ربما يكون الحديث عن فكِّ الارتباط ضرباً من العبث وليِّ الذراع الذي لا طائلَ منه، ولا يؤدي إلى نتيجة ترضي رغبات المؤذِّنين في مالطا.. هل سيقدرون على فكِّ ارتباطنا من صوت محمد سعد عبدالله، أو من شجن محمد عبده زيدي.. وهل هم قادرون على منع رائحة الفل اللحجي من الوصول إلى الضفة الأخرى!! من يقدر أن يفكَّ ارتباطنا الوثيق بآهات أمل كعدل وهي تتذكَّر أمرَّ الكؤوس.. ومن يفكِّر بطمس المرشدي من ذاكرة أجيال بأكملها!! صوت الشيخ إبراهيم الماس يعبر كلَّ الحدود، ويقفز على كلِّ براميل التشطير التي تتكدَّس في أذهانهم.. بإمكانهم أن يمنعوا صوت الحارثي من شوارع خور مكسر، وبإمكانهم في التواهي أن يقطعوا أوتار علي بن علي الآنسي، على مرأى ومسمع، ويكسروا عود أحمد السنيدار في ساحل أبين، ويكمموا صوت أيوب طارش الذي يتجوَّل في كل شارع وفي كل ذاكرة.. أيوب الذي أبصر بمعيَّة الشاعر مطهر الإرياني- في الثمانينيات- جبل ردفان "يحلف ما يعود الشعب شعبين ولا نقبل حدود". لقد التقى الآنسي والمرشدي والقمندان، كما تنبأ بذلك الشاعر الراحل إبراهيم الحضراني، الذي كان "يسْمُرْ" على نغمات الدان التي كان يسمعها قادمة من حضرموت كأنها دعوات مستجابة. ستبقى رائحة البخور العدني تملأ الرئات التي كانت تحلف بالوحدة كأغلى موجود.. وسيأتي اللبان الشِّحري، ودم الأخوين، والزَّباد، دون أن تعترضهم نقطة تفتيش. أحمد بن أحمد قاسم كان يرعش عودَه في عدن فترقصُ صنعاء.. وكان للقعطبي والعنتري حزنٌ مدوزنٌ على آلة "الطُّربي" التي يبكي لعزفها رجلٌ عجوزٌ في قرية شمالية نائية، وهو يُلصِق أذنه بمذياعه القديم. هل نسي هؤلاء أبو بكر سالم بلفقيه، وكرامة مرسال، و"يا ورد يا كاذي، ألا يا موز يا مشمش ويا عنبرود"، التي سكن بها فيصل علوي كلَّ قلب!! وكأني بفيصل علوي يقول لهم الآن: "غلط يا ناس تصحُّوني وأنا نايم".