حين يختبرك صديقكَ بوجهه الآخر الافتراضي، وأنتَ- لصدقك- تُطلعه على كلِّ شيء.. لمعرفتك أنه هو في كلتا الحالتين.. هل عليك أن تريه وجهكَ الحقيقي، أم عليك أن تريه الوجهَ الذي يسعى لرؤيته ليتخذ ذريعةً واهيةً لوضع شريطٍ أسودَ جانبيٍّ على صورتك المعلَّقة في قلبه!! وحين تقسمُ له فأنتَ على ثقةٍ أنك لم تحنث في يمينكَ إلاَّ لأجلِ كشفِ الستارةِ التي يختبئُ خلفها لأداءِ دورٍ بدائي.. دور مفضوح يشبه أدوار المجانين الذين يعملون في الأمن.. هناك بونٌ شاسعٌ بين اللَّمس والمسّ.. فالاكتفاءُ بالنظر هو الميزانُ الرمليُّ الناكسُ للرؤية.. والرؤيةُ وسيلتنا لدخول بواطن المكنونات.. فإذا كنتَ من أصحاب ال«ما وراء» وشطح بك اليقين، فلن تكون أحمقَ إذا وقفتَ خلف المرآة تحسُّباً لوجود وجهٍ آخر!! إن بين الخفافيش - التي" يبسطها الظلام القابض لكل شيء.. ويقبضها الضياء الباسط لكل حي"- وبين ورود الليل قاسماً مشتركاً.. قد يكون هذا القاسم هو الخوف من الحقيقة المُطلقة.. فكم يتمنى الخفاش أن يكون عصفوراً يبشِّر بالشروق.. وكم تتمنى تلك الوردة أن تنتمي إلى عباد الشمس، لكنها تظلُّ أمنيات فقط. فلا تحاول أن تتقمص بعض المُسَمَّيات التي ظاهرها الحكمة وباطنها الغباء.. واعلم أن الجدار الذي يريد أن ينقضَّ وهو ينتظر من يعمل على إقامته لا فضل له في ذاتيته التي يبنيها بتهدُّمه إلا كالمتسوِّل الذي يريقُ ماءَ وجهه ليقيم أوَدَه بدرهمٍ ساقط.. فإذا شئت أن يكون حالك كهذا الجدار فاجعل من نفسك مرآة يجد الرائي فيها مبتغاه.. وكن على يقين بأنك لن تكون. لذلك.. تنصَّل من النظر واتحد مع الرؤية.. فلئن يذيبك اليقين خير من أن تريبك الظنون.. وقل لمن يخلع وجهه كل مساء: إن شوكة الميزان لم تعد تحتمل تطفيف السراب.