يحتار المراقب في ذالك الشحن الإعلامي الذي رافق الاحتفاء بالذكرى السنوية لمولد الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.. لقد وصل الحال بمذيع أن يطلق اللعنة على من يعتقد بأنهم خصوم حزبه السياسيين، مع أن الجميع معنيٌّ بالابتهاج بذكرى السيرة المعطرة لسيد البشرية، الذي جاء في هديه "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة"، و"أفضل الصدقة أن يتعلم المرء ثم يعلم أخاه". ويا ألف سبحان الله.. أين نحن من "خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين"، "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين". حتى لو جاءت ذكرى المولد النبوي الشريف والحياة تمضي في اليمن بمنغصات العنف والكيد السياسي، ما كان أحوجنا مثلاً لمكونات سياسية لا تحول المناسبة إلى فضاء إعلامي للخلاف، وإنما لفضاء يتسابق فيه الجميع لاستحضار سيرة عطره تحفز الجميع على الاقتداء وعلى الاهتداء.. لا بأس أن يختلف حزب الإصلاح أو جماعة أنصار الله الحوثيون ما شاءوا، ولتدخل مكونات أخرى على خطوط الاصطفاف السياسي وشظاياه على الأرض، ولكن.. هل المناسبة تستدعي كل هذا التعصب والعصبية، وتحويل ذكرى مولد سيد الخلق إلى فرصة لنصب القلاع الرملية واستدعاء ما يغيِّب الضمير ويهز القيم ويخل المعايير. رسولنا الكريم يحثنا على الكلمة الطيبة والعدل بين الناس وإماطة الأذى عن الطريق، وبعضنا يجهر بالسوء من القول مظلوماً وظالماً، ويتفانى في تعزيز منتج الاحتقان والدم والاغتيالات، مع أنه يكفي الشعب اليمني ما فيه من تعرض بنيته النفسية قبل الجغرافية إلى الشروخ. كم نحن في هذه البلاد محتاجون في مناسبة المولد النبوي إلى البحث لأجسادنا عن مقعد مريح، نستعرض فيه جميعاً كيف كان يقف بجانب المظلوم حتى قبل رسالته المحمدية، وكيف شملت رحمته الكبار والصغار، وكيف أن ذكرى مولده مناسبة تدعو لتزكية النفس والرحمة بالوطن وأهله والالتقاء بوجوه بشوشة، ولا بأس من البكاء على حالنا زرفات ووحدانا. التوتر حتى في احتفالية المولد النبوي يصيب الرأس بالصداع ويرفع الضغط ويثير الحسرة على سياسيين وفقاعات إعلام تهوى الصخب والضجيج ومحاكمة النوايا، في ذات السياق الذي لا يكرسون فيه إلا الانحراف والضغائن ومساعي سلخ الجلد على طريق تقطيع أوصال وطن يسأل -في المولد النبوي- شقشق الصباح بالنور، فمتى تكف الديوك عن العراك والصياح؟ "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا".