قرأت في أخيرة اليمن اليوم لعدد السبت 18 مارس، مقالاً للدكتور صادق القاضي، تحت عنوان الرويشان.. السامعي من فقأ عيون البردوني، تحدث فيه عن الأخطاء والعلل التي رافقت الأعمال الكاملة لشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب مطلع الألفين، وقد بدا الخلط في كلام الدكتور صادق من حيث عدم التفريق بين إصدارات الهيئة وإصدارات صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م، ويبدو أنه لم يتطرق أيضاً إلى حكاية مسألة تلافي بعض الأخطاء في الطبعة الثانية، والمثير أن طباعة الأعمال الكاملة للمرة الثالثة عن طريق مكتبة الإرشاد، التي لا ندري ماذا تحتوي تلك الطبعة على اعتبار أنها طبعة بدون إشراف رسمي لتصلح ما أفسدته الطبعتان السابقتان، لتأتي جهود الزميل الشاعر رياض السامعي والطبعة الإلكترونية لتزيل بإذن الله الالتباسات كلها، ومن حسن الحظ أن الطبعات الورقية الثلاث لم يكن لها توزيع عربي، ولذلك نعول على تطبيق البردوني الإلكتروني في نشر البردوني مجدداً بصورة مشرفة وخالية من الأخطاء والعلل. وجود الأخطاء كان ملاحظاً في طبعة الهيئة، وفي طبعة مشروع عاصمة الثقافة أكتنفه إسقاط الواجب، والموضوع الذي أود الإشارة إليه ليس هذا ولا ذاك، فمن فقأ عيون البردوني هو من خالف نهجه في القضايا الوطنية والتحيز لمعاني الانتماء للوطن والدفاع عنه ضد كل المؤامرات الهادفة إلى العبث بالشعب اليمني ومكتسباته ومقدراته وتاريخه. إن ما نلاحظه في مثقفي اليوم من أولئك الذين يبررون للعدوان فعلاته وجرائمه في حق اليمن وشعبها مجحف، وهو ذلك الشعب الذي يأتي بين أبنائه الشاعر العظيم البردوني، الذي أشبع الخليج وحكامها من التوصيفات والنعوت شأناً لا يفارقهم، وكأن الرجل وضعهم في هيئاتهم، قبل أن يضعهم القدر في قدرهم الوضيع، ومثل هؤلاء لا يحق لهم الحديث عن البردوني والتبجح في المقال بأثره الفكري والسردي والشعري، وهو الذي لا يكاد يخلو ديوان من دواوينه إن لم نقل قصيدة من قصائده، إلا وحذر فيها من أعداء البلاد والزُمر التي تشقى في ظهور أبنائها. إن من طبع أعمال البردوني في الأمس، لم يكن له من الفخر إلا أن يفخر بالقيادة السياسية آنذاك، التي أولته الدعم ومولت وخططت لتلك المشاريع التي جاء ضمنها طباعة الأعمال الكاملة وإن كان يشوبه القصور، وهنا لا غرابة ولا بداهة أن يتخلى هؤلاء عن الوطن في أشد المآزق وأحلك المحن، وعلى العكس من ذلك يبررون بحماقة وسفالة للقتلة من أصنام العدوان سفاحهم. لم يكن البردوني يحقد على كل ما هو وطني وإن جاء ضد الرغبة الوطنية، بل يوجهه ويقيمه ويسبر أغواره شعرا وسردا.. بينما كان يستشيط غضباً لمحاولات أي شر خارجي يريد النيل من اليمن العظيم.. ولكم أن تتمعنوا بين خطابه الشعري الموجه للداخل ومثله الموجه للخارج، سواء كان هذا الخارج موقفا أو حدثا أو شخصا، وستجدون ذلك في قصائد مثل: "حراس الخليج"، "بنوك وديوك"، "الغزو من الداخل"، "أمير النفط". الأهم من كل ما جاء في مقال الدكتور صادق القاضي، ومن ما جاء في مقالي هذا، هو ضرورة الإشارة إلى أن من فقأ عيون البردوني، هو كل من له يد في إبقاء أعمال البردوني المخطوطة رهن الإخفاء، فإذا كان القاضي قد أورد في مقاله تعرض قصائد البردوني للحذف والبتر، وهي متداولة منذ أكثر من نصف قرن وخرجت للملأ في حياته، وحفظتها الأجيال والكثير من الأدباء والشعراء والمهتمين والشباب، الأمر الذي سيمثل صداً حقيقياً لمحاولات تشويهها، فما بالكم بمن سيقوم بهكذا اعتداءات على أعمال لم تخرج للنور بعد، ولم يتم طباعتها، وبالأخص مع نوبات القلق التي تداهمنا لخروج قصائد تنشرها صحف وملاحق ثقافية، مع كل ذكرى احتفائية بوفاته. تخيلوا أيها السادة كيف سيكون موقف البردوني لو تعرض النتاج المخفي للتشويه.. قلبي يؤلمني على مصير مجموعة "ابن من شاب قرناها" ومجموعة "العشق في مرافئ القمر" ورواية "العم ميمون"، وكلها ترتاد ظلام الأدراج وأي أدراج.. لا أدري.