تسابق إسرائيل الزمن لحسم معركة القدس والأقصى عبر إقامة المشاريع التهويدية والاستيطانية بالمدينةالمحتلة، وتستغل دولة الاحتلال انشغال المجتمع الدولي بتداعيات الربيع العربي والمخاض الذي تمر به الثورات والتحديات التي تواجه الشعوب العربية والإسلامية بتصعيد وتيرة اقتحامات المستوطنين والجيش للمسجد الأقصى، وإقرار مشاريع قوانين بالكنيست تكرس السيادة الإسرائيلية على ساحات الحرم وتمهد لبناء الهيكل المزعوم. وفي مواجهة الهجمة الصهيونية على القدس والمقدسات، تنشط العديد من الجمعيات الفلسطينية من أبرزها 'مؤسسة الأقصى للوقف والتراث' التي يرأسها المهندس زكي اغبارية، الذي التقته الجزيرة نت لإلقاء الضوء على التحديات والمخاطر المحدقة بالمدينةالمحتلة ومقدساتها وأطماع الاحتلال في تقسيم ساحات الحرم وبناء الهيكل الأسطوري المزعوم. وفيما يلي نص الحوار: ما هي دلالات السباق المحموم للجمعيات الاستيطانية بالكنيست لتكريس السيطرة الإسرائيلية على الأقصى؟ في الماضي لم يطرح الملف بشكل كبير من قبل هذه الجمعيات وإن كانت تريد وتتطلع لذلك، لكن الظروف التي تعصف بالشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية تعتبرها إسرائيل ظروفا في غير صالحها، فهي تسابق الزمن لفرض وقائع وحسم ملف القدس والأقصى وتصفية القضية الفلسطينية. ويرون أن الأوضاع الإقليمية غير مستقرة وقابلة للتغير ويجزمون بأن المستقبل مبهم حتى وإن تم الانقلاب على الشرعية بمصر، من هنا تجدهم يسارعون لفرض حقائق ميدانية ومشاريع استيطانية وتهويدية، لفرض السيادة على الحرم القدسي الشريف والسيطرة على كامل المدينةالمحتلة. ما العلاقة بين تصاعد وتيرة الاقتحامات للأقصى، والسياسة الإسرائيلية التي تتطلع لبناء الهيكل المزعوم والقضاء على المؤسسات العربية والإسلامية الناشطة بالحرم وتخومه؟ الاعتقاد السائد في السابق بأن المطالبة ببناء الهيكل يقتصر فقط على الجماعات اليهودية المتطرفة وغير الرسمية اعتقاد خاطئ، ففي عهد الحكومة الحالية نرى شخصيات قيادية واعتبارية تسخر نشاطها لهذا الغرض وتنادي به، وهذا تحد جديد وتطور خطير فيما يخص مصير ومستقبل القدس والأقصى والمقدسات العربية والإسلامية. بالمقابل، فالحكومة الإسرائيلية تقف بالمرصاد لمؤسسة الأقصى ونشاطاتها ولكافة الجمعيات الناشطة لحماية القدس والمقدسات وأسوار البلدة القديمة التي تشكل الحصن المنيع لحماية الحرم والساحات. ولهذا تضيّق سلطة الاحتلال على الناشطين بقمعهم بالتحقيقات والاعتقالات المتكررة، وتوظّف القوانين العسكرية المفروضة على القدس بتفعيل سياسة الإبعاد للقيادات الميدانية والسياسية عن الأقصى ومحيطه. وهذا النهج يعكس خوف الاحتلال من نشاط المؤسسات المعنية بالأقصى والبلدة القديمة، ويقلقها نجاحها في فضح وإعاقة المخططات الاستيطانية والتهويدية، إذ تستمد مؤسسة الأقصى -شأنها شأن باقي الجمعيات- قوتها ونشاطها من الدعم والالتفاف الشعبي والجماهيري، لتكون صمام الأمان للدفاع عن القدس والرباط بالأقصى. إذا، كيف يمكن مواجهة هذه التحديات التي تتهدد المقدسات؟ حسب الواقع العربي والإسلامي الحالي وتداعيات الربيع العربي وما يتعرض له من مؤامرات، فإن احتمالات النجاح في تجنيد الأنظمة والمؤسسات العربية والإسلامية الرسمية ليست كبيرة، وبالتالي فإن هناك عبئا كبيرا ومضاعفا يقع على عاتق أبناء الشعب الفلسطيني بالداخل والقدسالمحتلة والضفة الغربية، لاستنفاد كل الوسائل المشروعة من أجل المقاومة ومواجهة هذه الممارسات الاحتلالية والانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة. وهذا الأمر لا يمنع وسائل الإعلام الحرة من تسليط الضوء على قضية القدس والأقصى من أجل حشد وتجنيد الرأي العام العربي والعالمي، ولفت الانتباه للمخاطر الكبير المحدقة بالقضية الفلسطينية برمتها. ولكن هذا لا يعني عدم استمرار المحاولات مع الحكومات الرسمية العربية والإسلامية لأخذ دورها على المستوى السياسي. كيف تؤثر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي على عمل دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس والأقصى؟ دائرة الأوقاف هي صاحبة السيادة على المسجد الأقصى والجهة الرسمية الصاحبة الشرعية التي لها الحق بالسيادة الكاملة على المسجد، وترعى شؤون وإدارة الحرم القدسي والمقدسات الإسلامية بالقدسالمحتلة. وهذا الدور له بالغ الأهمية، إذ ترمي الممارسات الاحتلالية الإسرائيلية إلى سلب هذه السيادة واستبعاد دائرة الأوقاف عن الحرم والمقدسات وإضعاف دورها وتقليص نفوذها وصلاحياتها، وفرض هذه الممارسات والتضييق على جميع المؤسسات العاملة والناشطة بالأقصى وتخومه، وأسوار البلدة القديمة، وذلك كي تكون المؤسسة الإسرائيلية هي المرجعية وصاحبة السيادة، وهذا هو لب وجوهر الصراع. كيف يمكن أن ينعكس نهج الاحتلال فيما يخص القدس والأقصى على اتفاقية السلام مع الأردن؟ لو تحدثنا بمفردات اتفاقية السلام وبغض النظر عن ملاحظاتنا على كل هذه الاتفاقيات وموقفنا منها، فالأصل أن تحترم تل أبيب الاتفاقيات والدور والسيادة الأردنية على الأقصى وعلى المقدسات بالقدس. لكن حسب رأيي فإن المؤسسة الإسرائيلية تمارس سياساتها الاستيطانية والتهويدية بالقدس مسقطة من حسابها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتعمل وفق إستراتيجيتها للسيطرة التامة على الأقصى والحرم، وفي نهاية المطاف تهويد القدس وفرض السيادة الإسرائيلية. ما هو دور 'مؤسسة الأقصى' في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية والاقتحامات اليهودية لساحات الحرم وتدنيس المقدسات؟ تعتمد المؤسسة بنشاطاتها وفعالياتها لرفد الأقصى بالحشود من فلسطينيي 48 والنفير للرباط بالحرم والساحات، وتشجيع السياحة الدينية للعائلات والطلبة على مدار العام مع تكثيف مشاريع وقوافل شد الرحال خلال شهر رمضان والمناسبات الدينية والأعياد. وكل ذلك بهدف تعزيز صمود أهلنا في القدس ودعم اقتصادهم وتنشيط الحركة التجارية في أسواق البلدة القديمة، إلى جانب تقديم وتوفير الخدمات للمصلين، وتنفيذ أعمال صيانة بسيطة وعامة لا ترتقى إلى المستوى المطلوب لإحداث تغيرات كبيرة على المسجد والساحات، وذلك بسبب تضييقات الاحتلال ومنع تنفيذ مشاريع ترميم وصيانة شاملة. لكن النشاط الكبير الذي تنفذه المؤسسة ويعتبر ركيزة أساسية من نشاطها لحماية الأقصى والمقدسات هو العمل الإعلامي، حيث توجد طواقم المؤسسة بإعلاميها ومصوريها وباحثيها الميدانيين على مدار الساعة، يوثقون الأخبار والأحداث لتنشر في وسائل الإعلام العالمية لحظة وقوعها. كما أنهم يوثقون ويرصدون الانتهاكات ومخططات التهويد والاستيطان والتضييق على المقدسيين، وهذا الجانب تعتبره المؤسسة مهما جدا للفت انتباه الشعوب العربية والإسلامية والعالمية لما يدور بالمسجد الأقصى والقدس من ممارسات احتلالية وتدنيس للمقدسات وتهويد واستيطان وتهجير بطيء للفلسطينيين. ما مدى خطورة المشاريع الاستيطانية والتهويدية وتداعياتها على مستقبل القدس والأقصى؟ من الواضح لا قدر الله أنه في حال نجاح هذه المشاريع وعدم إيقافها والتصدي لها سيؤدي ذلك لتهجير قسري لعشرات آلاف المقدسيين وتفريغ المدينة من سكانها الأصليين، وعزلهم عنها بجدار الفصل العنصري للتفرد بالأقصى والمقدسات. وستعمل هذه السياسة والمخططات على طمس المعالم العربية والإسلامية والآثار مع إضفاء الهوية اليهودية الاستيطانية عليها، لخلق واقع يأملون تثبيته في حال الشروع بمفاوضات الوضع النهائي فيما يتعلق بملف القدس. والأخطر من ذلك هو تقسيم ساحات المسجد الأقصى بين العرب واليهود، الأمر الذي ينذر بابتلاع الاحتلال لمعظم الساحات بالمستقبل. إلى ماذا تعزو الصمت العربي والإسلامي الرسمي والشعبي رغم تحذيراتكم؟ من الواضح أن الأوضاع والأحداث المستعرة بالعالم العربي أثرت سلبا وبشكل سريع على قضية القدس والأقصى، فالأحداث الجسام التي تشهدها مصر وسوريا والعراق واليمن شغلت وتشغل الشعوب، الأمر الذي فتح شهية الحكومة الإسرائيلية للتسريع في تنفيذ سياساتها التهويدية الاحتلالية والاستيطانية بالقدس. وعلى الرغم من الظروف الإقليمية فإنه في الحقيقة هنالك اهتمامات من قبل الكثير من المؤسسات العربية الرسمية وعلى مستوى الأنظمة والدول أيضا، لكنها غير كافية، فهناك إمكانية للتأثير على مسار الأحداث بالقدس من قبل الأنظمة والجهات الرسمية بشكل أوسع وأكبر وأفضل مما هو عليه الآن. فالأمر لا يقتصر على مساعدات مالية رغم أهميتها، لكن ما نصبو إليه أن تكون هناك قرارات سياسية من مستويات عالية من العالم العربي والإسلامي وتبني ملف القدس والأقصى بشكل كبير ومؤثر. وتثبت التجارب أن ممارسات من هذا القبيل يمكن أن تؤثر وتغير مسار الأحداث بالقدس والأقصى لصالح الفلسطينيين. وسبق أن تدخلت الحكومتان التركية والمصرية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، كما تدخلت المملكة الأردنية، هذا التدخل والموقف السياسي الموحد منع وأوقف الخطوات الإسرائيلية في تنفيذ مخطط باب المغاربة بأمر مباشر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. هل 'مؤسسة الأقصى' هي البديل والمنافس للرعاية الأردنية؟ نعتبر الرعاية والسيادة الأردنية رعاية شرعية ونحترمها، ودائما ننسق مع دائرة الأوقاف في أنماط العمل والمشاريع، ولا نسعى لنكون بديلا عن الرعاية العربية الإسلامية بالقدس والممثلة بالمملكة الأردنية الهاشمية. ونعتبر نشاطنا كما سائر المؤسسات والجمعيات العاملة بالقدس والناشطة بالأقصى والبلدة القديمة دعما وتقوية لدائرة الأوقاف الإسلامية في ممارسة عملها ودورها، وتكاتف هذه الجهود يصب في نهاية المطاف في مصلحة القدس والأقصى. ونحن بوصفنا مؤسسة نرفض التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي حتى لو أعلن السماح لنا القيام بمشاريع ترميم وتطوير واسعة النطاق إذا اشترط التنسيق معه كما يسعى، فمن جهتنا لا سيادة للاحتلال على القدس والأقصى، ونؤكد رفضنا لمثل هذا التعاون، ولا نعترف بشرعيته ووجوده في القدس والحرم، ونشدد على أن تعاملنا الوحيد هو مع الجهات العربية والإسلامية الصاحبة السيادة والرعاية سواء كانت الأردن أو السلطة الفلسطينية.