عندما دخلت المانيا لقيت فيها عرب واجانب من دول اخرى، وكان العرب هم اغنى طبقة يعيشون الجنة بها وبالذات من هم من العراق وليبيا واليمن الشمالي والجزائر ومصر. كان الفيتناميون حالهم مقارنة بالعرب فقراء ولا يتقنون اللغة الالماني ولا يتزوجون من المانيات. صعوبة اللغة ونطقها حاجز كبير كان امامهم, لذلك كانوا كشريحة مهاجرة امامنا العرب منعزلين أو أقلها لحالهم. بعد 1990 حصل تغيير في حالهم تماما, احتمال فكري نابع مما يحصل في بلدهم، وانعكس عليهم، أي ما حصل في فيتنام من باب القدر حصل في حياتهم هنا، فتحركوا في التجارة والمطاعم والاستيراد بأشياء بسيطة كنا نظنها أنها لا تجلب شيء. لكن المطعم الفيتنامي كان خلية عمل فالزوج و الزوجة والابن والاخ يعملون معا ويكملون بعض، وحتى وان كان محل ثياب بسيط مثلا. اليوم صاروا هم اغنى شريحة مهاجرة بتملك العقارات والاعمال الحرة والترابط مع بلدهم في التجارة اقلها في الجزء الشرقي من المانيا، ولا تجد احد منهم في مكاتب الرعاية الاجتماعية أو نقول نادر جدا مقارنة بغيرهم، بينما العرب ظلوا كما اوطانهم وتنعكس حال أوطانهم عليهم برغم أنهم كانوا في حال أفضل ولا اقصد التعميم هنا، ولكن من مضحكات القدر. كنت جالس اشرح موضوع عن فيتنام وما حصل هناك كدولة وكما اعرف من طلابي واصحابي منها واختلاطي بهم. كان طريق جمهورية فيتنام الاشتراكية إلى التجارة الحرة صعب ومعقد، حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كان البلد يحكمه اقتصاد مخطط له رقابة صارمة يستند إلى نموذج الاتحاد السوفيتي المبكر. فقط الجفاف الشديد والمجاعات اللاحقة وانقطاع الدعم أجبرت الحكام في هانوي على إعادة التفكير. في عام 1990 قرروا القيام بتحرير السوق وشق سياسة انفتاح وتعاون جديدة حتى مع من هم في خانة الاعداء، ويكفي ان تعرفوا ان الدخل القومي لها كان اقل من اليمن بكثير الى 1990 ولم يصل حتى 7 مليار دولار. بلد فقير كان يعتمد على دعم السوفيت و المانيا الشرقية وما تصدر. التصدير وقتها من موردها الطبيعية لم يتجاوز حتى 2 مليار و 400 مليون دولار بينما ما تستورد كان اكثر مما تصدر بفارق 400 مليون دولار. انهارت السوفيت والمانيا الشرقية في نفس العام، وبداء التحول في السوق المقيدة والمخططة الفيتنامية والاعتماد على الذات. بدأت الحكومة في خصخصة الشركات المملوكة للدولة وإعادة هيكلتها. وكانت النتيجة نموا مثيرا للإعجاب، والذي سرعان ما تخطى اليوم "النمور" مثل تايلاند وماليزيا لدرجة ارتفاع الناتج القومي خلال 10 سنوات الى 5 اضعاف وصل الى 33 مليار دولار ولم تمر 25 سنة عن 1990 الا والناتج القومي 186 مليار دولار والتصدير في حدود 150 مليار دولار بارتفاع 147 مليار دولار عن عام 1990 ، اي تضاعف الامر اكثر من 70 مرة في خلال 25 سنة. اما اليوم فالناتج القومي لفيتنام بلغ 329 مليار بارتفاع 90 مليار عن قبل سنتين والذي يعادل 241 مليار دولار. اما التصدير فنحن نتحدث عن 22 مليار دولار شهريا، اي ما تصدره فيتنام في العام يتجاوز حاجز 290 مليار دولار ولم تعد تصدر مواد اولية او زراعية وانما صناعية مثل الآلات والمعدات الكهربائية بقيمة 117 مليار دولار أمريكي والأحذية بقيمة 22 مليار دولار أي 4 اضعاف ما كانت تصدره اليمن قبل الحرب تقريبا من كل منتجاتها وهذا فقط في مجال الأحذية مثلا. اليوم فيتنام تصدر ايضا الآلات المختلفة بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر بقيمة 15 مليار دولار، و الملابس والاكسسوارات بقيمة 15 مليار دولار، الأجهزة البصرية والتقنية والطبية بقيمة 6 مليار دولار و القهوة و الشاي و البهارات 4 مليار دولار. وهنا نجد انها حتى في القهوة فيتنام اصبحت ثاني اكبر مصدر للبن خلال 30 عاما، و يعد انتاج القهوة في فيتنام "قصة نجاح" شارك فيها بعض رواد الاعمال المعروفين على المستوى الوطني هناك. و يمكن تصور ذلك بالنظر الى عدد سكان فيتنام البالغ 97 مليون نسمة فإن إجمالي صادراتها في عام 2018 يترجم إلى حوالي 3000 دولار لكل فيتنامي. فيتنام استثمرت في التعليم والاستقرار، وهذا جعلها تكون في اقل من 25 سنة من النمور الصاعدة، استقطبت في 20 سنة اكثر من 14 الف مشروع استثماري اجنبي وفيها الان اكثر من 9100 شركة اجنبية، وهي من قائمة الدول 10 في التصدير في العالم، وتتحرك بسرعة للصعود برغم عن مشاكل الفساد والمنافسة الخارجية. صحيح ان التطور الاقتصادي السريع لفيتنام يرجع إلى عوامل مختلفة مثل الموقع الجغرافي الملائم للبلاد، ورأس المال البشري وعلى سبيل المثال العمالة الرخيصة والمؤهلة، لكن لازال هنا طموح اكبر لازالت تسعى اليه فيتنام لحل المشكلات الأساسية مثل الافتقار إلى القدرة التنافسية للعديد من الشركات المملوكة للدولة والفساد والبنية التحتية الضعيفة والعقبات البيروقراطية. ما يهم هنا ان ننظر للنجاح احتمال نتعلم من تجارب الشعوب، ففيتنام استقطبت اكثر من 9100 شركة اجنبية وهذا العدد للعام 2015 ، اما اليوم فلن استغرب ان كان الحديث عن 15 الف شركة اجنبية ونحن نحارب اليمني اينما يكون، كونه ليس منا ونجعله يهاجر مشتت الافكار، ويستثمر في ادغال افريقيا ولا يظل تحت عجرفة وعنصرية اخيه. هم يتحركون الى الامام ويعرفون طريقهم، يبحثون عن الانفتاح والاستقرار و استقطاب المال والبشر كون مشاريعهم لا تنظر للماضي ونحن عكسهم تماما. غيرنا ينجح كون لديهم في السلطة عقول البلد تنتج مشاريع حياة وعمل وتنمية ونحن نتخندق مع شخصيات لاتمتلك اي امكانيات غير الحزاوي والهدرة والزعامات الفارغة ومشاريع الماضي، وننتظر معجزة تحصل. البدايات تتشابه لكن النهايات تختلف بسبب العقول في السلطة، وانظروا لحالنا 6 الى 7 مليون مغترب و80 في المائة منا كمجتمع تحت خط الفقر. فهل يجب ان نستمر كما نحن ام يجب اقلها ان نطمح مثل غيرنا واقول اقلها ان نجنب اليمني الاختيار بين الاحتراب او الاغتراب.