سميت اليمن في التوراة الأرض الغنية، وسماها قدماء المصريين الأرض المقدسة، وسماها المستشرقون بلاد الغرائب، وسماها الإخباريون بلاد القصور، وسماها استرابون بلاد الطيب وسميت اليمن السعيد. من أقوال بعض المستشرقين عن الحضارة اليمنية وتمدنها يقول الأستاذ (ساني) الباحث الأثري: إن اليمن سابقة في تمدنها على مصر وبابل، وأنها هي البلاد التي هاجر منها إلى مصر الفراعنة العظام، وحملوا معهم العلم والحكمة والزراعة، ومنها كان على الراجح أسلاف البابليين والآشوريين الذين حملوا في هجرتهم إلى تلك البلاد ما حملوه إلى مصر من العلم والصناعة، وقال بعض المستشرقين: كانت اليمن إحدى دول المثلث الحضاري "مصر والعراق واليمن" ومما لا ينسى تاريخ سبأ وبلقيس، وكانت اليمن في الزمن القديم موطن فيضان بشري وهجرات متواصلة طوال ثلاثين قرنا من الزمان، فمنها هاجر الكنعانيون الذين استوطنوا مصر الشرقية والشام وصحارى مصر الشرقية. حضارة اليمن أقدم من كل الحضارات على وجه الأرض، أقدم من الحضارة الفرعونية والبابلية وغيرها من الحضارات التي تعتبر امتدادا لحضارات اليمن القديم، والقرآن الكريم يشهد بذلك، وكذلك التاريخ والباحثون والمستشرقون وكل الدراسات تؤكد ذلك. يقول العلماء إن: نخبة الأمة هُم صنّاع حضارتها، فلا ترقى إلّا بهم، وإذا فقدتهم حاق بها الفقر وتولتها الفوضى.. ومع الأسف الشديد نخبة الأمة في أيامنا هذه يتسابقون في مضمار التاريخ، لكي يحاولوا تشويه أكبر وأعرق وأقدم حضارة عرفتها البشرية على وجه الأرض، إنها حضارات اليمن. لستُ أدري كيف تغيرت المفاهيم والمعرفة بحقائق التاريخ لدى بعض المثقفين في المنطقة العربية، ويحاولون بكل ما أوتوا من خبرة في البحث والتغيير والتلاعب بحقائق تاريخية ثابتة أقرها القرآن الكريم وجميع الرسالات السماوية، وثابتة في كتب التاريخ القديم والحديث بداية من المؤرخين العرب إلى الإغريق إلى المستشرقين، وصولاً إلى مؤرخي العصر الحديث. يكفي أن نذكر أهمية عرش بلقيس وسد مأرب ومعبد الشمس ذروة الحضارة اليمنية.. قال عنها الباحثون في الآثار القديمة يوجد في عرش بلقيس: أكبر معبد من معابد الحضارات اليمنية القديمة، يعود تاريخ إنشائه بحسب النقوش التي تم العثور عليها حتى الآن إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ويعتبر من عجائب الدنيا!! تاريخ يمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة وحضارة تحدث عنها القرآن الكريم وذكرتها كتب التاريخ كأعظم الحضارات الإنسانية في التاريخ القديم. قصة الحضارة كتاب موسوعي وتاريخي من تأليف الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت وزوجته أريل ديورانت، أكد فيه المؤلف الحقائق التاريخية الثابتة التي تتحدث عن تاريخ وحضارات اليمن، كما تحدّث عن قصة جميع الحضارات البشرية منذ بدايتها وحتى القرن التاسع عشر، يتسم هذا المؤلف الضخم بالموضوعية وبالمنهج العلمي يتكون من 11 مجلدا استمر في كتابته 40 عاما، من عام 1935 حتى عام 1975 لم يتجاوز هذا المؤلف الحقائق التاريخية عن اليمن، لكنه أخطأ في بعض الأسماء، ولم يحرف التاريخ كما فعل بعض الكتاب العرب الذين يحاولون تشويه التاريخ والحضارة اليمنية العريقة، وأراهن بأن أغلبهم لم يقرأوا كتاباً واحداً عن تاريخ وحضارات اليمن. يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله) الذي يعتبر أعظم مفسر للقرآن الكريم في العصر الحديث: حضارة اليمن أقدم حضارة في تاريخ البشرية، وتعتبر الأقدم من بداية خلق الإنسان، وهي أقدم وأعظم من الحضارة الفرعونية، بدليل قول الحق سبحانه وتعالى (إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) ذكرها الحق سبحانه وتعالى قبل فرعون حين قال (وفرعون ذي الأوتاد) ومعنى لم يخلق مثلها في البلاد، يعني ذلك بلسان الخالق عز وجل بأنه لم توجد لا من قبل ولا من بعد حضارة تساوي هذه الحضارة التي كانت في أرض اليمن، وجاء ذكرها في القرآن الكريم لعظم هذه الحضارة في التاريخ البشري. ويقول الشيخ الشعراوي أيضاً في حضارت اليمن عندما فسر الآية الكريمة ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ* جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ* كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ* بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) الآية هنا تعني الوصف العظيم لتلك الجنتين في اليمن، وهذه الجنة طهرها الخالق عز وجل من كل الحيوانات والزواحف والحشرات، ولا يدخلها الإنسان إلى وهو نظيف، وإذا كان جسده أو ملابسه متسخة فإن تلك الحشرات أو القمل وغيرها تموت قبل دخول أي إنسان إلى هذه الجنة. لذلك على جميع الكتَّاب الذين يحاولون تشويه تاريخ وحضارات اليمن أينما كان موقعهم، عليهم تطهير أنفسهم وقلوبهم وألسنتهم، وكذلك أبدانهم، قبل الدخول إلى آية الله في هذا الكون، اليمن السعيد.