تعيش اليمن مرحلة زلزال سياسي واجتماعي وأمني غير مسبوق، يسميه البعض كابوساً من الأحداث التي لا تتوقف. أياً كان المسمى، فالأحداث التي تعصف باليمن والتي عصفت بها منذ العام 2011 هزت الدولة هزاً عميقاً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع اليمن أن تخرج من هذه الأزمة؟ الإجابة نعم. فقد سبقتنا دول كثيرة عاشت شعوبها نفس اللحظة ونفس القسوة. المهم في الأمر أن هذه الدول اعترفت بالهزيمة، لكن لحظة الاعتراف صاحبها لحظة البداية للبناء. ونحن نستطيع فعل ذلك إذا قلنا كفى للحرب، كفى للحقد والكراهية والإقصاء، كفى للدمار والخراب. نستطيع فعل ذلك إذا بدأنا في إزالة ركام الحرب وركام الكراهية وانطلقنا جميعاً نحو السلام والبناء والتنمية. إن تجربتنا تشبه إلى حد كبير التجربة الألمانية التي قسمت إلى قسمين وتم تدميرها، بل سُويت بالأرض وأعيدت إلى ما قبل التاريخ، لكنها نهضت واستعادت وحدتها بعدنا بسنة، وأصبحت واحدة من أهم القوى الصناعية في العالم، وقائدة للاتحاد الأوروبي.. كل ما فعلته ألمانيا هو إزالتها لركام الحرب، وأنفق الألمان على إعادة البنية التحتية. وربما كوريا الجنوبية أقرب إلينا من ذلك. ومثلها الصين التي ظلت بلداً متخلفاً حتى 1978م، فهذه البلدان كانت الحرب والتقسيم قد أعاقتهما إلى حد كبير، لكن الإرادة والتصميم على السلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية كانت الانطلاقة الكبرى لهذه البلدان. ولا ننسى الحرب الأهلية التي مرت بها أمريكا وما تعرضت له من تمزيق ثم توحدت وتجاوزت كل آثار الحرب المدمرة وانتعشت واستعادت عافيتها. ومثل ذلك يمكن النظر إلى تجارب أخرى في فيتنام وأندونيسيا والبرازيل ودول عديدة كانت تعيسة تحولت إلى دول سعيدة بفضل العمل الشاق الذي ركز على إزالة ركام الحرب والخلافات واستنهاض كل عناصر التسامح والتصالح والانطلاق نحو المستقبل. والسؤال مرة أخرى: هل يستطيع الحوثيون أن يدعوا خصومهم الإصلاحيين إلى سلام يحقق الاستقرار، والعكس، هل يستطيع الإصلاحيون أن يدعوا الحوثيين إلى التعايش والتفرغ للبناء والحياة بدلاً من الخراب والموت؟ ما جرى منذ العام 2011 وحتى اليوم، قادنا إلى وضع مأساوي، تعطلت التنمية وانفرط عقد الأمن والاستقرار وفشلنا في تحقيق الدولة المدنية التي رفع شعارها الجميع ولم يعمل بها أحد. والأهم من هذا كله ذهبت الدولة ودمرت مؤسساتها وأصيبت البلاد بدمار وشلل شامل وكامل. ومع ذلك فما زالت الفرصة قائمة لنبدأ من جديد، فالبناء ليس مستحيلاً. علينا أن نأخذ الأمور بالجدية التي تستحقها ونشرعن للحياة بدلاً من الموت، وللبناء بدلاً من الدمار والخراب. لقد قلت مراراً وتكراراً، وكتبت ذلك في العديد من الصحف أنه ينبغي أن تعمل الدولة وأجهزتها فترتين صباحية ومسائية حتى نستطيع اللحاق بالدول المتقدمة. فما بالنا اليوم نتوقف أمام الجدل حول إجازة الخميس أم السبت.. نحن في مرحلة تستدعي العمل طوال الأسبوع حتى نتجه نحو الأمام. والأهم من هذا كله علينا أن نوقف عملية النصب والاحتيال التي تمارس اليوم من قبل ما يسمى اللجان الثورية والتفريط بحاجات الناس من المشتقات النفطية والغاز المنزلي الذي نراه يباع في السوق السوداء نهاراً جهاراً دون رقيب أو حسيب. إضافة إلى ذلك ندخل ما يسمى باللجان الثورية بعمل الأجهزة الأمنية والإدارية، وإذا لم نحافظ على ما تبقى من الجهاز الإداري فإن الدولة ستسقط في براثين الفوضى ولن نستطيع استعادتها من جديد. أقول وبكل صراحة لأنصار الله إن الناس اصطفوا معكم لإسقاط الجرعة وإسقاط الفساد، لكنهم اكتشفوا في النهاية أن الذي تحت القبة لم يكن شيخاً، بل محترف للضلال. بصراحة نحتاج إلى مراجعة سريعة وإعادة مؤسسات الدولة التي صودرت من قبل اللجنة الثورية.. علينا أن نقول بصراحة إننا نريد دولة، فهل أنتم فاعلون؟