داخلياً وخارجياً هناك استدعاء حثيث للصراع الإقليمي في تفسير ما يحدث في اليمن وتداعياته المستقبلية، وأغلب الأطروحات تختزل المشهد اليمني في أنه حلول للنفوذ الإيراني محل النفوذ السعودي وكلٌ من زاويته الخاصة يجتهد في تحديد ما يجب وما لا يجب على هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، ويحاول رسم مستقبل اليمن تبعاً لمستقبل نفوذ كل من السعودية أو إيران مفترضاً أن الإرادة الداخلية لا يتعدى دورها المفاضلة بين التبعيتين، مستبعداً أي خيار يمني حتى في التبعية لطرف ثالث. بغض النظر عن حقيقة تهم التبعية التي توزعها وسائل الإعلام كمسلمات لا تقبل التشكيك ومع التسليم بضرورة تأثير المحيط الإقليمي فيما يحدث في اليمن وتأثيره عليه وتأثره به إلاّ أن ما يطرح اليوم من قراءات لا تقوم على أساس موضوعي بقدر ما يمكن تسميتها حالة استقطاب حاد للمال الإقليمي إلى محرقة الداخل لتمويل مواجهات قد يطيل أمدها ذلك المال، لكن الإرادة الجماهيرية الداخلية هي وحدها من يملك قرار الحسم. حقائق التاريخ تقول إن الجغرافيا حسمت معركة النفوذ في اليمن بعد قيام الثورة في 1962م لصالح السعودية ضد الجيش المصري كما حسمتها في العراق لصالح إيران رغم وجود عشرات الآلاف من جنود المارينز الأمريكيين وحقائق التاريخ أيضاً تقول إن الإرادة الجماهيرية الداخلية حسمت المعركة لصالح الجمهورية في مواجهة النفوذ والمال السعودي والإيراني مجتمعين كما حسمتها لصالح هوش منه في فيتنام ضد أكبر قوة عسكرية في العالم. النفوذ الإقليمي والإرادة الدولية لهما دور في إطالة أمد الصراعات أو تخفيف حدتها وتجاوزها لكن أسباب الصراعات داخلية في المقام الأول والطرف الذي يراهن على الإرادة الداخلية هو من يحسمها لصالحه وليس الذي يراهن على ممول إقليمي أو إرادة إممية ولعلنا نتذكر جيداً أن مؤتمر جيزان قال صيف 94م إنه "لا وحدة بالقوة"، والإرادة الدولية قررت حينها عودة القوات إلى حدود ما قبل 90م، لكن الإرادة الإقليمية والدولية خسرت أمام إرادة الجماهير في الوحدة. ما حدث بالأمس ويحدث اليوم وسيحدث غداً أمر مرهون بهذه الحقيقة وما دامت السياسة السعودية منسجمة مع هذه الحقيقة فإن نفوذ المملكة في مأمن من المنافسة سواءً من إيران أو من غير إيران. ما يهدد نفوذ المملكة هو الاتكال على تهويمات قناة العربية والهرولة وراء كاتب في الشرق الأوسط يدعو جاهراً ساسة الملكة للسير وراءه إلى المكان الذي لا يوجد فيه اليمنيون لتعزيز نفوذها في وجه نفوذ إيراني متوهم.