رأيتُ شيئاً اليوم جعلني أفكر في الكيفية التي استحال بها المجتمع النسوي في عدن إلى ماهو عليه ، أعني "بما هو عليه "، أنك إن مشيت في شوارع عدن هذه الأيام فستصطدم ذائقتك بأحد خيارين لا ثالث لهما إلا قليل ، مجموعة من الطرابيل السوداء تتحرك بعزوف القانع من الحياة ، و مجموعة أخرى تضاهيها من فتيات الشمع ، اللواتي تحورن بطريقة ما إلى أنصاف أرواح و هضاب ملطخة بالكثير من الألوان ، قبل قليل ظهرت أمامي صورة لفتاة عادية، كجميعنا ، وضعها صاحب/ة حساب فيسبوكي يحمل اسم الفتاة في مجموعة ما في الفيسبوك ، كانت تشكرهم على الإضافة مذيلة بالصورة ، كان اسم المجموعة شباب و بنات عدن ، كما أظن ، استحالت المجموعة إلى حلبة مصارعة بعدها ، بعيداً عن كون الحساب مزيف أصلاً ، و التصرف غريب ، إلا أن ما أثار جنوني و أنا أقرأ التعليقات هذا الفكر المغلوط المشوة عن العدنيات ، يأتي الشماليون للمعايرة من كل حدب و صوب و القدح في أخلاق بنات عدن كمسلمة تاريخية ، و يقوم الجنوبيون بالتبري من الصورة و صاحبتها و تسقط عنها جنوبيتها - إن كانت - لأجل فكرة وضع صورة ، لم تكن تخل بالأدب العام في شيء ،
هكذا تخلخلت قناعاتنا تجاه وضع النساء في عدن عموماً و قد قفز قبل الآن أشواطاً للأمام ، دفاعاً عن أعراض لم تكن تستحق الدفاع لأن لا شيء يشوبها ، كانت تهمتنا الانفتاح الذي انبرينا ندفعه بالكثير من التزمت ، بالجهل ، بفتيات يتزوجن قاصرات ، بنساء منعن التعليم ، بالكثير و الكثير من المفاهيم المجتمعية الدخيلة ، بهذا التضخم الفج لفكرة العيب و الممنوع و غير اللائق ، بينما انقلب الوضع الآن في الشمال لحد لا يمكن تصوره ، و بشكل إيجابي فعلاً ،
دعونا نعود لصورة صديقتنا و قد ذهبت بعض التعليقات للتنمر على هيئتها و لونها و طبيعتها ، كتكريس بائس للشكل الذي ينبغي أن تكون عليه الجميلة في نظر مجتمع مأزوم ، يعاني من عقدة البياض و العيون الملونة و النمطية في التصنيف ، ترى يانعات عدن هذه الأيام و قد تحولت الكريمات و المقشرات و المبيضات و أدوات التجميل إلى هاجسهن الأثير ، تمتلئ أسواق عدن بها وفق قوة شرائية كان بإمكانها تغطية نفقات العلاج من فقر الدم ، الشائع أيضاً، و جداً هناك ، أو ربما كان بإمكانها أن تبني مكتبة أو تجدد سينما ، تفتقر لأحدهما هذه المدينة الكون ،
كنا نبتسم في وجوه بعضنا في عدن و تنبادل أطراف الأحاديث في أي المواقف ،و نشعر بليونة الحياة و بأريحية طبائعنا المرحة البسيطة ، أما الآن تمشي الفتيات و قد تسمّرت أجسادهن بطريقة غريبة و تضخمت رؤسهن على نحو مثير للعجب ، يرافقهن الموبايل بأشيائه المتدلية الكثيرة على طول الخط ، لم تكن إحداهن قد قرأت كتاباً في حياتها قبل أن تفكر في تجليس " محمد" ابن الحافة الثانية ، الذي امتلأ فمه بالشمة و رأسه بالدايزبام هو الآخر ،
كتبت كثيراً عن هذه الفكرة ، إذ أني لا أفهم الثورة منفصلة على تنبّض الشارع و معاناته ، المعاناة الآنية مقدمة على كل شيء ، يا فرحتي بمليونيات و شباب غارق في الأمية و المخدرات ، يا سعادتي بندوات و مؤتمرات و بيانات و مدارسنا غارقة في التجهيل و الظلامية ، يا انتشائي بالتيارات و التنظيمات و المستشفيات خالية إلاّ من أسباب الموت ، الثورة و التغيير يبدآن من القريب المتاح نحو البعيد المأمول و ليس العكس ، هكذا يا صديقتي نجاة يا من عتبت علي حديثي عن وضع الطب البائس و اردتني أن أتحدث عن الحراك ، ما الحراك إن لم يكن لأجل حياتي و حياتك ، ها ؟
عدن تتهاوى من الداخل تتصدع بشكل مخيف ، ليس بفعل " الاحتلال الغاشم " كما تحب أن تسميه عدن لايف ، و لكن بفعل ضعف مناعتنا كمجتمع للأفكار الدخيلة و الظواهر القاتلة و الاستلاب الممنهج ، تلك التي تعصف بشبابنا و حياتنا ، ليس أبسطها المخدرات و لا آخرها الشذوذ و لا أوسطها معاناتنا المجملة أفراداً و جماعات ، ينتظر ثوار الجنوب الأشاوس التحرير و الاستقلال قبل أن يفتحوا أعينهم على كوارث الإنسان ، ننتظر الحجر و نضحي بالبشر ، نقتسم الكعكة قبل أن نزرع القمح ، ننظم المليونيات و نستمر في التصدع !