تناقش هذه الورقة كيف بداء النفوذ الإيراني في اليمن من القوة الناعمة والدور الذي لعبته هذه القوة لتقوية ومد النفوذ الإيراني في اليمن، وتعرض الورقة أدوات القوة الناعمة التي استخدمها الحوثيون في اليمن بالوكالة عن إيران وتجسدت بنشر التشيع، والخطاب المعادي لأمريكا وإسرائيل، والقضية الفلسطينية. وتوضح الورقة أهم العوامل التي شكلت بيئة مواتية للنفوذ الإيراني في اليمن، وتلخصت في: تهميش الزيدية، الأمية وتدني مستوى التعليم، سياسة النظام السابق، القبيلة، الفقر، الظلم والفساد. وتبحث الورقة في سيناريوهات التحرك الإيراني لإنقاذ نفوذه في اليمن، ومستقبل هذا النفوذ. يعتبر العامل التاريخي أحد عوامل صياغة السياسة الخارجية ورسم السلوك السياسي لبلد ما تجاه بلد آخر أو منطقة جوار معينة، أما في الحالة الإيرانية فليس من المبالغة القول بأن العامل التاريخي هو صاحب الأثر الأقوى إن لم يكن هو المسئول الوحيد عن طبيعة السلوك الإيراني تجاه دول جوارها العربي بشكل خاص وبقية الدول العربية بشكل عام، فمن الواضح اليوم أن الذاكرة التاريخية لصناع القرار والسياسيين الإيرانيين هي وراء السلوك الإيراني الساعي للسيطرة على المنطقة، وهي سبب رفضهم تقبل واقع أن الجار العربي مكافئ لهم في المنطقة، فما زال الشعور بالأفضلية يتملك الساسة الإيرانيين ويجعلهم يبذلون قصارى جهدهم لتصدير ثورتهم إلى دول المنطقة. بعد نجاح الثورة الإيرانية وقيام جمهورية إسلامية على مبدأ “الولي الفقيه”؛ رأى بعض قادة الثورة وعلى رأسهم الولي الفقيه- الخميني- بأن النموذج الإيراني ممكن أن يطبق بنجاح في كل المنطقة، وأن مسئولية نقل هذه الثورة إلى بقية دول المنطقة، تقع على عاتق إيران وهو ما عُرف بمبدأ “تصدير الثورة”. كانت نتيجة التصريح العلني عن العمل بمبدأ تصدير الثورة وما ترافق معه من أعمال شغب للأقليات الشيعية في دول المنطقة؛ دخول إيران والعراق في حرب ضروس استمرت ثمانيَ سنوات، أنهكت كلا البلدين، ذاقت بعدها إيران مرارة عزلة خانقة، بعدها أدرك القادة الإيرانيون أن مبدأ تصدير الثورة بالشكل العلني يعود بالمشاكل على إيران، لذلك تخلت إيران عن مبدأ تصدير الثورة بالشكل العلني لتتمكن من فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع دول الجوار، إلا أنها استبدلت به القوة الناعمة، فمن الصعب أن تتخلى إيران عن رغبتها في أن تكون قوة إقليمية ولاعبا أساسيا في المنطقة، ولا شيء أفضل من الغطاء الديني يعطي إيران فرصة لتحقيق رغبتها، عن طريق قيادة جماعات بشرية خارج حدودها، تهدد الاستقرار، وتكون ورقة ضغط ناجحة بيد إيران تستخدمها متى تشاء، لذلك حافظت إيران على علاقتها بالفئات الشيعية والطوائف القريبة من الشيعة في مختلف دول المنطقة، وواحدة منهم الزيدية في اليمن، وبالفعل استطاعت إيران من خلالهم تأسيس نفوذ لها في اليمن، باستخدام القوة الناعمة والتي تمثلت ب: وحاولت إيران نشر التشيع في اليمن بوسائل عدة، منها، استقطاب طلاب يمنيين للدراسة في الجامعات والحوزات في إيران ودمشق وبيروت منذ فترة الثمانينيات والتسعينيات وعن طريق استخدام شخصيات شيعية عراقية مقيمة في اليمن[2]،إلا