وأنت تعبر (نفق عمران) في جولة عمران، تلفت انتباهك لوحة كتب عليها بالأحمر: " سأبتسم... بقطرة من دمك"، طبعا هذه العبارة ليست على لسان أولئك المتصارعين من المشايخ ورجال السياسة والدين الذين أدمنوا الدماء، فلا تقر لهم عين ولا تهدأ لهم نفس ولا يرتاح لهم بالٌ ولا تعرف السعادة إليهم طريقا دون أن يروا الدماء تغمر الأرض؛ بل على لسان إنسان بينه وبين الحياة قطرات من دم يتبرع بها أخ يقدر قيمة الإنسان ومعنى أن تنقذ نفساً وتعيد لها الأمل في الحياة، أن تنقذ إنساناً من الموت، وأطفالاً من اليتم، ونساء من الثكل، وأسرة من التشرد، أن تزرع ابتسامة في الشفاه وفرحة في القلوب. عبارة اختارها المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه، لتحفيز الناس على التبرع بالدم، وحثهم على أن تسهم دماؤهم في ضخ الحياة إلى قلوب الكثيرين، وبعث الإنسانية في نفوسهم ليصبحوا مخلِّصين للبشر من الآلام... شدتني هذه العبارة للتفكير في ذلك الدم المراق في أصقاع الأرض، وأولئك الذين وهبوا دماءهم للموت والخراب والدمار ومصالح قلّة ممن اعتادوا على بناء عروشهم على الجثث والدماء!!! لو أن هؤلاء قرروا تغيير المسار، وبدلاً من أن ينذر الواحد منهم دمه للموت، وإزهاق الأرواح وزيادة أعداد اليتامى والثكالى والمشردين، إضافة إلى أهله هو وأبنائه الذين يهبهم للموت ويورثهم الألم والحزن والخراب؛ بدلاً من ذلك يهب القليل من دمه ليحيي النفس البشرية التي جعل الله تعالى إحياءها كإحياء الناس جميعا وقتلها كقتل الناس جميعا. ألم يكن الأجدر بالدماء الكثيرة التي أريقت قرابين للشياطين البشرية، وأهدرت وقودا للشر والظلام؛ أن تعطى لصالح السلام والخير والطمأنينة، وتصبح رمزاً للحياة والحب والإخاء، بدلاً من الموت والكراهية والعداء!! لو يكف هؤلاء عن حمل السلاح والتوجه إلى ساحة الحرب، ويحملون الورود متجهين صوب مراكز نقل الدم ويتبرعون بما استطاعوا من دم، لعمَّ السلام أرجاء الأرض، ولأشرق وجه الوطن بضوء المحبة الذي بإمكانه أن ينقلنا من الحضيض إلى القمة، ويخرجنا من نفق مظلم يجرنا والوطن إلى الجحيم، ليقودنا إلى جنة نبنيها بالإنسانية والتسامح والإخاء والمودة.