العبث مفهوم كان الأديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو أول من طرقه في بحثه الفلسفي حول أسطورة سيزيف الذي تناول فيه إحساساً بالعبث وجده شائعاً في القرن العشرين. وقد اعتبر كامو ذلك الإحساس بالعبث مرضاً من أمراض الروح المعاصرة، وشبهه بلعنة سيزيف. وسيزيف هذا شخصية أسطورية استخف بالآلهة وتمرد عليها ،فحكم عليه زيُوس رب الأرباب اليونانية وكبير الآلهة بأن يقضي الأبدية في الجحيم (يدفع صخرة إلى قمة جبل شاهق، حتى إذا ما بلغ القمة هوت الصخرة إلى القاع من جديد ليهبط وراءها، ويعاود الكرة مرة، إثر مرة، إثر مرة، بلا نهاية لعذابه). وكأنما زيوس –يقول ألبير كامو- قد أدرك بخبثه الإلهي أن ما من عذاب يعانيه الإنسان أقطع من الجهد الذي لا طائل من ورائه. ولو أننا تأملنا بعمق في هذه الأسطورة سوف نكتشف أن سيزيف الملعون والذي حلت عليه اللعنة هو نحن.. نحن اليمنيين أكثر شعب مارس التمرد والعصيان عبر التاريخ منذ القدم وحتى اليوم ونحن نتمرد على الدولة، وعلى النظام، وعلى القانون، وبسبب كل تمرداتنا تلك ها نحن نعاقب في هذا الوطن الجحيم.. وكل ما نبذله من جهد للخروج من جحيمنا الوطني يذهب عبثاً كل جهودنا من أجل الاستقرار والسلام والتقدم لا طائل من ورائها.. وجودنا غدا عدماً، وحياتنا عبث في عبث. حروبنا وصراعاتنا كلها عبثية، مؤتمراتنا وحواراتنا لا تفضي إلى حل، ولا تفتح باباً للأمل. شعاراتنا التي رفعناها لمدة نصف قرن لم ترفعنا شبراً، المذاهب والأيديولوجيات التي اعتنقناها لم تعتقنا يوماً، الثروات التي استخرجناها من باطن الأرض لم تشبعنا من جوع وزادتنا جوعاً، دماء شهداء ثوراتنا ذهبت هدراً. ومثل سيزيف في الأسطورة دائماً نهوي إلى أسفل.. إلى جحيم الحرب وإلى جحيم الصراع.. لكن الفرق بين سيزيف الأسطورة وبين سيزيف اليمني هو أن سيزيف الأسطورة يدحرج الصخرة التي ما تنفك تهوي كلما وصل بها إلى القمة. أما سيزيف اليمني فإن صخرته هي التي تدحرجه ،وتجعله يرتد إلى الخلف ويتراجع إلى الوراء ويتدحرج. إنها اللعنة، وإن سيزيف اليمني الملعون لن يستطيع التحرر –مهما بذل من جهد- من تلك الصخرة التي تدحرجه إلى الأسفل وتسحقه؛ بدليل أن (ثورة) الشباب السلمية –التي فتحت لنا باباً للأمل- هي التي أوصلت الأحزاب الشمولية الدموية الهرمة إلى قمة السلطة، وأوصلتنا إلى اليأس.