أنه يمكن القول إن التحرك الإيراني لنشر التشيع في اليمن نشط كثيرا في التسعينيات بحكم الانفتاح الذي ترافق مع قيام الوحدة اليمنية في مايو /أيار1990، والسماح بالتعددية السياسية وتشكيل الأحزاب، وعدم وجود رقابة على دخول مراجع وكتب ومنشورات المذهب الاثنى عشري، وفي ذلك يقول الطالب اليمني المقيم في إيران حسن علي العماد والذي تحول إلى المذهب الجعفري الاثنى عشري:” إن الحرية العقائدية والفكرية التي عاشتها اليمن في التسعينيات لم يسبق لها مثيل في اليمن وهي المرحلة الحقيقية التي نستطيع أن نقول إن وجود الاثنى عشرية بدأ منها”[3]. وفي يوم 2002-1-17وبعد انتهائه من إعطاء محاضرة بعنوان “الصرخة في وجه المستكبرين”؛ طلب حسين الحوثي من الحضور أن ينادوا بالصرخة وهي: “الله أكبر… الموت لأمريكا… الموت لإسرائيل… اللعنة على اليهود …النصر للإسلام” كأقل شي ممكن أن يعملوه لمقاومة الاستكبار الأمريكي، ووضح لهم أن هذه الصرخة كفيلة بإرعاب أمريكا وإسرائيل[5]، وبذلك قام باستنساخ الشعار الإيراني )مرگ بر امری?ا مرگ بر اسرائيل( على هيئة ما أسماه بالصرخة التي أخذت تنتشر كلما زاد نفوذهم وتمددهم. و بعد مقتل حسين الحوثي استمر عبد الملك الحوثي الزعيم الحالي للحوثيين على نفس النهج الإيراني، حتى إنه عرف الحركة الحوثية بأنها “مجاميع شعبية تتحرك سلمياً لمعارضة الهجمة الأمريكية الإسرائيلية على العالم الإسلامي عبر شعارها “الله أكبر…الموت لأمريكا…الموت لإسرائيل…اللعنة على اليهود…النصر للإسلام”[6]. حشد الحوثيون الكثير من الشباب تحت راية هذا الشعار، بحجة مقاتلة أمريكا وإسرائيل وأن النظام اليمني عميل وصديق لأمريكا، مستفيدين من كون التعبئة ضد إسرائيل أكثر نوع تعبوي يحظي بقبول واسع بين مختلف شرائح الشعب اليمني، فلا يتطلب حشد الشباب فيه سوى خطابات حماسية تحرك عواطفهم وتلهب حماسهم لمواجهة أعداء الإسلام والمسلمين أمريكا وإسرائيل. حققت هذه الشعارات الرنانة نجاحاً باهراً وأكسبت إيران قاعدة شعبية بين شعوب المنطقة في بادئ الأمر واعتبروها قدوة يجب على الدول العربية الاحتذاء بها، لذلك تم استثمار القضية الفلسطينية مرة أخرى في لبنان مع تأسيس حزب الله، وبعد ذلك في اليمن مع الحوثيين، الذين ركزوا في خطاباتهم على القضية الفلسطينية لما لها من صدى في نفوس وقلوب المسلمين وخاصة اليمنيين، ودائما ما يصور قادة الحوثيون للعامة بأن معركتهم مع إسرائيل وحتى في حروبهم ومشاكلهم مع الدولة صوروا لهم بأن الحكومة تحاربهم بأمر من أمريكا وإسرائيل. توفرت في البيئة اليمنية عدة عوامل أعطت لإيران مؤشراً لإمكانية نجاح قوتها الناعمة هناك، واعتمدت على هذه العوامل كأرضية خصبة لإطلاق قوتها الناعمة، ويمكن إيجاز هذه العوامل بما يلي: أما عامل القوة الذي ارتكزت عليه إيران في استغلال الزيدية لإيجاد نفوذ لها في اليمن، فهو أن الزيدية حكمت اليمن لأكثر من ألف عام ، وكانوا أصحاب نفوذ إلا أنهم تعرضوا للتهميش والإهمال في عهد صالح، لذلك نقم كثيرون منهم على هذا الوضع، وصارو يطمحون إلى عودة حكمهم لليمن -ومنهم الحوثيون- وبدا ذلك بوضوح منذ قيام الثورة الإيرانية حيث جابت