التقارير التي توالت تباعاً عن الخسائر الفادحة التي وقعت في صفوف «حزب الله» في منطقة القلمون في سوريا ما هي إلا أحدث علامة على استمرار تورط «حزب الله» في سوريا والخسائر الكبيرة التي تكلفه. ولكن الثمن الحقيقي بالنسبة ل «حزب الله» يتم دفعه في لبنان، حيث أدى دعم «الجماعة» لنظام الأسد إلى زيادة التفجيرات الانتحارية بسيارات مفخخة، والتوترات بين السنة والشيعة، والاشتباكات المسلحة، ناهيك عن التنازلات الأخيرة لتحالف قوى «14 آذار» في تشكيل حكومة تصريف أعمال لبنانية. وفي حين قد يبدو أن امتداد الصراع إلى لبنان هو قضية محلية، إلا أن المقابلات التي أجريتها مع لبنانيين وسوريين خلال زيارتي الأخيرة إلى لبنان تشير إلى أن مثل هذه الحوادث، إلى جانب الفراغ الأمني المحتمل الذي تسببته مشاحنات الحكومة حول اختيار الرئيس اللبناني المقبل، يمكن أن تؤجج النيران نحو قيام صراع إقليمي أوسع نطاقاً بحيث لا يتمكن «حزب الله» وإيران من إخماده ولا يمكنهما تحمله. وما هو أكثر من ذلك، أن الانتقام ضد أهداف غربية هو ليس بنفس السهولة التي كانت تجري فيها العمليات التخريبية من قبل، وسوف يجعل الأمور أكثر سوءاً للتحالف الإيراني - وليس أفضل حالاً. ومن خلال تدخله في سوريا لإنقاذ نظام الأسد، فإن «حزب الله» قد جعل لبنان ساحة للسوريين والجماعات السلفية الجهادية المدعومة من قبل دول الخليج. وخلال العام الماضي هزت لبنان أربعة عشر انفجاراً مختلفاً كانت تسهدف «حزب الله»، أو إيران، أو الجماعات التي تدور في فلكهما، بما في ذلك الانفجار الذي وقع في قرية "النبي عثمان" الشيعية في 17 آذار/مارس والذي أدى إلى مقتل مسؤول منطقة العين في «حزب الله» عبد الرحمن القاضي. إن النظر في تفاصيل كل هجوم يكشف ما حدث: معظمها حدثت من خلال سيارات مفخخة انتحارية، باستثناء قيام قناص بقتل الخبير في شؤون الأسلحة في «حزب الله» حسن اللقيس. وقد وقعت جميع التفجيرات إما في الضواحي في جنوببيروت أو في المسارات التي تؤدي إلى تلك المناطق، أو في الهرمل، معقل «حزب الله» في شمال البقاع. وقد زادت وتيرة الهجمات وفقاً لدرجة تورط «حزب الله» في سوريا، حيث أن المعدل الحالي يقترب الآن من أربع عمليات تخريبية شهرياً. ولم تؤدي الجهود الأخيرة لوقاية المخازن والمستشفيات والمساجد في الضاحية من القنابل، إلى وقف السكان من الفرار إلى مناطق أكثر أمناً. وقد أخبرني مصدر ما أن هناك حوالي 150,000 شقة معروضة الآن للإيجار في جنوببيروت وحدها. إن التفجيرات التي يقوم بها السلفيون في لبنان ضد أهداف «حزب الله» هي ليست وحدها التي يمكن أن تؤدي دون قصد إلى اندلاع حرب أوسع نطاقاً. فبدءاً من اعتقال السياسي المؤيد لسوريا ميشال سماحة، كشف المحققون اللبنانيون عدداً من المؤامرات التي يرعاها النظام السوري ضد مواطنين لبنانيين، بما في ذلك أولئك من السنة الذين يعيشون في المناطق الطائفية ذات الوضعية المتفجرة مثل طرابلس وعكار. وقد أصدرت السلطات العسكرية اللبنانية مؤخراً مذكرات توقيف غيابية بحق الزعيم العلوي اللبناني ومؤيد قوي للأسد، علي عيد، لتهريبه رجل - شارك في التفجير الذي وقع في 23 آب/أغسطس ضد السنة في طرابلس - إلى خارج البلاد نحو سوريا. ويمكن لنظام الأسد، الذي يشعر بثقة مفرطة مؤخراً، أن يكثّف من عمليات الاغتيال في لبنان (وطرابلس على وجه الخصوص) والتي من شأنها أن تؤدي فقط إلى وقوع المزيد من الهجمات فضلاً عن كونها أكثر تدميراً ضد «حزب الله». وسابقاً كان من السهل منع الصراعات في لبنان من الانتشار إلى أماكن أخرى، وغالباً ما تم ذلك في أعقاب التوصل إلى اتفاقات - ضمنية أو من وراء الكواليس - بين الرياض وطهران. وفي الواقع، تكهنت العديد من المصادر في لبنان في محادثاتها معي، بأن تشكيل الحكومة الأخير كان دليلاً على هذه الجهود. ولكن في حين قد يتفق القادة العرب والفرس على إضعاف الصراع في لبنان، إلا أن الطبيعة الطائفية المتزايدة للقتال في سوريا قد جرّت كل من إيران ودول الخليج العربية نحو معركة دامية بحيث أن الحدود اللبنانية السورية التي يسهل اختراقها، ولم يتم ترسيمها أبداً بشكل واضح، لا تتمكن من احتوائها. ومن المفارقات، أن جهود «حزب الله» الأخيرة لتأمين منطقة القلمون لكي تكون تحت سيطرة نظام الأسد قد تدفع الجبهة المركزية للمعارضة السورية التي أساسها من السنة، نحو لبنان، الأمر الذي يجعل منها مسرحاً آخر في حرب إقليمية تزداد طائفية. إن ضرب أهداف غربية في لبنان أو العراق انتقاماً للهجمات التي يشنها الجهاديون لن يجعل الوضع أفضل. وتزداد معارضة الرأي العام في الغرب لإيران، وأن قيام «حزب الله» بفتح هذه الجبهة الثانية من شأنه أن يعمق فقط من الشكوك بأن الجمهورية الإسلامية ستعمل على التوصل إلى ذلك النوع من الاتفاق مع واشنطن الذي من شأنه أن يحمي المصالح الغربية في الشرق الأوسط ويحقق من مخاوف الانتشار المضادة بين حلفائها الإقليميين. ولتفادي حدوث المزيد من التصعيد، ينبغي أن يقلص «حزب الله» من انخراطه في سوريا ويعيد قواته إلى لبنان، في الوقت الذي لا يزال من الممكن خروجه من سوريا بصورة مشرفة. وفي حين تشير التقارير إلى أن المملكة العربية السعودية قد أطلقت حملة لدعم المعارضة السنية، ينبغي على «حزب الله» وإيران أن يفهما معنى هذا الدعم على ما هو عليه : محاولة للضغط على المتطرفين وإبعاد أعضاء من العناصر التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة» من الجماعات التابعة لها وجرها نحو الانضمام إلى فصائل أكثر اعتدالاً تقع تحت سيطرة الدول العربية الإقليمية، ومحاولة لدفع بشار الأسد إلى طاولة المفاوضات.
أندرو تابلر هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب "في عرين الأسد: رواية شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سوريا".