منذُ ثورة 62 و67 والتدخلات لإجهاض ثورة الشمال وعزل الجنوب الاشتراكي عن بقية العرب ودعم الحركات الانقلابية والقلاقل السياسية مستمرة، وفي فترة السبعينيات أُجهِضت المشاريع الوطنية اليمنية ومنها اغتيالات لثلاثة رؤساء سببها التقارب اليمني الشمالي الجنوبي في عهد الحمدي الذي كان يمثل مشروعا وحدويا في ذلك الوقت. من حيثيات هذا المشروع كان عزل وتحييد نفوذ مشيخات الولاء السعودي ضروريا والتي هي أساساً بنت نفسها كأدوات استعماريه من عهد الأتراك الذين أتوا بهم من خارج اليمن، دخل اليمن الشمالي والجنوبي على إثرها في صراع وحروب إلى 1981. بعد تولي صالح الرئاسة في نهاية 78 عمل على تهميش الملفات الساخنة جنوب/شمال وملفات اليمن مع السعودية وعدم فتح ملفات عملائها الذين افتعلوا حركة الاغتيالات لإيصال اليمن إلى حاله من الاستقرار النسبي وتجنيب اليمن مزيداً من الانهيار. تمت في بداية عهده اتفاقية الكويت للسلام بين الشمال والجنوب وساد هدوء نسبي حتى أحداث يناير 86 في الجنوب وفي السنة نفسها حدث تصدير أول شحنة نفط من اليمن (شمال) وعندها أوقفت السعودية دعم العملة اليمنية التي كانت تقدمه لليمن باعتبار أن أصبح لليمن نفط رغم قلته. خلال هذه الفترة ظلت اليمن في وضع غير مقبول به في جزيرته العربية فثم مقترح من صالح لإقامة تحالف بين اليمنوالعراق ومصر والأردن كنواة للدول العربية ذات الكتل السكانية والإمكانيات الاقتصادية المحدودة والتي هي غير مقبولة في مجلس التعاون الخليجي خصوصاً منها التي تطل على الخليج كالعراق أو في ركن جزيرة العرب كاليمن والتي ليس لها جوار مباشر للتعاون الاقتصادي سوى دول مجلس التعاون الخليجي الذي لم يكن في الأساس متعاوناً بسبب عدم رغبته خلق علاقات مع الحكومات بقدر ما تميزت علاقاته مع العملاء في هذه الدول، وتذبذبت العلاقات السعودية مع الدولة اليمنية بين الفتور والاعتدال ولا نستطيع وصفها بعلاقات متميزة لا في وقت الإمامة ولا الثورة ولا فترة الإرياني ولا الحمدي ولا صالح ولا في الجنوب كذلك لكن ظلت علاقة السعودية مع العملاء والمخربين متميزة في كل المراحل حتى اللحظة. سُمي هذا المجلس بمجلس التعاون العربي لعل وعسى يكون نواة جيدة لكنه انهار بعدما غزا صدام الكويت ومثّل ذلك خطأً استراتيجياً عربياً آثاره المدمرة مستمرة حتى اليوم. نعود للشأن اليمني، مرت 4 سنوات من أحداث يناير وفي نهاية الثمانينيات تدهور وضع الاتحاد السوفيتي الداعم لدول حلف وارسو ومن ضمنها الجنوباليمني فاقتنص الرئيس علي عبدالله صالح الفرصة في تحقيق الوحدة خصوصاً والجنوب كان يعاني الإفلاس بسبب اعتماده على المنح من السو?ييت وعدم وجود اقتصاد تجاري حر لأبناء البلد يستطيعون الاعتماد عليه ولو لفترة حتى يستطيعوا إيجاد تحوُّل نوعي، ولكن الانهيار كان وشيكا فاستجابت كل الأطراف في الجنوب لهذا النداء وتمت الوحدة المباركة وهو قدر اليمنيين الأزلي. بسبب هذه الوحدة والتي تزامنت مع غزو العراق للكويت عُوقِبَ نظام صالح عقاباً شديداً مرة أخرى من قبل جواره النفطي وليس لليمن جوار غيرهم سوى البحر وعاقبوا الشعب اليمني بترحيل مليون مغترب ليحرموه من الدخل وكذلك بقية أسرهم في اليمن المعتمدين على تحويلاتهم. وتم عزل اليمن اقتصادياً وسياسياً وإقليمياً وعربياً، وحوربت الوحدة واستقطبت الأطراف الجنوبية للانفصال وانفجرت الحرب بعد وثيقة العهد والاتفاق التي تمت برعاية الأردن، ولكن بعد التوقيع وبشكل غريب انطلق علي سالم البيض من الأردن إلى الرياض ظننا وقتها أنه ذهب وطُلب لمباركة الاتفاق ولكنه فجَّر الحرب في عمران وذمار مباشرة بعد زيارته للسعودية من خلال المعسكرات الجنوبية