تدخل المقبرة لزيارة راحل عزيز على قلبك أو لتشارك في تشييع جنازة، فتسمع كلَّ واحد يفتح فمه بصوت مرتفع ويقول لك: ييييه يا خبير أنت داعس على قبر.. تحاول أن تتحاشى قدر الإمكان أن تدوس على قبر فلا تقدر، لأنها منخفضة ومتساوية بالأرض، ولو كانت مرتفعة قليلاً لما اضطر أحد أن يقف على قبر.. لكن هناك من يخوِّف الناس من رفع القبور،بحجة أن ذلك حرام.. حين ترى مقابر اليهود أو المسيحيين تشعر بالاحترام للإنسان يتجسَّد في مساحة المقبرة الخضراء كأنها سجادة، ويتجسَّد في شكل القبور والمسافة التي تفصل بينها.. حتى أن المرء يتمنى لو أنه يحظى بقبر محترم كهذا.. ولن أتحدَّث عن الورد الذي تجده طرياً فوق كلِّ قبر، لأن ثقافة الورد عندنا معدومة.. حينها ترى أن الفرق شاسعٌ بيننا وبينهم في احترام الإنسان، والإعلاء من كرامة الميت التي لا تتعدَّى دفنه عندنا. ورغم أننا دائماً نردِّد مقولة "حُرمة الميت من الثرى إلى الثريا"- ونعتبرها حديثاً شريفاً- لكننا ندوس هذه الحُرمة، ونضرب بها عرض الحائط بعشوائيتنا في التخطيط وضيق المسافة بين القبور، الذي لا يتترك لك أحياناً موضع قدم تقف فيه. مقابرنا شبيهة بالأماكن العشوائية التي يتم فيها دفن النفايات النووية ليلاً، بصورة غير شرعية، هكذا كيفما اتفَّق.. إلى حدّ أن ترى قبوراً أصبحت متهدِّمة ومفتوحة بفعل الأمطار والإهمال، حتى يخيَّل إليك أن القبور قد بُعثرت فعلاً.. وبعضها مجهول أيضاً، وهذا ناتج عن مقولات مغلوطة منها "رحم الله قبراً لا يُعرف".. وكأن كتابة اسم الميت على القبر ستخرجه من رحمة الله!! أما الحديث الذي يقول "لا تتشبَّهوا باليهود"، فهو يرمي إلى السلبيات وليس الإيجابيات.. ففي هذه المسألة أتمنى أن نتشبَّه بهم.