إنّ مسمّى لفظ اليمن أسمٌ يشوبه الكثير الغموض لاسيّما في مثل هذي الأيام التي يسعى فيها البعض لتزوير بعض حقائق التاريخية بقصدٍ أو غير قصد ولأغراض سياسيةٍ تارةً و دينيةٍ تارةً أخرى فأحببت أن أُزيح اللّثام عن مسمّى هذه الكلمة من خلال ما وقفت عليه وتمكنت من جمعه مع شرحٍ بسيط ونقلٍ لأقول بعض أهل العلم والتاريخ من خلال هذه الأسئلة التي هي بعنوان (( حائرٌ يسْأل والتّاريخُ يُجيب .. ! )) . سائلاً المولى أن ينفع بها كما اسأله تعالى أن يرينا الحقَ حقاً ويرزقنا اتباعه هل هناك أكثر من مفهوم لتعريف لفظ اليمن إذا أُطلق ؟ الجواب : - نعم .. إن لفظ اليمن اذا أُطلق حَمَل مفهومين مُختلفين عن بعضهما تمام الاختلاف أحدُهما قديم والآخر حديث . ما هو المفهوم القديم لليمن ؟ وماهي حدوده الجغرافية ؟ المفهوم القديم لليمن هو كل ما كان يمين الكعبة ما بعد ميقات يلملم أي إنه ( اتجاه ارض فقط وليس كيان واحد ومعلوم الحدود الجغرافية ) . فهي رقعة جغرافية واسعة مترامية الاطراف واقعة يمين الكعبة تسكنها عدّة كيانات سياسية مختلفة ذات هويات منفصلة الحكم والسيادة ؛ ولعلّ أوضح وأصح الحدود لليمن بهذا المفهوم في العُرف الشرعي هو قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( وليهل أهل اليمن من يلملم ) فما وراء ميقات يلملم من أرض تُعتبر من اليمن القديم ( الجهة وليس الكيان ) فتهامة وما جاورها كدوس مثلاً أو غيرها كنجران؛ جازان، عسير كانت تُعتبر من أرض اليمن بمفهومه القديم وذلك لوقوعها يمين الكعبة ما بعد ميقات يلملم .. وهذا ما يُفسّر أنه يُقال لأبي هريرة رضي الله عنه اليماني كما جاء في ترجمته على الرغم من أنه دوسي من بلاد دوس .. ! فاليمن بهذا المفهوم القديم ما هو إلا اتجاه أرض فقط تقع يمين الكعبة ما بعد يلملم .
ما هو المفهوم الحديث لليمن ؟ وماهي حدوده الجغرافية ؟ المفهوم (الآخر) الحديث لليمن هو الهوية والكيان المعروف اليوم بحدوده الجغرافية والسياسية . وحدود اليمن بهذا المفهوم الحديث هو نفس حدود الدولة الحديثة الموسومة بالجمهورية اليمنية التي تأسست عام 1990م والمتكونة من حدود الجمهورية العربية اليمنية التي تأسست في عام 1918م ودولة اليمن الديمقراطية الشعبية التي تأسست عام 1967م أما ما قبل هذه التواريخ الثلاثة فان لفظ اليمن كان يُقصد به المفهوم الاول فقط . من ذكر من أهل العلم والتاريخ اليمن بالمفهوم القديم ؟ ذكر الإمام البخاري في صحيحه : ( سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة ( اتجاه ) والشام لأنها عن يسار الكعبة ) روي عن ابن عباس قوله : ( تفرقت العرب فمن تيمن منهم سميت يمناً ) . قال المؤرخ الهمداني : ( يمن وشام فجنوبهااليمن وشمالها الشام) ويقصد بذلك الكعبة . قال حسين بن علي بن أحمد الويسي صاحب كتاب اليمن الكبرى تاريخ وجغرافيا قال: ( اليمن هي الواقعة يمين الكعبة ) وقد سبقه إلى هذا القول المسعودي صاحب كتاب (مروج الذهب) وقد ادخل المسعودي قبيلة طي التي ينتمي إليها حاتم الطائي الموجودة بغرب نجد في اليمن على أساس تناوله للكلمة كاتجاه ، قال الشرقي في كتاب معجم البلدان : إنما سُميت يمناً لتيمنهم إليها ومن اهم المعاجم التي تناولت الكلمة بهذا المعنى ( الاتجاه ) مُعجم (لسان العرب واحد) . ما هو الدّليل ان اليمن في القديم عبارة عن اتجاه أرض فقط وليس هوية ؟ قال تعالى : (( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ )) سورة سبأ الآية ??. وقال عزّ من قائل : ((وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )) سورة الأحقاف الآية ?? . هنا في هذين الآيتين الكريمتين لم نرى ذكراً للفظ اليمن وانما ذكر القران الكريم الهويتان والكيانان السياسيان المعروفان آنذاك وهما سبأ والاحقاف وترك الاتجاه . حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه الذي رواه الأمام أحمد وغيره والذي فيه أن رجل من كندة ورجل من حضرموت اختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن ....