يحدث أن يهدم خطيب جامع ما تبنيه عشر مدارس، ويفعل خطاب ديني ما لا تفعله أسلحة الدمار الشامل.! لقد تعافت هيروشيما وناجازاكي من آثار القنابل الذرية التي دمرت الشوارع، لكن لا أمل أن تتعافى كابول وقندهار، على المدى القريب، من كوارث الإسلام السياسي المسلح الذي قصف العقول، وأهلك الحرث والنسل.! ومن أفغانستان إلى الصومال واليمن والعراق وسوريا.. كلما دخلت "عصافير الجنة" أرضاً أحالتها إلى قطعة من الجحيم.!؟ الفكرة الهدامة أخطر من كل السموم التي ابتكرتها الطبيعة، ومن كل الأسلحة التي اخترعها البشر، يبدأ الأمر عادة بمرضى يحاولون مداواة الأصحاء، ليتعمم الوباء، ويدمر كل شيء، كل شيء، الإنسان والمادة، ويدس المرض في جينات الأجيال القادمة. الفكرة الهدامة تستهدف العقل، وتستلب الشخصية، وتحيل الشخص من مواطن سوي مسالم، يحب الخير لنفسه وللجميع، إلى كائن مسعور يتحرك بكمٍّ هائل من الكراهية والعدوان.. تماماً، كما يحدث للمستذئبين في أفلام الرعب الخيالية، الاستذءاب مرض معدٍ، مجرد عضّة مستذئب تخمد الشخص للحظات ليصحو وحشاً مرعباً يتجه بلا وعي لعض غيره، وهكذا ينتشر الوباء، ويسيطر مصاصو الدماء على المدينة، التي أصبحت مدينة أشباح.. من كان يتصور أن دولا مدنية كالعراق وسوريا تصبح مسرحاً لمصاصي الدماء، أو أنهم في هذين البلدين بهذه الكثرة وبهذه الدرجة من التوحش!! مخرجو هوليود فقط يمكنهم تصور مشاهد مقاربة لمشاهد المجاهدين وهم يذبحون أسراهم بالسكاكين والسيوف، ويحملون رؤوسهم كأنها رؤوس دمى بلاستيكية..!! رب همة أحيت أمة "الأنبياء"، ورب همة أماتتها "رجال الدين"، الطرفان متناقضان منذ البدء، النبي يبني ورجل الدين يهدم، الأول يحيي والثاني يقتل، الأول يعطي والثاني ينتهز.. الأول رحمة للعالمين والثاني سوط عذاب على البشرية.! لم يعد الله يبعث أنبياء، لكن الشيطان ما زال يفعل، دعاة الكراهية ومرجعيات الفتن وزعماء الإرهاب.. مصاصو دماء لا يمكن القضاء عليهم بطريقة هوليود، بحمل الأحجبة وطعنهم بأدوات خشبية مقروء عليها ياسين.. بل بتحرير الدين وأماكن العبادة منهم، وتعميم خطاب ديني راشد، حيث يمكن لخطيب جمعة مساندة عشر مدارس، ولخطاب ديني أعادة بناء ما دمرته خطابات الدمار الشامل.!