عندما زارني جيرمي سكاهيل صاحب كتاب بلاك ووتر الذي أصبح على لائحة نيويورك تايمز، حدثني أن المنطقة ستواجه هذه المنظمة التي باتت اليوم تقوم بدور بديل عن دول انغمست في أعمال الإرهاب واستأجرت المرتزقة لتبرهن على قدرتها على ممارسة دور إقليمي، وبالأخص حماية نفسها ومصالحها من الإرهاب الذي بات واحدة من أدق الصناعات التي تحتكرها الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية، وتحتكر تعاملها، فالانقلابات والقتل وصناعة الحروب بجيش وأمن يمكن اقتناؤهما بالمال، ويمكن عصب عين الأممالمتحدة حتى لا تكون مسؤولة عن إجازة القتل ومباركة حروب بوش. مضت سنوات على ذلك اللقاء، وتكررت الاتصالات من واشنطن في أشهر العدوان الأخيرة، وكان صديقي يريد استكمال فصول إضافية من كتابه القيم، ولكنه يتساءل أو ينصح، كيف يمكن لليمن بلا حكومة، ويدار من قبل مليشيات أن يبرهن للعالم أن بلاك ووتر تقاتل في خندق حلفاء السعودية، وأن الأسماء المعلن عنها من القتلى والأسرى يمكن تقديمهم للعالم؟. إثر هذه المكالمات حاولت الاتصال بالأطراف المعنية التي تصدر عنها الإعلانات، حاولت أن أوقظ ذاكرة الخارجية اليمنية حول تقرير السفير عبدالملك الحجري، الذي دُعي مع عدد من السفراء في واشنطن في حفل تدشين أنشطة هذه الشركة الخطرة، إلّا أن الجهود باءت بالفشل، وكلما حاولت أن ألفت النظر إلى أن مشاركة هذه المنظمة بمسمياتها المتعددة وقيادتها التي ارتبطت بالبنتاغون وقيادتها القادرة على التعبئة أسرع من الأممالمتحدة والحلف الأطلسي، والتي أصبحت شركة أمريكية قادرة على استخدام منشآت محلية وإقليمية، ولديها جيش من النخبة القتالية، بل وتزعم أنها هي من فرخت داعش، وأنها قادرة على شن أي نوع من أنواع الحروب باحتراف وبصورة لا تتعارض والسياسة الأمريكية، بل تعمل تحت رعاية الخارجية الأمريكية في ما وراء البحار. إن بلاك ووتر تطرح اتفاقية فينا بشأن الالتزامات في أوضاع الحروب والصراعات محط تساؤل، وأن من قتلوا أو أسروا في اليمن لا يمكن التفكير مرة واحدة في طرق التعامل معهم كأسرى حرب أو مرتزقة، وكيف يمكن تمييز مركزهم القانوني قياساً بأفراد القوى الغازية من المملكة والإمارات والسودان، فهؤلاء جميعاً قد رسموا معالم وصور الارتزاق وعمل العصابات خارج القانون، ولا يقوي دورها سوى سكوت الأممالمتحدة عنهم، وبقاء الحوثة في مركزهم القانوني كانقلابيين، أي أن تقوية دورهم الشرعي يتكامل تلازماً باحتفاظ الحوثة بمقعدهم كمتمردين وانقلابيين، حين يذهبون إلى جنيف، وباتوا هم قوة خاصة نافرة، ولكنها معترف بها في نسيج السياسة الدولية كأمر واقع، كيف يمكن لهذا الوضع المعقد من حل طالما لا نستطيع أن نقدم للعالم الأسرى والصرعى، ولا نستطيع أن نطالب الأممالمتحدة بالكف عن تقديم إجازة بالقتل لبلاك ووتر، ومن يستخدمها، ما دمنا غير قادرين على ترتيب وضعنا القانوني وتحسين أخلاقيات المواجهة، فإذا صح أن السعودية والإمارات قد استأجرت بلاك ووتر، وإذا صحت الأخبار الوافدة من وكالة سبأ بأسماء الصرعى والأسرى، فإن السؤال: إلى متى نتجاهل جريمة إضافية فوق جريمة العدوان على بلدٍ وشعبٍ بذريعة تركيع وإجبار جماعة الحوثي على قبول قرارات مجلس الأمن؟. ها هو قد قبل بالقرار، فما وضع صرعى بلاك ووتر، ومن استأجرهم؟، هؤلاء المقاولون الذين لا يمتلكون حداً ولا التزاماً بالقانون الدولي الذي ينظم علاقة المتحاربين، كما أن قتل هؤلاء دون الاستفادة من وجودهم الفعلي في كشف أبعاد هذا العدوان يعد بحد ذاته أسوأ جوانب هذه الحرب. إن وجود بلاك ووتر في العدوان على اليمن، إذا صح ذلك، فإن تورط المرتزقة في النزاعات الدولية وفي تحديد مستقبل المنظومة الدولية، يعد واحداً من مجالات الاستثمار الممكن توقع حدوث حلوله مكان الأممالمتحدة. حينها علينا أن نفكر كما كان يفكر العالم بعد الحرب العالمية الثانية بمنظمة عالمية جديدة تعيد تنظيم هذه الشركات التي تجيز للأغنياء الفتك بالأمم الفقيرة ومحاصرتها أمام مرأى ومسمع من عالم بلا ضمير، وداخل بلا حنكة أو دراية بأنه بات صيداً لعصابات، فقط لأنه قرر أن يتصرف خارج الدولة، ويفكر خارج متطلباتها.