المظاهرات المؤيدة للخميني وللثورة الإيرانية شوارع صعدة فور إعلان نجاح الثورة في إيران[8]، رأت إيران في رغبة أتباع المذهب الزيدي في العودة مذهبهم للحكم وفي الطموح الحوثي للسلطة حجر الأساس الذي ستبني عليه مخططها في اليمن، خاصة مع تأثر المؤسسين للحركة الحوثية بأفكار الخميني والثورة الإيرانية، وقيامهم في عام 1986 بتدريس مادة مخصصة عن الثورة الإيرانية ومبادئها، للطلاب الملتحقين بالدورات التدريبية في منتدى الشباب المؤمن، وبالفعل شكل هؤلاء وقود الفتنة التي قادها الحوثي. وفي إطار هذه اللعبة قام صالح بدعم الحوثيين وتقويتهم ليضعف بهم حزب التجمع اليمني للإصلاح أقوى منافس لحزب المؤتمر الشعبي العام حزب صالح نفسه، مستغلا التضاد الفكري والمذهبي بين الإصلاح والحوثيين، ولم يقتصر دعمه لهم على اعتماده مبلغا ماليا يصرف لهم من خزانة رئاسة الجمهورية[13]، بل أيضا غض الطرف أحيانا كثيرة عن علاقاتهم المشبوهة بإيران ودعمها لهم. وحتى في الحروب الست التي خاضتها الدولة مع الحوثيين في صعدة، كانت سياسة صالح تقوم على إضعاف الحوثيين وليس إنهاءهم، فبقاء الحوثيين كان عاملا مهمًّا في لعبة التوازنات، فالحوثيون يواجهون المد السلفي في صعدة، بالإضافة إلى تسلمه مبالغ طائلة من السعودية تحت ذريعة مقاتلة الخطر الشيعي المقيم على حدودها، ووجد صالح في الحروب مع الحوثيين، فرصة لإضعاف الجيش والفرقة الأولى (مدرع) التي يقودها علي محسن الأحمر، في مقابل تقوية وتجهيز المؤسسات الأمنية التي يقودها أقرباؤه[14] من أجل الحفاظ على توازن القوى في المؤسسات الأمنية والعسكرية لصالحه. ازداد تمدد النفوذ الإيراني في اليمن بعد ثورة فبراير نتيجة الفوضى السياسية وغياب دور الدولة حيث تمكن الحوثيون في ظل تلك الأوضاع من عقد تحالفات مع الرئيس المخلوع صالح ومن يدينون له بالولاء من رجال المؤسسات العسكرية ورجال بعض القبائل، وخاضوا حروبا في عده مناطق من اليمن حتى وصلوا إلى العاصمة صنعاء وأسقطوها في 21سبتمبر|أيلول 2014، وبعد إسقاطهم للعاصمة وتسلمهم زمام الأمور، شكلوا ما يُسمى باللجان الشعبية في المحافظات التي استولوا عليها بحجة المحافظة على الأمن والنظام[17]، وعينوا ممثلين لهم في كل مؤسسات الدولة من الوزارات إلى أقسام الشرطة والبنوك والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، ومكاتب المحافظات ومراكز المديريات والمحاكم والجامعات[18]، استبدلوا بمحافظي المحافظات التي استولوا عليها، استبدلوا بهم آخرين يوالوهم، سيطروا على وسائل الإعلام الحكومية المسموعة والمرئية والمقروءة، ووفقا لبعض التقارير سيطر الحوثيون وقتها على70 بالمئة من قدرات الجيش اليمني[19]. أما جغرافيًا[20]: تمدد الحوثيون في المدن والمحافظاتاليمنية لفرض نفوذهم وسيطرتهم عليها، وأصبحوا يسيطرون على العاصمة صنعاء بمختلف مؤسساتها ووزاراتها، ومحافظة صعدة معقلهم الرئيسي، وسيطروا على مدينة أرحب الجبلية المطلة على مطار صنعاء الدولي، ومحافظة الجوف الحدودية مع السعودية والواعدة باكتشافات في مجال الغاز، ومحافظة حجة ويوجد بها ميناء ميدي المطل على البحر الأحمر، ومحافظة الحديدة حيث يوجد