للأديب اللبناني الراحل أنسي الحاج "كلماتٌ" بليغة توجز الواقع المُعاش: "ليتنا لم نعش لنقارن، وولدنا في زمن الانحدار لنرى هذا الهبوط صعوداً"! صعدت بعض تحليلات عابثة بوقائع التاريخ، استعادت بأثرٍ رجعي، ذكريات ماضٍ "سوؤه" أرحم من "حُسنِ" اليوم (...) فاختلط "حابل" التاريخ "بنابل" التحليل! وظلماً وعدواناً شبَّهت إحدى اللقاءات اليمنية الأخيرة بلقاء "يمنيي" الطائف 14 أغسطس 1965م. يبدو أن خمسين سنة لم تكفِ -ولن يكفي حتى مرور مائة سنة- لتعديل أحكام مسبقة أو تصنيفات وتهم "مُعلبة". يتردد عن حضور لقاء الطائفاليمني 1965م من الجمهوريين بأنهم "منشقون". وغير متيسر معرفة ما إذا كان يُنظر إلى الملكيين الحاضرين فيه يومذاك بأنهم "منشقون" أيضاً، لأنهم تنازلوا عن صيغة الحكم الإمامي، وإمامهم الشرعي. وهو ما يُعدُّ "نصراً جمهورياً" متى عَقِل المحللون. والحق أن الحضور من الجانبين الملكي والجمهوري انشقوا فعلاً عن دعاة الحرب، وواصلوا "بحوارهم" ثم "قرارهم المشترك" غير "المنفرد" السير نحو إحلال السلام اليمني. بعدما أقروا مبادئ أساسية "لميثاق السلام" أو "اتفاق الطائفاليمني" منها: "وضع مصلحة اليمن ووحدة أراضيه فوق أي اعتبار. التعاون بنيةٍ صادقة وتصميمٍ مخلص على وقف المأساة التي تعيشها اليمن وإيجاد الحلول لتوحيد جهود الشعب اليمني للحفاظ على أمنها وسلامتها". وأن المجتمعين "أعطوا عهداً أمام الله بأن لا يحمل أحدٌ منهم لا هو ولا من يمثله سلاحاً بقصد الاعتداء والتآمر على أخيه اليمني". و"إفساح المجال أمام الشعب اليمني ليعلن إرادته الحرة في تقرير نظام الحكم الذي يرتضيه بعيداً عن كل مؤثر خارجي وبعد انسحاب القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة وإيقاف المساعدات السعودية". ومع أن بعضاً منهم كان جزءاً من ماضي الجمهورية لحظة ميلادها وميلاد مشاكلها الجديدة، لكنهم دون تبرؤٍ من المشاركة فيما عظم من "آثام الماضي البعيد والقريب"!، لم يُحمِّلوا وازرةً وِزر الجميع، بل تساموا ودعوا إلى "نسيان الماضي البعيد والقريب بآلامه وأحزانه وشروره وآثامه ونبذ الأحقاد التي خلفتها السنون لينعم اليمن العزيز على قلوبنا جميعاً بشعب موحد متضامن تسوده روح المودة والإخاء، قادر على بناء مستقبله والسير ببلده –بمساعدة شقيقاته العربيات- إلى ذرى المجد والتقدم والرقي". سمو هدف المنشقين الجمهوريين والملكيين، جعلهم يعبرون عن رغبة يتطلع إليها اليمنيون. وأجبرت أطراف الصراع الإقليمي في الحرب الباردة العربية بين مصر والسعودية على الالتقاء ليقروا ذات الآليات التي أقرها يمنيو الطائف متجاوزين دعاة وموقدي ومستثمري الحرب من العرب واليمنيين. فأثاروا عزيمة الرئيس المصري المرحوم جمال عبدالناصر على أن يلتقي نظيره السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز فيوقعا معاً "اتفاق جدة: 24 أغسطس 1965م". هكذا استطاع "المعنيون في اليمن" أن يجبروا "المعنييَّن باليمن" على الالتقاء ليتحررا من أزمة اليمن وآثارها الخانقة. والتقاء اليمنيينبالطائف على أساس دعوة السلام عام 1965م، لم يكن ليُحرّض طرفاً على طرف، أو يُغلّب جناحاً على آخر فقد جمعهم على هدفٍ واحد "من أجل اليمن العزيزة" ممهداً استقرار جمهوريتها –لا دولتها الإسلامية- عام 1970م، تحت لواء السلام بعد التفاهم بالحوار على إنهاء الحرب بين جميع الأطراف "دون غالب أو مغلوب". إن فارقَ خمسين سنة يُبيّنُ ما يوده "المفكرون" وما يريده "المفجرون"؛ وكيف كانت "النصوص" أرقى و"النفوس" أنقى. و"ليتنا لم نعش لنقارن"!