ترجمة: علاء الدين أبو زينة فيذروة الربيع العربي في العام 2011، سعى المتظاهرون في ميدان التحرير القاهري إلىالإطاحة بحكام البلاد العسكريين الذين ظلوا يحتكرون السلطة فيها منذ ستة عقود. وقددفعوا ثمناً باهظاً بالدم -لكنهم لم ينجحوا تماماً في مسعاهم. فقد تمت الإطاحةبالرئيس حسني مبارك (القائد السابق لسلاح الجو المصري) وأودع السجن، لكن الكثيرينمن الرجال يرتدون الزي العسكري من حوله ظلوا في السلطة، وكانوا يتعايشون على مضضمع مجموعة من الثوريين المختلفين. لكن ذلك التعايش انتهى الآن. فبإعلان هادئوبارد الأعصاب، يوم 12 آب (أغسطس)، عمد السيد محمد مرسي؛ الرئيس المنتخب حديثاًوالذي يأتي من جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية، إلى تحييد الجيش ودفعه إلىالهوامش فعلياً. وقد شملت الرؤوس التي أطاح بها مرسي كلاً من المشير محمد طنطاوي،وزير الدفاع منذ فترة طويلة، والذي كان حاكم مصر بحكم الأمر الواقع بعد سقوطمبارك؛ ونائبه في المجلس الأعلى السري للقوات المسلحة؛ والعديد من الجنرالاتالقدماء الآخرين. ولم تجرد هذه الخطوة القوات المسلحة من كلنفوذها. وكما هو الحال في كثير من البلدان العربية والأفريقية، سوف يحتفظ العسكربنفوذ سياسي. وقد ظلت مصالحهم الاقتصادية -التي ربما تشكل عُشر الناتج المحليالإجمالي في مصر- بدون أن تمس. كما أن وزير الدفاع الجديد، عبد الفتاح السيسي، هوعضو شاب في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي كان قد أدار دائرة المخابرات. وهوشخص إصلاحي بالكاد، وغير إسلامي بكل تأكيد. لكنه أبرم صفقة مع الإخوان المسلمين فيما يبدو. وقد أعقب الإعلان عن إحالة كبار الضباط إلى التقاعد، والذي لم يعترض عليهأي منهم علناً، بمصادقته السريعة على القرار كوزير للدفاع. ولكن، وفي عرض فج لنفوذ كل من السيد مرسيوالإخوان المسلمين، كان إعلان الإقالة البليغ الذي جاء على لسان المتحدث باسمالرئيس يوم 12 آب (أغسطس) واحداً يصعب الرد عليه. والآن، أصبحت الجماعة التي كانتمجرد واحدة فقط من عدة لاعبين في الربيع العربي، هي القوة السياسية المهيمنة فيمصر. وبعد عقود من القمع والاضطهاد، قام الإخوان بإقصاء خصومهم السابقين مع عبارة"شكراً لكم" ساخرة، وأعلى وسام فخري في البلاد: وسام النيل. كما ألغىالسيد مرسي أيضاً أمراً عسكرياً أخيراً كان يعطي للجنرالات امتيازات سياسية خاصة،بما فيها الإشراف على وضع الدستور الجديد وصياغة مسودته. ودعا نفسه علناً القائدالعام للقوات المسلحة، بدون أن يعترض على ذلك أحد. ويبقى أن نرى ما إذا كانت المحكمة العلياالمتبقية من حقبة مبارك ستتقبل هذا الاستيلاء على السلطة. ويأمل بعض المصريين بأنلا تفعل. فهم ينظرون إلى القوات المسلحة باعتبارها الضامن للعلمانية، وخط الدفاعالأخير ضد صعود الأصولية في البلاد. وهم يخشون من النفوذ المتصاعد لجماعة مشوبةبعنصر الطائفية المعادية للديمقراطية. ويبدو ليبراليو القاهرة قلقين، حتى أنهميعتبرون الحديث عن السماح لرجال الشرطة بإطلاق اللحى خطوة على طريق تحول مصر إلىجمهورية إسلامية من النمط الإيراني؛ رغم أن محاكمة اثنين من الصحفيين بتهمة توجيهإهانة السيد مرسي في ما يبدو، تعطي بدورها سبباً أصيلاً للقلق. وفيما عدا ذلك، مارس السيد مرسي السلطةبعناية وحذر حتى الآن. فقد عين مجلس وزراء متنوع، والذي ضم قبطياً وشخصيات من عهدمبارك. ولم يتخذ أي خطوة باتجاه إلغاء اتفاقات كامب ديفيد للعام 1979، والتي أمنتالسلام مع إسرائيل. وطالما استمر في دعم الحكومة الدستورية واحترام حقوق الإنسان،فإنه ينبغي الترحيب بقذفه الجنرالات من النافذة، لأنه لا يمكن لأي ديمقراطية أنتزدهر بينما تسيطر القوات المسلحة على معظم مراكز السلطة. الأمر متروك لكم كان تخفيف سلطات القوات المسلحة واحداً منالتحديات الرئيسية التي يواجهها السيد مرسي، لكنه يواجه الآن اختبارين حاسمينآخرين. أولهما وأكثرهما إلحاحاً، هو كتابة دستورجديد، والذي سيحتاج إلى تحصيل الموافقة من خلال استفتاء عام، وينبغي أن يعبدالطريق إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة. وكانت المحاكم قد اعتبرت الانتخاباتالمضنية التي أجريت في وقت سابق من هذا العام غير صالحة. ولذلك، يحوز السيد مرسيالآن على سلطات شبه دكتاتورية، والتي يترتب عليه أن يستخدمها لماماً وباقتصاد حتىلا يخاطر بفقدان شرعيته، خصوصا وأن المصريين ليسوا الآن في مزاج يسمح باستبدال رجلقوي بآخر. أما التحدي الكبير الثاني أمام الرئيسالجديد، فهو الاقتصاد. فقد أفضت حالة انعدام اليقين التي أعقبت الربيع العربي إلىتدمير ثقة قطاع الأعمال. وما يزال المستثمرون ينأون بأنفسهم عن المشاركة. وأصبحالسياح الذين كانوا يشكلون سابقاً مصدراً هائلاً للدخل نادرين الآن في مصر، حتى أنبعض الأدلاء السياحيين في منطقة الأهرام باعوا جمالهم للجزارين. كما تمس الحاجةأيضاً إلى إجراء إصلاحات كبيرة في قطاع الدولة المتصلب. وحكماً من طرده الجريءلأعلى ضباط مصر رتباً، يبدو السيد مرسي وأنه يملك الشجاعة الكافية لإجراء هذهالإصلاحات. لكن السؤال يدور حول ما إذا كان ينطوي، هو والإخوان المسلمون، علىالرغبة في القيام بذلك.