كما استبعدتم فكرة الثورة وغيرها من الأحلام المستحيلة في اليمن على الأقل، أولاً علينا أن نعرف بأن شركاء النظام السابق في الوحدة تحولوا بعد فترة قصيرة إلى كومة مسامير حادة تنخر جسدها الرقيق، ولم تمضِ ثلاث سنوات من تحقيقها حتى أصبح لها أعداء من أبنائها.. كذلك في شتى مجالات الحياة على مدى الثلاثة العقود الماضية شهدنا على الكثير من الحالات المشابهة، فكل الذين أتيحت لهم الفرصة لتولي المسئولية وتبوأوا مكاناً في مواقع صنع القرار وإدارة الدولة يتحول إلى شخص متمسك بكرسيه، معتقداً بأن قرار إقالته أو استقالته من عمله يعتبر عملاً عدائياً ضده، فيناضل من أجل البقاء بكل ما أوتي من حقد وغباء وعدمية. ولو ذكرنا كم عدد الوزراء الذين تمت إقالتهم من مناصبهم فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها لوجدنا الحقيقة كاملة تخبرنا بالسر الكبير والخطير الذي يتسبب بتدمير وتقزيم وتفكيك ومحو كل أحلامنا ومشاريعنا التي تبدأ كبيرة وجميلة. السر هو الاعتقاد الخاطئ الذي يتقمصنا بعد تولينا أي منصب أو مشاركتنا في عمل ما عظيم، الاعتقاد بأننا لو تركنا ذلك العمل سيفشل، وأن ذلك المشروع لو استبعدنا منه فمصيره الزوال، ناهيكم عن الاعتقاد بأن استبعادنا مؤامرة وحقد وكراهية ونقطة فشل سوداء، لهذا نقاوم ونختلق من السوء والقبح والفشل أدوات لا محدودة للبقاء فاشلين في نفس الموقع.. لا نؤمن بأن الوظيفة عمل تشاركي ومن الطبيعي أن تنتهي فترة أعمالنا فيها، لا نعرف أيضاً بأن الاكتشافات العلمية والمشاريع الخاصة تخضع لقانون التغيير والتبديل لكي تستحق البقاء، آلاف الاكتشافات العظيمة التي سجلت براءات اختراع لشخص واحد خضعت للتطوير والبحث والإدارة من قبل غيرهم فما بالكم بوظائف الدولة..! ولو راجعنا آخر أربع سنوات لوجدنا أن من اعتبروا شركاء في ما سمي ب"ثورة 2011م" تحولوا خلال أشهر فقط إلى مطبات شاهقة وشائكة في طريق التغيير الذي محته الشمس من لافتات الثورة وأفكار الثوار! ولأن هذه الثقافة تقاوم كل الرغبات الصادقة في التغيير فقد دُمِّرت المؤسسة العسكرية لنفس الأسباب المذكورة، فأنا أستبعد حدوث أي انقلاب، لأن الانقلاب لن يقوم به جيش ممزق، الانقلاب لن يقوم به أفراد أو مجندون بدون قائد عسكري محنك، وإذا افترضنا بأنه حدث انقلاب عسكري اليوم فلننظر ما الذي سيحدث غداً، لن يحدث شيء على الإطلاق سوى أن يعتقد الكثير من الذين سيشاركون فيه أو يقودونه بأنهم "هم الكل بالكل"، كما يقال بالبلدي.. وسيبدأون بالبحث عن المكاسب ويقودهم الخوف من تغييرهم أو استبدالهم أو حتى نقلهم وتغيير مواقع عملهم إلى فشل كبير لا يقل سوءاً ولا خطورة عمَّا يحدث خلال ثلاثين عاماً. في الأخير أود تذكيركم بأن طنطاوي الذي استلم الدولة في مصر لم يرفض قرار استبعاده لاحقاً، ليس لأنه كبير في السن بل لأنهم لم يتعلموا ثقافة "لوما سعيدة لبيت رَدَم." وسلامتكم.