لم يكن "دارون" أول من دعا الناس للتواضع، لكنه أول من فعل ذلك بطريقة منهجية وقحة، ومن الطبيعي أن نرفض نظريته لأنها بكل بساطة تستفز نرجسيتنا المرهفة. يشبه الأمر أن تقول لأحدهم مثلاً "إنه ابن كلب.. رغم أن هذه الشتيمة التي لم تكن لتزعج "دارون"، لم تكن في مرحلة ما لتزعج أيّ شخص من قبيلة "كلب" العربية الشهيرة. بالمناسبة كانت كل قبيلة عربية في المرحلة الطوطمية، تظن نفسها متحدرة عن حيوان ما، وتنتسب إليه: بنو كلب، بنو كليب، ثعلب، فهد، أسد، نمر، نمير، ذئب، ضبع، الأرقم، اليربوع، عجل، ثور، قراد، ضب، ضبة، جحش، بكر، قريش.. انتهت تلك المرحلة، وصار هؤلاء قحطانيين وعدنانيين، وسادة وأخدام، وقبائل وموالي وأهل الخمس.. فيما ظلت تلك الأسماء الحيوانية شاهدة على مرحلة أسبق، كالزوائد الدودية، التي تذكرنا التهاباتها بأصلنا المتحدر من آكلات العشب ذوات الأربع أقدام. يزعم السومريون أنهم يتذكرون مرحلة الأربع أقدام تلك، وفي أساطيرهم أنهم جاءوا إلى العراق من جزيرة "دلمون" البحرين حالياً، عندما كان بقية البشر يسيرون على أربع، وبذلك فهم أول من أشار لهذا الأصل الوضيع للبشر، كما أنهم أول من اخترع الكتابة. في نفس المسرح، لكن بعد خمسة آلاف عام، ظهرت "داعش" لتغلق المدارس وتفتح أسواق النخاسة، وتبرهن على الغرائز الأكثر بدائية ووحشية في البشر!. في كل حال من الصعب على مجتمعات عنصرية ترفض أن تتواضع لتتقبل فكرة إقامة علاقة نسب بين شرائحها وأعراقها المتعددة، أن تتواضع لتتقبل فكرة أن هناك علاقة نسب تجمعهم بالثدييات لمجرد أن البشر يرضعون أطفالهم كما تفعل القطط، أو حتى لأن البشر والشمبانزي يشتركون في أكثر من 98.5% من جيناتهم الوراثية.