الحمار شخص طيب وذكي، ويخطئ من يعتقد بأنه غبي وبليد. ولكيما تكتشف طيبة وذكاء الحمار .. عليك أن تتواضع له، وتقترب منه، وتلغي المسافة بينك وبينه، وتعامله بحب، وتتخذه صديقاً. وأنت عندما تحبه وتصادقه وتعامله كصديق وليس كحمار .. عندها سيبوح لك بما في نفسه، وسيفتح لك قلبه وعقله، وستعرف منه أسراراً ما كان بمقدورك أن تعرفها.. وهي أسرار لا يبوح بها الحمار لأيٍّ كان، وإنما يبوح بها للأصدقاء، ولأولئك الذين هم على علاقة ودية وعميقة معه. سيحكي لك قصصاً عن حياته، عن الرحلات التي قام بها، وعن الأماكن التي عاش واستقر فيها، وعن الدروب التي اجتازها في رحلاته، وكذا عن المحطات التي توقف عندها. فالحمار – وهذا ما هو معروف عنه – يمتلك ذاكرة أقوى وأصفى وأعمق من ذاكرتنا -نحن الحمير التي تمشى على قدمين- وذاكرته لا تنحصر فقط في تذكر الأماكن والدروب التي مر بها، أو تذكر الأشخاص والدواب والبهائم التي قابلها، وإنما لديه القدرة على تذكر تفاصيل صغيرة ودقيقة. لكن عبقرية الحمار لا تتجلى في قدرته على التذكر والاسترجاع .. وإنما –وهذا هو الأهم– في قدرته على التخيل ..فللحمار مخيلة هائلة .. وبواسطة مخيلته يرى أشياء لا نراها نحن، ويرى أعمق وأبعد مما يجب. ومع أن الحمار يتمتع بذاكرة خارقة إلا أن ما يميزه عنا هو أنه لا يتوكأ مثلنا على ذاكرته، وإنما يتوكأ على مخيلته، وبمخيلته يتقدم ويمضي قُدماً. وعلى سبيل المثال نحن الحمير التي تمشي على قدمين دائما ما نستدعي الماضي بواسطة عضو الذاكرة ..دائما نتذكر ونسترجع ونستجر..أما الحمار وبالرغم من أن ذاكرته تفوق ذاكرتنا قوة إلا أنه لا يستخدم ذاكرته في استعادة واسترجاع الماضي. الحمار لا يلتفت مثلنا إلى الوراء ..وحتى لو أحس بأن هناك خطرا يتهدده من الخلف إلا أنه يستمر في التقدم رغم إحساسه بالخطر وشعوره بالخوف. هل رأى أحدكم حماراً يلتفت إلى الوراء وينظر خلفه؟ أبدا، الحمار لا يلتفت إلى الوراء ولا ينظر إلى الخلف، إنه يتوكأ على مخيلته ويتقدم ..فيما نحن نتوكأ على ذاكرتنا ونتقهقر. هو يتخيل ويمضي إلى الأمام.. ونحن نتذكر ونعود إلى الخلف. والفرق بيننا وبينه هو أن الواحد منا يدخل المدرسة ويتخرج حماراً ..يدخل الحزب ويتخرج بهيمة.