أهالي أبين يناشدون "رئيس الجمهورية" فتح الطرقات الرئيسية ويدعون المنظمات الحقوقية والإنسانية للمشاركة في "الهبة الشعبية" التي ستنطلق السبت القادم من "جعار" إلى "الكود" لفتح طريق "العلم" · يقول المواطنون في "جعار" إن المعاناة الحقيقية التي يعشونها الآن هي استمرار إغلاق الطرقات الرئيسية وعزلهم عن بقية محافظات · الأسبوع الماضي توفيت امرأة حامل بسبب نزيف حاد فيما منع الجنود ذويها من إخراجها عبر النقطة لإسعافها إلى مستشفى خارج المدينة · الغارات الجوية لا تستثني منازل المدنيين من القصف والطائرات تتعقب المسلحين في شوارع المدينة استطلاع/ جهاد محسن عام من المأساة الإنسانية ومعارك أبين لا تزال مستمرة بين قوات الجيش ومسلحي "أنصار الشريعة"، وليس هناك من يدفع ضريبة الحرب الباهظة أكثر من المواطنين، خاصة النساء والأطفال الذين نزحوا قسراً من بيوتهم للعيش في ظل القسوة والتشرد والمهانة. "الأولى" قامت بزيارة ميدانية إلى مدينة "جعار" التي يسيطر عليها مسلحو "أنصار الشريعة" منذ أكثر من عام، المدينة التي غيّر "أنصار الشريعة" اسمها إلى "وقار"، في حين بقي وضع سكانها أقرب إلى المأساة في ظلّ القتال المستمر والغارات الجوية التي لم تستثنِ بيوت المدنيين. رغم ذلك، ثمة تفاصيل لحياة يومية يعيشها من بقي من أهالي المدينة بجوار المسلحين، وعلى مقربة من ضراوة المعارك.
هواجس أمنية ومخاوف عامة على الرغم من طول ومشقة طريق "الحرور" المؤدي إلى بعض مناطق محافظة أبين، ومخاطر الحرب المفتوحة التي تخوضها قوات الجيش ضد العناصر المسلحة منذ عام، تمكنا من الوصول إلى مدينة "جعار" عاصمة مديرية "خنفر" كبرى مديريات محافظة أبين، التي يقدر عدد سكانها بنحو 155 ألف نسمة، وفق آخر تعداد أجرته الحكومة، وتقع هذه المديرية حالياً تحت سيطرة "أنصار الشريعة" الذين يطلقون عليها "ولاية وقار الإسلامية" منذ دخولها في نوفمبر العام المنصرم. وبمقدور الزائر للمدينة، أن يتلمس حالة الهدوء الذي تعيشه معظم شوارعها، والتي بدت وكأنها تعاني من حالة جمود سكاني بعد نزوح نحو 70% من مواطنيها، إلى مدارس عدن ولحج، هروباً من المعارك المستمرة في مناطق ومديريات قريبة منها. ولا يمكن للمرء أن يصف مدى المعاناة والأضرار المعنوية والنفسية والمادية التي ما انفك يتكبدها هؤلاء المواطنون الذين رفضوا مفارقة ديارهم والعيش تحت رحمة الشتات، يقول المواطنون في "جعار" إن المعاناة الحقيقية التي يعشونها الآن، هي استمرار إغلاق الطرقات الرئيسية، وعزلهم عن بقية محافظات الجمهورية، وإن الهاجس والتوجس الأمني الذي يمثل الهم الراسخ في أذهان الكثيرين منهم، هي التهديدات التي تشكلها على أرواحهم العمليات العسكرية وأعمال القصف الجوي والعشوائي للطيران والمدافع. حاولنا معرفة حصيلة الضحايا والجرحى من المدنيين الذين سقطوا في هذه المدينة، وعدد الممتلكات والمنازل المدمرة فيها، لكننا لم نجد إحصائية دقيقة بشأنها، والسبب هو عدم وجود جهاز متخصص يتولى عملية الإحصاء والحصر، ولكننا تمكنا من مشاهدة جوانب من الدمار لبعض من المباني والممتلكات العامة والخاصة، جراء تعرضها للقصف من قبل الطائرات الحربية اليمنية والأمريكية والسعودية، منها مبنى مستشفى الرازي الوحيد بالمدينة، ومبنى محكمة ومقر شرطة "جعار" القديم، والمعهد الصحي، والفندق الوحيد بالمدينة، والمبنى السكني للأطباء الصينيين، وجامع "الحمزة" الذي تم قصفه من قبل الطيران الحربي، بالإضافة إلى عدد من الأبنية والمنازل الخاصة التي دمرت بعضها تدميراً كاملاً.
