حكومة قبيحة وفاسدة وعنصرية، ترى وزراءها كالتماثيل الرديئة، بلا إحساس ولا صدق ولا وطنية ولا مسئولية. وحتى لا أُتهم بالخروج عن سياق الخطاب الأكاديمي ولياقته، أو حتى لا يطل علينا أحدٌ فاغرٌ فاه، فألقمه حجراً يصبح بعدها من البائسين الهائمين على وجهه، أٌقول إن الله سبحانه وتعالى قد رخص للمظلوم أن يجهر بدعائه وسخطه على من ظلمه في قوله: (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ). عام ونصف، بل عامان ويزيد، وهناك أكثر من (300) إنسان ممن يصفونهم بالعلماء والأكاديميين يبيعون ماء وجوههم ذلاً وهواناً لمن يستأجرون منهم أماكن سكنهم، أو يستلفون منهم القوت الضروري لأطفالهم، حتى بلغ أحدهم الإمعان في الرجاء لأصدقائه ورفقائه بعدم نعته بكلمة (دكتور) في أي مكان، خشية أن يتعرض لموقف مهين أمام الملأ من أحد الدائنين. وحتى بلغ الأمر أيضاً بأكاديمي آخر الإعلان رسمياً في الصحف والمواقع الإلكترونية عن نيته بيع شهادته الدكتوراه التي لا تستطيع أن توفر له شربة ماء أو قصعة لبن. هؤلاء الأكثر من (300) أكاديمي درسوا في أرقى الجامعات العالمية في الخارج، وصرفت عليهم الدولة من الخزينة العامة ملايين الدولارات لسنوات تراوحت من أربع إلى ثمان، على نية النهوض بالوطن، وحين قطفوا ثمرة النجاح وعادوا بزهو وانتصار وأمل في الإسهام والمشاركة في الارتقاء بالشعب والوطن، وجدوا أنفسهم في ساحة معركة يصارعون ويجاهدون الجوع والفقر والخوف والإذلال الممنهج الذي تمارسه الدولة نفسها التي بعثتهم إلى الخارج للدارسة والتأهيل، وخسرت عليهم تلك الملايين من الدولارات. هم ليسوا طالبين توظيف جديد، هم أكاديميون ومعينون رسمياً في الجامعات، ويزاولون عملهم يجد ونشاط، فقط يطالبون تسوية أوضاعهم المادية المرصودة لهم في الموازنة العامة للدولة لعام 2014م. هل يعقل أن توجيهات رئيس الجمهورية لا تسمن ولا تغني من جوع، ويلقيها الوزراء في سلة المهملات، حيث وجه الرئيس في شهر أغسطس بسرعة تنفيذ التسويات المرصودة في الموازنة، ولكن الحكومة الفاشلة والقبيحة وخاصة وزارة المالية تجاهلت تسويات الأكاديميين، وكأن بينها وبينهم ثأراً قديماً، أو أنها ستصرف مستحقاتهم من جيب الوزير أو جيوب نوابه، أو من مال أبيهم. إنهم يستعذبون مرارة ما يلاقيه أساتذة الجامعات من معاناة وإذلال وقهر؟. خاصة وأنه قد تم إسماعهم هذه المأساة مرات عديدة، من خلال الوقفات الاحتجاجية أمام الجامعات، وأمام وزارة المالية، وبالكتابة والتغطية في أكثر من وسيلة إعلامية. لكنهم عميٌ صمُ لا يبصرون ولا يسمعون ولا يعقلون، وكيف لهم أن يسمعوا أصوات آمنت بالهدوء والطمأنينة وعدم الإزعاج، سلاحها القلم والفكر والأدب؟. هم اعتادوا فقط سماع دوي البنادق، والأصوات التي تثير غبار الحرب، وتشعل نيران أنابيب النفط، وتصنع الظلام باقتلاع أعمدة الكهرباء. هل تدرون أن الحكومة بعد أزمة عام (2011م) اشترت مئات العربات المصفحة بملايين الدولارات، ووزعتها على رموز الفساد والعابثين بمقدرات البلاد؟. مع أن قيمة عربة مصفحة واحدة من تلك العربات تغطي تسوية كل الأكاديميين المنكوبين. ولكن كونها حكومة محاصصة وجهالة وعداوة للعلم والثقافة والإبداع، يعدُّ هذا الأمر بالنسبة لها ثانوياً وحقيراً ولا يستحق الالتفات إليه. ألا تدرون أن المئات من الأكاديميين يغادرون الوطن كل عام دون رجعة؟. ومع هذا لم نسمع أحدا من هؤلاء الفاسدين يدق ناقوس الخطر أو يثير عواقب تهجير العقول وخلو البلاد منها. لا نريد أن نثير مسألة ما تضخه الحكومة من مليارات إرضاء لعصابات الفساد وقطاع الطرق، ولا ما تم نهبه من مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، ولا ما يتم تقاسمه بين الأخوة السرق من ثروات البلاد. فقط نريد حقوقنا الممنوحة لنا وفقاً للقانون والدستور، فقط نريد أن نعيش بكرامة، أن نحافظ على ماء وجوهنا، أن نوفر لأولادنا أبسط متطلبات الحياة، الأكل والشرب والسكن والصحة والتعليم. لكن للأسف الشديد نحن في بلد لا وجود فيه لقانون ولا لدستور، ولا كرامة فيه لأبنائه. القانون الوحيد فيه هو الصميل، والكرامة الوحيدة الممنوحة فيه للفاسدين وعصابات الموت. لا نريد أن يتحول هذا الوطن بسبب الفساد والمفسدين إلى لعنة تطارد أبناءه، وتورثهم الهزيمة والإذلال والكراهية والحقد، وتدفع بهم إلى التخلي عن الشروط والقيم الأخلاقية والإنسانية، وخاصة النخب الثقافية والعلمية والإبداعية، فإذا نحن نجدهم ينحرفون إلى أدوات ومعاول هدم. تصوروا كيف سيكون الوضع حين يتحول أستاذة الجامعات وأصحاب الشهادات العليا إلى ناقمين وأعداء للوطن؟. لا شك في أنهم سيفسدون العقول بمنهجية، ويؤهلونها بالقبح والجهل والرداءة والموت.