بقلم/ عبدالله الدهمشي [email protected] امتلكت القضية الجنوبية عدالة الحق وقوة الجماهير وسلمية النضال, لكنها افتقدت وحدة الأداة المعبرة عنها سياسياً, وكفاءة القيادة المسؤولة عن استثمار العقل النضالي في إنجاز المهام وتحقيق أهداف النضال الشعبي ومطالبه المشروعة والعادلة, فتفرقت بها المكونات وشتتتها القيادات المتنازعة على الزعامة وذهبت بها الأهواء والأوهام بعيداً عن واقعها وعن التوازن بين الممكن والمتاح. مؤخراً, تحركت القضية الجنوبية بتأثير مجريات الأحداث في العاصمة صنعاء وتحديداً القوة المسلحة لجماعة أنصار الله في حسم الصراع وفي تحقيق أهداف الجماعة والانتصار لها بصورة تدل على أن ذلك تحقق فقط بالقوة المسلحة, وعلى هذا كثر الحديث عن أهمية القوة المسلحة في الانتصار للقضية الجنوبية وضرورة التحول إليه كخيار استراتيجي أمام مكونات الحراك الشعبي في الجنوب. لن نعقد هنا مقارنة بين أنصار الله والحراك الجنوبي وبيان أوجه الشبه والاختلاف بين القضيتين وكيانهما النضالي, ذلك أن الوضع الراهن يجزم في دلالته على محورية الثورة في الصراع وفي الحسم, ومع ذلك نقول إن قضية صعدة وجماعة أنصار الله ظهرت منذ البداية كجماعة مسلحة في قتال مع القوات الحكومية, وبهذا الوضع التاريخي تأطرت قضية صعدة بين ملفات الأزمة الوطنية, بينما ظهر الحراك كنضال سلمي واحتجاج جماهيري واستمر كذلك حتى اللحظة, ومن الصعوبة بمكان أن يتجه إلى الخيار المسلح, وهذا أمر يطول شرحه لأسباب أهمها طبيعة القضية الجنوبية وطبيعة الكيان التنظيمي. يتنازع القضية الجنوبية اتجاهان: أحدهما ينادي بفك الارتباط عن دولة الوحدة واستعادة الدولة الشطرية للجنوب بينما يتمسك الآخر بالوحدة وينادي بإعادة بناء دولتها واستعادة الشراكة في بنائها, ولذلك فإن الصراع بين التيارين يحول دون تحوله إلى القوة المسلحة, ولعل الفرق الجوهري بين موقف أنصار الله من مؤتمر الحوار الوطني, وموقف الحراك الجنوبي, يثبت الخلل الوجودي والوظيفي للحراك وعلاقات مكوناته بعضها ببعض, الأمر الذي يجعل السلاح خطراً على الحراك وعلى مكوناته المختلفة. وبعيداً عن هذا كله, فإن الحراك الجنوبي حقق عبر المسار التاريخي لنضاله إنجازات كبيرة وكثيرة وضعت القضية الجنوبية في موقعها الحيوي من الأزمة الوطنية كأساس جذري لهذه الأزمة وكمفتاح وحيد للحل والانفراج, وتأطر كل هذا في وثائق العمل السياسي، المرجعية المعترف بها كمصدر للشرعية السياسية من قبل القوى اليمنية ومن قبل المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي, وعليه فالحراك الجنوبي لا حاجة له للخيار المسلح بقدر حاجته لوحدة مكوناته وقدرتها على استثمار كل هذه الإنجازات للوصول بها النجاح الممكن إلى دولة اتحادية.