تبدو الضربات الاقتصادية التي توجهها الحكومة اليمنية الشرعية أكثر إيلاماً لمليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، خصوصاً بعد خسائرهم الميدانية والعسكرية، فآثار ضربة نقل البنك المركزي ما زال ألمها مستمراً، بل ويزداد، حيث يدخل موظفو الدولة شهرهم الثالث وهم من دون رواتب؛ بفعل عبث الانقلابيين بالبنك والاحتياطي النقدي خلال العامين الماضيين. وبما أن الحكومة الشرعية تأخرت في نقل البنك المركزي –باعتراف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة– يطالب مراقبون الحكومة بالتعامل سريعاً مع ميناء الحديدة، الذي يسيطر عليه الانقلابيون، خصوصاً في ظل عدم وجود جبهة قتالية لتحرير الساحل الغربي في اللحظة الراهنة. - عائدات كبيرة
وتكمن أهمية ميناء الحديدة في أنه يستقبل السفن التجارية والإغاثية، ويُدر عائدات مالية كبيرة تبلغ سنوياً نحو 45 مليار ريال (أي ما يعادل 150 مليون دولار أمريكي)، تستفيد منها المليشيا، التي وظفت الميناء في مهاجمة الحكومة الشرعية والتحالف عندما رفضت دفع فواتير سفن تحمل مشتقات نفطية، وتوهَّم المواطنون عبر إعلامها أن التحالف والحكومة الشرعية يرفضون دخول المشتقات، ويحاصرون اليمن اقتصادياً. كما أن ميناء الحديدة من أهم الموانئ اليمنية، والبوابة الرئيسة على البحر الأحمر، وتمر خلاله مختلف الصادرات والواردات، ويرتبط بقناة ملاحية بطول 11 ميلاً بحرياً، وعرض 200 متر، وحوض للاستدارة بقطر 400 م، تصل الميناء بمناطق انتظار. كما يتميز بقربه من الخطوط الملاحية العالمية، وكذلك يتمتع بحماية طبيعية من الأمواج والتيارات المائية، وغير معرَّض للرياح الموسمية. ويمتلك ميناء الحديدة 15 لنشاً بحرياً بمواصفات ومقاييس مختلفة ومتنوعة، كما يمتلك كريناً عائماً بقوة رفع 75 طناً، وحفار بقوة 700 حصان، يعمل بصورة دائمة على صيانة وتنظيف الأعماق في القناة الملاحية وحوض الاستدارة.
- خطوة مهمة
الصحفي الاقتصادي اليمني، محمد الجماعي، اعتبر أن نقل نشاط ميناء الحديدة الاقتصادي إلى ميناء عدن من أهم الخطوات اللازمة لحصار المليشيات الانقلابية اقتصادياً بعد نقل البنك المركزي، وكذلك إعادة تأمين تصدير النفط والغاز من موانئ التصدير المعروفة. وأضاف في حديثه ل"الخليج أونلاين": "تحويل الحركة التجارية إلى ميناء عدن هي خطوة من شأنها تعزيز مكانة الأخير تجارياً؛ لكونه الأجدر بذلك، بالإضافة إلى تعميق الوحدة الوطنية". ومع ذلك يشدد الجماعي على ضرورة تحرير مدينة الحديدة بالكامل، وكذلك شبوة، وما لم يحدث ذلك فسيظل الباب مفتوحاً لتأمين خطوط إمداد المليشيا عسكرياً واقتصادياً أيضاً. حيث يرى الجماعي أنه ينبغي أن يسبق ذلك تحرير خط أنبوب صافر- رأس عيسى، "الميناء العائم".
- ضربة موجعة
الخبير الاقتصادي، مصطفى نصر، قال إن الحكومة الشرعية إذا ما قررت تغيير مسار الملاحة الدولية باتجاه موانئ عدن والمكلا بدلاً من الحديدة، أو تحرير ميناء الحديدة من قبضة المليشيا، فإنها تكون قد وجهت ضربة موجعة لسلطة الحوثي وصالح الانقلابية، خصوصاً بعد نقل البنك المركزي إلى عدن. وفي صفحته على فيسبوك، شدد نصر على ضرورة أن تعزز الحكومة الشرعية من الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها لتدعيم خطواتها وقراراتها الاقتصادية، ولا سيما فيما يتعلق بنقل المركز المالي لليمن، المتمثل في المراكز الرئيسة للبنوك والشركات والمؤسسات في صنعاء. وأضاف: "من غير الواضح حتى الآن مصير المؤسسات الحكومية والخاصة التي ستتجاذبها سلطتان في الأمد القريب، وسيكون العامل الحاسم فيها قدرة أي من الطرفين على إدارة الأمور بفاعلية وكفاءة، وقبل ذلك تطورات الأحداث عسكرياً، التي بإمكانها قلب الموازين على الأرض".
- معالجات مطلوبة
وسائل إعلام كانت كشفت عن تمويل إيران للمليشيا بآلاف الأطنان من الوقود شهرياً منذ أكثر من عام، عبر رجال أعمال موالين لها يشترون الوقود الإيراني من مرافئ خارج إيران، ومن ثم شحنه إلى ميناء الحديدة، مخترقة بذلك الحظر البحري الذي تفرضه قوات التحالف العربي منذ مارس/آذار من العام 2015. في المقابل فإن أي خطوة لنقل النشاط التجاري والملاحي لميناء الحديدة تحتاج إلى معالجة النتائج السلبية التي ستنعكس على آلاف العمال من المدينة الساحلية الفقيرة من قبل الحرب، والتي بلغ فيها الوضع الإنساني ذروة التدهور، بعد انتشار المجاعة في قرى التحيتا على سبيل المثال، بالإضافة إلى انقطاعات الكهرباء، وصعوبة العمل في الصيد؛ بسبب استخدام المليشيا لقوارب صيد في تهريب السلاح، ما دفع التحالف إلى قصف بعض المرافق الخاصة بالصيادين، وكذلك قوارب في البحر. وكانت حكومة بن دغر بدأت معركة اقتصادية بنقل البنك المركزي إلى عدن، بعد تلاعب الانقلابيين بالاحتياطات النقدية، وبدأ أثر الخطوة سريعاً؛ إذ إن سلطة المليشيا تبدو عاجزة عن دفع مرتبات الموظفين الحكوميين منذ شهرين، بالإضافة إلى أزمة سيولة حادة من النقد المحلي.