الطرقات المغلقة أبرز معاناة المواطنين يشكو سكان مدينة "جعار" من استمرار قيام السلطات العسكرية بإغلاق الطرقات الرئيسية، الأمر الذي يضاعف من معاناتهم النفسية، ويكبدهم الكثير من العناء والأموال، ويوضحون في إفاداتهم ل"الأولى" أن الجيش بعد إغلاقه طريق "العلم" منذ أكثر من عام، أقدم مؤخراً على إغلاق طريق "الحرور"؛ المنفذ الوحيد الذي يسلكه سكان المدينة إلى بقية محافظات الجمهورية، ما جعل مدينتهم تعيش تحت حصار عسكري مباشر، حيث تمنع النقاط العسكرية المرابطة في طريق "الحرور" مواطني المدينة من الدخول والخروج عبره، بعد الساعة ال4 عصراً من كل يوم، ولا يتم السماح لهم بالعبور فيه، بما في ذلك الحالات المرضية الطارئة. ويقول عدد من الأهالي، إنه في الأسبوع الماضي، توفيت امرأة حامل بعد إصابتها بنزيف حاد، وذلك حين منع الجنود ذويها من إخراجها عبر النقطة وإسعافها إلى مستشفى خارج المدينة، وقالوا "لا يمكن قبول هذا الوضع المأساوي الذي يكلفنا أرواحنا بسهولة"، مطالبين بضرورة أن تقوم الجهات الرسمية بتوفير عربة إسعاف بجوار أول نقطة عسكرية في منطقة "الحرور"، ليتسنى لهم إنقاذ ونقل الحالات الطارئة عبر المنافذ الرسمية. ويواجه الوضع الصحي في مدينة "جعار" الكثير من المعوقات والإشكاليات، ولم نلاحظ أثناء زيارتنا للمدينة وجود أي مراكز صحية أو مستوصفات بديلة تغطي وظيفة مستشفى "الرازي" الذي تعرض للدمار الكامل جراء استهدافه من قبل الطيران الحربي، ويؤكد "أنصار الشريعة" أنهم قاموا بإنشاء مركز صحي بالتعاون مع لجنة "الهلال الأحمر"، لتقديم بعض الخدمات الصحية والطبية للأهالي في "جعار".
الأهالي ينظمون السبت المقبل قافلة شعبية لفتح الطرقات العامة يقول معظم سكان مديريات محافظة أبين، إنه في حال استمرت السلطات المعنية بإغلاق الطرقات الرئيسية أمامهم، فإنهم سوف يتحركون في هبة شعبية، السبت القادم، صوب منطقة "الكود"، لإجبار القوات العسكرية المرابطة فيها، على فتح طريق "العلم" الفاصل بين عدنوأبين، وذلك مهما كلفتهم تلكم المغامرة من ثمن، حد قولهم. مطالبين في ذات السياق كل المنظمات الحقوقية والإنسانية ووسائل الإعلام بتحمل مسؤولياتهم في نقل معاناة مواطني أبين، إلى مختلف الجهات الرسمية في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس "هادي". ويناشد مواطنو مناطق "جعار والحصن والمخزن والدرجاج وباتيس والرواء والجول"، كلاً من رئيس الجمهورية "عبد ربه منصور هادي"، ووزير الدفاع "محمد ناصر"، ومحافظ أبين "جمال العاقل"، وقائد المنطقة الجنوبية "سالم قطن"، رفع الحصار المفروض على مدنهم وقراهم، والذي أوصلهم إلى درجة كبيرة من المعاناة ونقص الاحتياجات الإنسانية، وارتفاع أسعار متطلباتهم المعيشية. وقالوا في بيان صادر باسم جميع الأهالي والسكان في مدن وقرى محافظة أبين، "إننا نناشد المسؤولين المعنيين وبحق الإسلام والمعاناة الإنسانية التي نعانيها، أن يفتحوا الطريق أمامنا، قبل أن تصبح الهبة الشعبية التي دعونا إليها خيارنا الوحيد"، داعين في بيانهم، مختلف المشائخ والأهالي والجهات الحقوقية والمنظمات بمختلف وظائفها الإنسانية، لمناصرتهم والوقوف إلى جانبهم أثناء تحركهم مع عائلاتهم وأطفالهم، صباح السبت القادم، من مدينة "جعار" صوب منطقة "الكود".
