هكذا تُكشطُ تماسات الخارطة ويجري تجريد العالم من تنوُّعه وتباين وجهات نظره وتقاطع واختلاف مصالحه، بمعيارية فجة وقرصنة فاضحة تجعل منه (عالماً أمريكياً) محكوماً ب(يقينيات نازية جديدة) تطمر البشرية تحت كرشها، حين تسرِّح بصرها في الكون الشاسع، فلا ترى إلا تخوم أمنها القومي ومرابض يخوتها وأساطيلها... لست مضطراً لتذكير جمهرة النخبة العربية المنوَّمة أمريكياً بجذور نشأة هذا (الغول) الذي تهرس جنازير القرصنة الأمريكية أضلاع الشعوب وتنبش في أدق خصوصيات البلدان بذريعة (مكافحته).. فبمخالب هذا " الغول " الذي أنتجته ال CIA في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، سددت أمريكا طعنة أخيرةً قاتلة في جسد المنظومة السوفياتية الشائخة، هي كل ما كان ينقصه ليترنح ويتناثر أشلاءً وتؤول اليها حيازة العالم... كان (غول الإرهاب) إذاً مصلحة أمريكية من حيث النشأة والوظيفة، واليوم فإنه لا يزال مصلحة أمريكية يدين له (مركز الهيمنة القطبية) بنسبة كبيرة في حصاد نفوذه الدولي إذ مثلت (ورقة الإرهاب) ولا تزال إحدى أبرز قناطر العبور الأمريكي فوق كل التماسات والعوائق وأضابير المواثيق والاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولية المنظمة لشبكة المصالح والعلاقات الأممية، متجاوزة كل ذلك صوب تكريس أحاديتها كأمر واقع. فضلاً عن ذلك فإنه ومنذ واقعة مركز التجارة العالمية 2001 م باتت عبارة (من ليس معنا فهو ضدنا) التي أطلقها (جورج بوش) عقب الواقعة الشهيرة، بمثابة قانون طوارئ وتفويض مفتوح انتزعته الإدارة الأمريكية من المجتمع الدولي، بالإكراه في ظل غياب التوازن، لتدشن سلسلة حروب كونية من طرف واحد ضد (كائن خرافي زئبقي) إسمه (الإرهاب مختزلاً في تنظيم القاعدة)، والنتيجة إبادة ملايين البشر وتسوية مساحات شاسعة من المعمورة بالأرض وتقويض دول لصالح تغوُّل منقطع النظير لمخالب القرصنة الأمريكية ومخالب تنظيمات الجريمة الدولية المتعدية للجنسيات؛ في لحم الخارطة على حد سواء، كبرهان عملي على أن المخالب ذات المخالب، وأن تباينها النظري لا يدحض (واحدية المغزى) بالمحصلة... إن تقويض قوة الدول عسكرياً وأمنياً عبر الحصار والعقوبات والعزل ومن ثم احتلالها مباشرة (العراق أنموذجاً)، هو السبيل الضامن لسرمدة حاجة هذه الدول المستهدفة إلى (الحماية الأمريكية)، في معادلة قسرية خلاصتها (كل ما نملك من ثروة وسيادة وطنية نظير صندوق ذخيرة لم نعد نملكه).. وفي الأثناء فإن "الإرهاب المزعوم" يبقى بمثابة مضرب التنس الذي يعيد الدول الضحايا إلى خناق الارتهان للوصاية الأمريكية تحت طائلة العجز عن مواجهته، كلما حاولت هذه الدول خرق مجال الوصاية وإدارة شأنها الداخلي بمنأى عنها... إن إخفاق الإدارة الأمريكية المتكرر -على سبيل المثال- في شن عدوان مباشر على "الجمهورية العربية السورية" بذريعة حماية المدنيين (المطالبين بالديمقراطية والتغيير)، ألجأها لتحوير غير جوهري في الذريعة أمكنها على إثرة -بلوغُ هدفها الجوهري متمثلاً في العدوان على السيادة السورية باستثمار قرار أممي مفاده كبح تمدد (داعش الإرهابي) ليثبت أن "الإرهاب" مجدداً- هو الورقة الأكثر نجاعةً في تجسير فراغ المسافة بين قبضة القرصنة الإمبريالية ورقاب الشعوب والبلدان على الطرف النائي من الكرة الأرضية.. إنه (حصان طروادة) الذي تُمدُّ –هي- مفاصلَه الخشبية بقوة الحركة التي يفتقر إليها في ذاته؛ فيُمُدها بقدرة التخفِّي والنفاذ التي تحتاج اليها لفتح مغاليق الخرائط الموصدة أمامها ومزاولة اللصوصية والبطش بمأمنٍ من طائلة المساءلة، وعلى نحو لا تتيحه لها بنفس السلاسة توائمه الذرائعية الأخرى المتحدرة من ذات الرحم الأمريكي (كالديمقراطية وحقوق الإنسان والديون، واتفاقيات الوصاية المقنعة)..