تسمع من الشعارات المنسوبة إلى بعض القوى فتقف على حقيقة مؤلمة مفادها أن الحالة الاستبدادية تكرِّر إنتاج نفسها.. وأمام هذا الوضع لا بدَّ أنك تساءلت عن الفرق بين الحالة الاستبدادية عندما تأتي من جيل الآباء أو تأتي من جيل الأبناء. لقد مرَّ عامان على الأزمة بانعكاساتها الصارخة القادمة من ربيع اختلف الناس حول ما إذا كان سيؤسِّس لمستقبل جديد أم سيقود إلى فوضى تثير الحسرة على القديم بكل ما فيه. الشعار الذي يؤسِّس لحالة استبدادية لا ينطلق إلاَّ من مفاهيم إقصائية واستئثارية تضع المستقبل تحت حوافر الماضي ليبقى الحاضر محفوفاً بمخاطر ردود أفعال لا تنتهي بقدر ما تفرض الأمر الواقع الذي يخضع المواقف الوطنية للأمزجة الشخصية والعُقد النفسية والنتيجة مزيد من الجروح التي لا تندمل. شعارات الثأر والإقصاء والاجتثاث حتى لو بدت ضمنية أو مرحلية لا تؤسِّس أرضية للمحبَّة والتسامح وإنَّما تضع أحجار أساس وتقصّ أشرطة الكراهية واستدعاء الإيذاء بنزعاته التخريبية التي لا تبني وطناً. ثقافة الكراهية خطيرة.. وأصحابها لا يدركون أنها لا تستثنيهم من الخطر.. كيف وبعض الكلام يؤسِّس للصدام ولا يستفيد من بعض هذا اللغو سوى الشيطان. بعض الشعارات الإقصائية قد تجدي في لعبة الكراسي الموسيقية المؤذية للأسماع.. لكن خطورتها في كونها تبذر خيارات الصدام.. وتدفع المواجهة إلى الواجهة.. والأدلَّة أكثر من أن يلمّ بها المهتمُّون بالرصد والحصر. الإقصاء والإيذاء يورثان الكراهية ويستدعيان النزعة التخريبية التي يؤكِّد منطق الأشياء أنها أسهل من نزعة البناء.. خاصَّةً لو وفَّر لها صنَّاع الخطاب الفاجر تلك المعاول التي تخاصم القواعد الأخلاقية والقانونية. إن كل شيء في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه يحذِّرنا من خطورة ضعف الشعور بالانتماء إلى قيم التسامح والعدل والخصومة الشريفة ويعلِّمنا أن عدم السيطرة على الأعصاب وعلى الأحقاد يعبِّد الطريق إلى الكيد وإلى العنف الذي يبدأ بحياة مَنْ ينفِّذه.. خاصَّةً إذا ما تذكرَّنا كل هذه الأسلحة وكيف أن سهولة الحصول عليها تؤدِّي إلى سهولة استخدامها. من السهل أن يرفع طرفٌ أو أطراف سياسية شعاراً عدوانياً فاجراً.. لكن التمادي ليس إلاَّ شبيهاً بوقع غاز «السارين» في قطار بلا تهوية.. وبلا فرامل.