربية في حرب المعلومات والاستخبارات، لذا فهو أكثر التنظيمات الجهادية بل فاق ويفوق الكثير من أجهزة استخبارات بعض الدول وخاصة في مجال المعلومات والتكنلوجيا. فاستفاد من اعتراض بعض الطائرات بدون طيار وفي قرصنة المعلومات الالكترونية وفي اختراق الأهداف والخرائط. وهو لا يتردد للاستعانة بالضباط السابقين في المؤسسات الاستخبارية. ومن رواد التنظيم سيف الدين العدل/ ضابط مصري سابق التحق بتنظيم الإخوان ثم القاعدة ليكون على رأس أركان عمليات تنظيم القاعدة المركزي، والذي يتميز عن التنظيمات المحلية والإقليمية بتماسكه وسرتيه أكثر من التنظيمات المحلية. إن قرار قبول مبايعة التظيمات المحلية لتنظيم القاعدة المركزي لاقى اعتراضا من داخل التنظيم المركزي وخاصة من قبل زعيم التنظيم السابق اسامة بن لادن، فقد كان يرى أن مبايعة تنظيم “دولة العراق الإسلامية” في العراق مثلا وتنظيم الشباب في الصومال ألحق الضرر بسمعة التنظيم لما لهذه التنظيمات من ممارسات غير مركزية بسبب البعد الجغرافي والإدارة. ورغم أن هذه التنظيمات المحلية تعمل ضمن مظلة القاعدة وتأخذ غالبا التشكيل الإداري لكنها أقل سرية في عملها وأكثر نفعية ويغلب عليها تحقيق أهداف لطائفة او مجموعة مسلحة أكثر من عولمة أهداف القاعدة. القاعدة تحاكي تشكيلات السي اي ايه في إدارة عملياتها وتنظيمها، فتنظيم القاعدة المركزي بعيدا كل البعد عن حرب العصابات وعن المجموعات المسلحة الأخرى، فتلك المجموعات المسلحة تختلف عن القاعدة باعتمادها العمليات الجهادية أو التعرضية والتصفية للخصم، التي تكون على شكل تنظيمات صغيرة عكس تنظيم القاعدة الذي يقوم على أساس حرب المعلومات الاستخبارية واللعبة المزدوجة رغم أنه تنظيم جهادي. فهو يعتمد على جهاز أمن داخل التنظيم والذي يكون مسؤولا عن أمن مقاتليه ومتابعتهم وإخضاعهم للتدقيق والمراقبة. فهنالك داخل التنظيم سلسلة مراجع إدارية استخبارية، مسؤولة عن أمن المعلومات والأفراد واعتماد الجهد الاستخباري أي جمع وتحليل المعلومات وتوظيفها. جهاز أمن القاعدة يكون مسؤولا عن: جمع المعلومات عن الأهداف: أشخاص أو منشآت من خلال كتائب استطلاع بشرية أو بالوسائل الفنية أي بالمعاينة ورسم المخططات للأهداف في حالات الأهداف ذات السرية العالية وتجنب استخدام التصوير أو الأساليب الفنية لتلافي الكشف. وكثيرا ماتعتمد القاعدة على الانترنيت وخرائط محرك كوجل في جمع المعلومات عن أهدافها والكشف عنها وخاصة مواقع المنشأت ومداخلها ومخارجها. وضع الخطط الاستخبارية لضرب الأهداف بشكل مسبق من قبل أركان عمليات التنظيم المركزي وليس من قبل الكتائب ذاتها، علما بأن تنظيم القاعدة أحيانا يعطي الحرية لكتائبه باختيار الأهداف وتنفيذها ضمن إمكانياتهم الذاتية. أما في العمليات الواسعة أو مايسميها التنظيم بالغزوات فتكون مركزية وتشترك بها كتائب وتنظيمات أسناد أخرى غير محلية. تنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية للخصم وتكون بتخطيط مركزي وبتنفيذ من تشكيل العمليات الخاصة، المدربة على الاغتيالات والمداهمة. القاعدة تحتاج هذا النوع في عملياتها لإظهار قوتها، لذا فهي تعول على هذه العمليات بالترويج إلى التنظيم وكسب مقاتلين جدد من خلال إثبات مصداقية التنظيم وقوته بمثل هكذا عمليات، فهي تستهدف الأهداف ذات الدرجة العالية للخصم مثل مبنى الوزارات ومراكز الأمن ومديريات مكافحة الأرهاب من أجل بث حالة الرعب والصدمة داخل الخصم، هذه العمليات تكاد لا تقبل الخسارة لأنها تسيء الى سمعة ومصداقية التنظيم أكثر من الأهداف الرخوة التي تكون عادة بين المدنيين. هذا التشكيل إداريا بعيدا عن المتطوعيين الانتحاريين والدعاة. ومن أبرز ما يميز هذا التشكيل اعتماده طريقة التراسل البشري وعدم استخدام الاتصالات الحديثة لاحتمالات الكشف واتباعه السرية والحماية. أساليب القاعدة الاستخبارية أن القاعدة تتبع مبدأ عدم التفريط والإفراط في الأمن لمقاتليها، فهي تركز على اتباع أساليب الأمن والحماية والاستخبار في موضعها، لتنظيمها العسكري وكذلك لتنظيمها الاستخباري ولا تفرط به. أما تنظيمه الإعلامي ومشايخها من الدعاة فتطلب منهم أن لا يفرطوا في اتباع الإجرءات الأمنية أو المبالغة بأمنهم لأن طبيعة عملهم لا احتاج ذلك كونه علنيا ويحتاج للظهور بين العامة والإعلام. القاعدة هي من تختار المكان والزمان في مقاتلة الخصم، أي تحاول القاعدة سحب الخصم الى المربع التي تختاره، وفي نفس الوقت هي تتبع مبدأ التعرض أكثر من الدفاع في ضرب الخصم. وفي أصعب المواجهات تعمل القاعدة تكتيكا عسكريا عند محاصرتها، بفتح جبهات في مواقع بعيدة أخرى لتخفيف الضغظ عليها وهي تقع ضمن مفهوم اركان الحرب والتعبئة العسكرية على أرض المعركة. اعتمدت القاعدة الأسس الاستخبارية أكثر من الأمنية في مواجهة خصومها ومنها اللعبة المزدوجة أي استخدام العميل المزدوج، ووفقا لعلوم الاستخبارات العسكرية الامنية والقتالية ، فإن اللعبة المزدوجة أو العميل المزدوج لا تقوم بها أجهزة المخابرات الضعيفة إلا إذا كانت على درجة من القدرة والإمكانيات في تحقيق حالات تماس استخباري مع الخصم تستطيع من خلالها تسريب بعض المعلومات مقابل تحقيق أهدافها. واللعبة المزدوجة استخباريا لا تدار إلا مركزيا ومن قبل فريق عمل وليس مسؤولا واحد لتعقيدها وتركيبها ومردوداتها السلبية الخطيرة على المؤسسة الاستخبارية والعميل المزدوج. إن اعتماد تنظيم القاعدة المركزي اللعبة المزدوجة يعني تمتعه بالثقة وبقدراته في مواجهة الخصم وكثيرا ما استخدمتها القاعدة ضد خصمها السي أي أية وفي محطاتها المغلقة. هذه العمليات تعكس لنا أهمية الاستخبارات والأمن في تنظيم القاعدة ليخلق من القاعدة تنظيم الدولة السرية العائمة الغير محددة بحدود الجغرافية/ المكان أو السكان/ ديموغرافيا، لتكون هي الأخطر. في التنظيمات المؤدلجة على الاطلاق