الى آخر الحديث فالشاهد من هذا الحديث أن المُتخاصمين أحدهما كندي الهوية والآخر حضرمي الهوية لأن حضرموت وكندة هويتان مختلفة على الرغم من أنهما من أرض واحدة يُقال لها اليمن وهذا يدل على ان اليمن آنذاك اتجاه ارض فقط وليست هوية ولو كانت هوية لقال رجلين من اليمن . جميع الدول والممالك التي قامت في هذه الرقعة الجغرافية في ذلك الوقت مثل أوسان ؛ قتبان؛ سبأ؛ حضرموت؛ حمير، سُميت بأسماء مناطقها وذلك لعدم وجود أسم اليمن كهوية سياسية في ذلك الوقت . جميع المستشرقين الأوربيين الذين زاروا المنطقة وكتبوا عنها لم يصفوها باليمن بل وصفوها (بالعربية السعيدة) . جميع كتب التاريخ التي تناولت هذه الرقعة الجغرافية في تلك الحقبة التاريخية لم تورد فيها لفظة اليمن وانما ورد لفظ العربية السعيدة ومن هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام لجواد العلي الجزء الأول . متى أصبح أسم اليمن هوية وكيان بدل من كونه أتجاه ارض يقع يمين الكعبة ؟ (( متى أُستبدل المفهوم القديم بالمفهوم الحديث )) إن لفظ اليمن كهوية سياسية وجغرافية بدلاً من كونه اتجاه جاء حديثاً وبالتحديد في عامي 1918م عند قيام المملكة المتوكلية اليمنية التي استمرت حتى عام1962م ، ثم استبدلت باسم الجمهورية العربية اليمنية ، وفي عام 1967م عند قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية باندماج ما هو معروف الان بالجنوب العربي ودولة حضرموت معاً ، أما ما قبل هذين التاريخين فكان المقصود باليمن الجهة فقط ( المفهوم القديم ) . هل حضرموت من اليمن ؟ الجواب : - نعم من اليمن ولكن بالمفهوم القديم فقط . من قال بذلك من أهل العلم والتاريخ ؟ الحافظ ابن حجر في فتح الباري 156/1 والأمام السيوطي في شرح السيوطي على مسلم (1/ 154) ومن المفسرين مقاتل بن سليمان في تفسيره صفحة 23 مجاهد في الذر المنثور 449/6 التابعي دعامة بن قتادة السدوسي كما عند الطبري الإمام ابن الجوزي في المنتظم 4/ 241 ابن خلدون في تاريخه 119/4 خليفة بن خياط في تاريخ خليفة بن خياط ص 97 ومن علماء السير محمد بن إسحاق المطلبي كما عند الطبري وابن أبي حاتم ومن الفقهاء الأمام الشافعي وأبا يوسف القاضي كما جاء عند البيهقي . كل هؤلاء الاعلام وغيرهم كثير قالوا ان حضرموت بلدة من اليمن ، طبعاً بالمفهوم القديم وذلك لان اليمن بالمفهوم الحديث لم يكن موجود في زمانهم!!! كما أن لفظة بلدة التي يستدل بها البعض على الصّغر والتّبعيّة كانت في الزمن السابق تعني ما لا تعنيه اللفظة في الزمن اللاحق ! فعلى سبيل المثال حضارة سبأ بأكملها كان يُطلق عليها لفظ بلدة كما قال الله تعالى في كتابه : ( بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور ) . ما هو الدليل ان حضرموت كحضارة ليس لها علاقة باليمن بمفهومه الحديث ؟ كل المؤشرات التاريخية تشير الى انحصار تسمية لفظ اليمن في ما يسمى باليمن الشمالي فقط إن جاز التعبير أظف الى ذلك حداثة التسمية ، والنقاط التالية ربما توضح لحضراتكم بعضاً من الأمور : حديث ( أتاكم اهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة ، الايمان يمان والحكمة يمانية ) قول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا كان في وفد اليمن وتحدياً وفد نجران كما في طبقات الكبرى لابن سعد (1/357) ومفهوم التسمية لدى الرسول صلى الله عليه وسلم مفهوم عام ( مفهوم اليمن القديم ) ، لعدم وجود المفهوم الحديث في زمانه صلى الله عليه وسلم فكل ما يقع يمين الكعبة فهو يمن ؛ وعلى الرغم من وجود الفرس في اليمن الا ان حكمهم أقتصر على صنعاء وما حولها فقط ، بينما بقية الاجزاء تتقاسمها القبائل وهذا الأمر دعا هذه القبائل الى ارسال وفود عنها الى الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان من تلك الوفود وفد حضرموت بقيادة الصحابي الجليل وائل بن حجر الكندي الذي بسط الرسول صلى الله عليه وسلم له رداءة وأجلسه معه فقال عليه الصلاة والسلام كما جاء في الطبقات الكبرى للزهري 349/1 وهنا الشاهد من الحديث ( ايها الناس هذا وائل بن حجر سيد الاقيال ، أتاكم من أرض بعيدة (يعني حضرموت) راغبا في الاسلام ) . وهنا في هذا الحديث لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ اليمن كما ذكرها في الحديث السابق وانما ذكر لفظ ارض بعيدة مما يدل على انحصار هذه التسمية على شمال اليمن فقط . حديث البخاري (( والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)) رواه البخاري . فهذا الحديث يدل على تمام أمر الإسلام في المستقبل وأمن الناس من عدوان بعضهم على بعض كما كان ذلك في الجاهلية . قال الحافظ في الفتح : - (( يحتمل أن تكون صنعاءاليمن ويحتمل أن تكون صنعاء الشام)) . وقال ياقوت الحموي : ((هي قرية على باب دمشق عند باب الفراديس تتصل بالعُقيبة وسُميت باسم من نزلها من أهل صنعاءاليمن)) . سواء كان المقصود بها صنعاءاليمن أو صنعاء الشام فكلاهما هويتان مستقلة تماماً عن حضرموت ، وذكرُ النبي صلى الله عليه وسلم للمنطقتين بهوياتهم وتركه لذكر أسم الجهة (اليمن) يدل على الانفصال والمغايرة وتعبيراً عن بعد المسافة بينهما. الغزو الحبشي لليمن : لم يحتل الاحباش كل أجزاء اليمن بل تركز تمركزهم في المناطق الشمالية فقط واتخاذهم من صنعاء عاصمة لهم يشير الى ان مسمى اليمن ينحصر في الشمال فقط. غزو الفرس لليمن : سيطر الفرس على اليمن بعد أن جاء بهم ملك اليمن آنذاك سيف بن ذي يزن الى بلاده كي يُخلصوه من حكم الأحباش . أما حضرموت فلم تكن تحت إمرة الفرس ولا الأحباش مما يدلنا انها كانت حضارة مستقلة بذاتها لا تربطها أي صلة بغيرها من الحضارات التي سكنت جنوب الجزيرة العربية سوى رقعة الأرض الممتدة يمين الكعبة الاحتلال العثماني لليمن: سيطر الأتراك العثمانيون على اليمن في التاريخ مرتين، ولم توطئ أقدامهم أرض حضرموت البتّة .. ! ومع ذلك ورد الاحتلال العثماني لليمن في كتب التاريخ تحت مسمى الاحتلال العثماني لليمن.. ! وهذا يدل على ان مسمى اليمن يُختصر في الشمال فقط، ولو كان الأمر بخلاف ذلك لقالوا شمال اليمن بدلا من اليمن . مُنذ أن أحتل الانجليز مدينة عدن عام 1839م وحتى الاستقلال كانت تُعرف عدن بمستعمرة عدن وبقية السلطنات والمشيخات كانت تُعرف بالمحميات الغربية والشرقية ولم يرد أي ذكر للفظ اليمن في التعاملات الرسمية، وبعد ذلك عملت بريطانيا على اتحاد السلطنات والمشيخات تحت مسمى ( الجنوب العربي ) فلا وجود للفظ اليمن في الجنوب كله آنذاك فضلاً عن وجود اللفظ في حضرموت !!!! عندما تم ترسيم الحدود بين بريطانيا والاتراك عام 1914م لم يتم ترسيم هذه الحدود سياسياً على انها بين شمال اليمنوجنوبه !!! عندما طالب الإمام في شمال اليمن بتسليمه المحميات الثمان من بريطانيا لم يذكر حضرموت منها بل ولم يشر اليها حتى !!!! لشعوره انها ليست من الأرض المُنتمية له وصف أبناء حضرموت لأبناء اليمن : الى ما قبل الوحدة اليمنية كان يصف أبناء حضرموت أي شخص ينتمي للشمال (باليمني) إشارة الى الجمهورية العربية اليمنية، وهذا التسمية متعارف عليها ويتم اطلاقها عن طيب نية كتعريف بالانتماء ليس الا . هل حضرموت داخلة في أفضال أهل اليمن المذكورة في الأحاديث الصحيحة ؟ الجواب : - نعم حضرموت داخلة في أفضال أهل اليمن المذكورة في الأحاديث الصحيحة وذلك لان لفظ اليمن المذكور في الاحاديث كان المقصود به المفهوم القديم لليمن وهو الاتجاه وليس المفهوم الحديث وهو الهوية . من قال من أهل العلم ان لفظ اليمن في الأحاديث كان المقصود به المفهوم القديم ؟ قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث الايمان يمان والحكمة يمانية : (( قيل معناه نسبة الإيمان الى مكة لأن مبدأه منها ومكة يمانية بالنسبة للمدينة، وقيل نسبة الإيمان الى مكة والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام، بناءً على ان هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ بتبوك ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر عند مسلم (( والإيمان في أهل الحجاز )) . قال ابي عبيد قاسم بن سلّام في غريب الحديث : (( إنما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأن مكة منها وُلد نور الإيمان ومكة من بطون تهامة وتهامة يمنية )). فكيف يكون المقصود باليمن الهوية وهي لم توجد آنذاك بعد !!!