ثاني أكبر الموانئ اليمنية وتشترك مع السعودية في منفذ حرض البري، ومحافظة ذمار القريبة من العاصمة، بالإضافة إلى محافظتي عمران وإب وأجزاء من محافظة البيضاء ومازالوا يقاتلون هناك للسيطرة على كامل المحافظة التي ستمكنهم من السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز الطبيعي. ووصل النفوذ الإيراني في اليمن لدرجة أن صنعاء كانت تدار من طهران، ففي إحدى المرات أراد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إقناع الحوثيين بالموافقة على تنفيذ أحد قرارات مؤتمر الحوار الوطني، فما كان منه إلا أن أرسل وزير الخارجية إلى مسقط كي تتوسط لدى طهران بالضغط على الحوثيين للموافقة[21]. لدى إيران ثلاثة سيناريوهات للرد على عاصفة الحزم وإنقاذ نفوذها في اليمن: المشاكل الاقتصادية: تعاني إيران من مشاكل اقتصادية خانقة ارتفعت وتيرتها مع انخفاض أسعار النفط مؤخرا، بالإضافة إلى أن 20 بالمئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر[22]. الرأي العام الداخلي: يتذمر أغلب الإيرانيين من سياسة دولتهم التي تدعم جبهات قتالية في سوريا والعراق واليمن، وحتى دعمها للمقاومة الفلسطينية، فهم يرون أنهم أحق بالمليارات التي تصرفها حكومتهم على هذه الجبهات في وقت هم في أمس الحاجة لهذه المبالغ، لذلك من الصعب على إيران التورط في تدخل عسكري علني وصريح في اليمن. الاتفاق النووي: حبر الاتفاق النووي الذي يعول عليه الإيرانيون كحل سحري لجميع مشاكلهم لم يجف بعد، وعلى إيران أن تثبت للمجتمع الدولي حسن نواياها وسعيها للسلام وهذا يعني ابتعادها عن أي تدخل عسكري. دعمها للنظام في سوريا والمليشيات العراقية وحزب الله اللبناني: لم يعد خفيا أن المقاتلين الإيرانيين – وأغلبهم من الحرس الثوري – يحاربون في سوريا والعراق، إلى جانب المساعدات المالية التي تقدمها إيران والتي تقدر بين مليار وملياري دولار شهريا للنظام في سوريا، وبين 100و 200 مليون دولار سنويا للميليشيات العراقية، وبين 60 و 200 مليون سنويا لحزب الله[23]، لذلك ليس من مصلحة إيران التورط في مواجهة عسكرية. العزلة: المواجهة العسكرية الإيرانية لعاصفة الحزم والتي تشمل السعودية وقطر والبحرين والأمارات والأردن ومصر والسودان أي تقريبا أغلب الدول العربية في المحيط الإقليمي لإيران، سيترتب عليه قطع علاقات هذه الدول بإيران والتي وصلت لأعلى درجات التوتر إلى أجل غير مسمى، مما سيعرضها لعزله إقليمية كانت قد جربتها في فترة تبنيها لمبدأ تصدير ثورتها بالشكل العلني. وفي هذا الخيار تتحرك إيران على تكثيف الحملات الإعلامية ضد دول التحالف العربي وإظهار عاصفة الحزم أنها تقوم بإبادة جماعية للشيعة في اليمن وأن هدفها تدمير اليمن والبنية التحتية فيها، وستعمل أيضا على إضعاف التحالف، وبدا هذا واضحا من تأثيرها على باكستان بشكل أو بآخر لتتخذ موقف الحياد فقد أعلنت باكستان عن حيادها بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى باكستان في 8 ابريل[24]، وإدخال سلطنة عمان كوسيط لإقناع دول التحالف بضرورة الحل السياسي السريع للأزمة اليمنية[25]، وهو ما بدأت تركيا تنادي به أيضا[26].