التي انتقلت إلى الشمال وحاصر واقتحم الأمن المركزي داخل عدن. دخل نظام صالح في حرب الانفصال مرغماً للحفاظ على الوحدة وتحقق الحفاظ عليها بوقت سريع لأن أبناء المحافظاتالجنوبية يمانيون يعرفون من يتربص باليمن الواحد، ووقفوا وقفة رجل واحد للدفاع عن الوحدة واندحر الاشتراكي الذي ظهر أنه حزب بياع، وأن القومية هي شعار ارتزاق لا غير مثله مثل الأحزاب القومية التي تؤكد هذا الكلام اليوم بانضمامها مع من كانوا يطلقون عليها "الدولة الرجعية" التي تشن حربا طاحنة حالياً على اليمن وشعبه ومقدراته ومنجزاته. من سنة 1990 إلى 2000 ظلت اليمن وحيدة معزولة اقتصادياً وسياسياً من جوارها العدائي بسبب خياراتها الوطنية والوحدوية والقومية العربية واستقلال قرارها السياسي بما يخدم قيمها ومبادئها غير الملوثة بالإملاءات الاستعمارية الخارجية التي تخدم سياسة فرِّق تسُد والتي أصبح يطبقها بالنيابة العرب أنفسهم، كونهم أساساً دويلات ابتعثت على الوجود مع تزامن التقسيم العربي بداية الاستعمار المباشر وغير المباشر. لكي يستمر الوجود اليمني حاضراً رافعاً رأسه دون الخنوع، انتهج الانفتاح وخلق علاقات مباشرة مع الغرب والدول المانحة وتقدم ببرنامجه الديمقراطي الانتخابي على عدة مراحل نيابية ورئاسية ومجالس محلية وكان قاب قوسين أو أدنى من انتخاب المحافظين، ولقي قبولا دوليا ودعما من الدول الغربية ومن المؤسسات الدولية المانحة خارج الحدود العربية الإقليمية، ولكنه يظل محدوداً لاستيعاب كثافة اليمن السكانية وتضاريسه الصعبة رغم ذلك حدثت نقلة نوعية خصوصاً في المحافظاتالجنوبية التي كان يركز عليها الرئيس صالح لما يعيه من أن المتربصين بالوحدة كثر ولا تنسجم مع سياسة العمق والتأسيس لكيانات وكنتونات الجوار. مرة أخرى شكل هذا الخيار الديمقراطي بنموذجه اليمني الذي هو منفذ أو متنفس له حالة جديدة من الاستعداء وعدم الرضى من الجوار، وقال الملك الراحل عبدالله بن سعود -مع احترامنا لمواقف جيدة منه- قال في خطاب للسعوديين "هناك من لديه ديمقراطية وحريات لكنه يقاسي شغف العيش وأنتم في خير ونعمة من الله". فرد صالح في خطاب سياسي "لا يجمع الله بين عُسرين الفقر وتكميم الأفواه" أي أن خيارنا أن نسمح للديمقراطية ونسمح بحرية الصحافة والنقد لتصحيح أي اعوجاج ذاتياً، ويشعر كل مسئول أنه مراقب وسينتقد من الأحزاب أو الأفراد ويستغل في إطار التغيير الناتج عن انتخابات قادمة. لم يفهم السعوديون أنهم لم يكونوا أساساً هدفاً لنهج اليمن الديمقراطية والحقوق والحريات، ولم يفهموا أنها أصبحت ضرورة محلية يمنية بحته نظراً لقساوة العيش، ولم يفهموا رد الرئيس صالح مما اضطره أن يوضح في أكثر من خطاب للملك عبدالله أن تجربة اليمن ليست للتصدير. اشتغل صالح مع نظام الملك عبدالله الذي كان ألينهم تجاه اليمن لترسيم الحدود ولخلق طمأنينة لهم، وغامر في ملف يعتبر شائكاً بالنسبة لليمنيين مقابل لا ضرر ولا ضرار، وفتح أواصر الأخوة والدعم لليمن الذي يعاني منذُ الستينيات والسبعينيات كدولة كانت خارج إطار التاريخ، وكما أيضاً أسلفنا في الوضع الانقلابي الدائم وغير مستقر والذي للجوار يدٌ ومساهمة فيه، وعلى أساس تقديم الدعم عبر مؤتمر المانحين والذي ظل السعوديون يؤجلونه منذ 2007 حتى قامت الفوضى الخلاقة في 2011 لتعيد اليمن إلى ما كانت عليه، وتحطيم كل بنيته التحتية وإمكاناته ومكتسباته التي كدَّ من أجلها أكثر من 50 عاما. لكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا تحطيم معنويات وقيم وأخلاق اليمن مهما أجرموا في حقها هم ومرتزقتهم. حفظ الله اليمن حفظ الله شعب اليمن حفظ الله الرئيس السابق علي عبدالله صالح