مخاوف سكان المدينة لا يخفي بعض سكان "جعار" قلقهم حيال بقاء المسلحين بينهم، بعد أن تصاعدت حدة الغارات الجوية التي تتعقب المسلحين، وتستهدف تحركاتهم في شوارع المدينة، كما أنهم يتهمون السلطات الرسمية، بأنها تمارس ضدهم سياسة العقاب الجماعي بسبب إغلاقها الطرقات الرئيسية. وعبر عدد منهم عن خشيته من أن تلجأ السلطات العسكرية إلى استخدام القوة ضد المواطنين الذين سيحاولون كسر الحصار واجتياز الطرقات المغلقة، آملين في سرعة الاستجابة لمطالبهم، والتخفيف عن معاناتهم، بعيداً عن إراقة دماء المواطنين المتضررين. بعض المواطنين تحدثوا إلينا قائلين إن من الجوانب الإيجابية التي وجدوها في ظل سيطرة مسلحي "أنصار الشريعة" على مدينتهم، هو إحساسهم بوجود الأمن والأمان الذي افتقدوه طيلة سنوات حكم الرئيس "صالح". ويضيفون: "لكننا لا نحبذ رؤيتهم يتواجدون بيننا بدباباتهم وآلياتهم العسكرية الثقيلة، لأن ذلك يعطي إشارة للطيران الحربي والبوارج الأجنبية المرابطة على سواحل أبين، بقصف مدينتنا وتعريض منازلنا وممتلكاتنا للخطر والدمار، دون تمييز بين المواطنين العاديين منا والمسلحين منهم". ويوضح البعض الآخر أن من الأسباب التي ساعدت مسلحي "أنصار الشريعة" على إحكام سيطرتهم بسهولة على مدينتهم، هي حالة الفوضى والفراغ الأمني الذي كانت تشهده المدينة، وغياب مؤسسات الدولة، وانقطاع علاقة المسؤولين بالسكان فيها منذ عام 1996.
نازحون يطالبون بإنهاء الحرب والسماح بعودتهم إلى ديارهم الارتياح الشعبي الذي خلفته بعض السياسات والأفعال لدى "أنصار الشريعة" في مدينة "جعار"، يقابله أيضاً استياء كبير لدى سكان المدينة الذين لا يزالون مشردين من بيوتهم، وهو ما قرأناه جلياً في ملامح الكثير من النازحين الذين يشكو السواد الأعظم منهم، حين التقينا بهم في مدارس مدينة عدن، وهم يطالبون السلطات في الدولة ومسلحي "أنصار الشريعة" بأن يشعروا بمعاناتهم ولو من مبدأ الشفقة والإنسانية، ويأملون أن تتوقف الحرب والغارات الجوية، وأن تفتح الطرقات أمامهم ليتسنى لهم العودة إلى ديارهم. وقالوا: لا توجد ضريبة أبهظ مما ندفعها حالياً من بقائنا مشتتين ومشردين عن ديارنا"، مشيرين إلى أنهم مضى عليهم أكثر من عام، وهم يتجرعون مرارة البؤس والمذلة، ويقطنون في ظل أوضاع إنسانية لا ترضى بها كل الأديان والشرائع السماوية. ويصف الكثير من المواطنين الذين التقينا بهم في مدينة "جعار"، أنهم باتوا يشعرون أن حياتهم صارت رخيصة، وأرواحهم أصبحت رهينة بين كماشة العمليات العسكرية، وبين استعدادات المسلحين لمواجهة الهجمات التي تتعقبهم، آملين أن يكون هناك صلح بين القوات الحكومية ومسلحي "أنصار الشريعة"، حتى تنتهي فصول مأساتهم، وتتمكن عائلاتهم من العودة إلى الديار، وتفقد ما خلفته المعارك من خراب ودمار. "وحدنا من سيظل ردحاً من الزمن يدفع ثمن ما أصابنا بألم وصمت"؛ قال أحد المواطنين في جعار