أول ما نبدأ به خطابنا هو أن نذكرهم بما هو تحت أنوفهم من الضيق والضنك والعنت الذي ظلت ترزح تحت نيره الجنوب منذ العام 1994م عام دستور الزعيم الأوحد و الشيخ المفتي والذي اعتمدته السدنة وجاء فيه نص القتل والاستباحة تماماً وطبقاً لما برهنته غزوة94م من انتهاك وفيد وهل هناك ضنك أكبر من الاضطرار إلى اتفاقية الوحدة ؟. وهل هناك عنت وضنك وضيق أكبر من أن تعيش الناس أو يتعايشوا ولو للحظات مع احتمال أن يتواثب الطغاة على كرسي الشرعنة ؟ وهل هناك عنت وضيق وضنك أكبر من غلاء الأسعار الذي هو الوليد الشرعي للجبايات الحرام واختلاس المال العام كما جاء في تقارير سابقة ؟.
وهل هناك عنت وضيق وضنك أكبر من الاضطرار إلى قبول اتفاق منقوص وأن الجيل الجديد هوالمضطر هذه المرة إلى تجربة لحس الكوع؟! كان أحلى هتاف تضج به حناجر الشباب: هي الحماس الثوري الحقيقي الذي كان يصعق حرارة الجو في ذروة انفجارة فمن يجرؤ اليوم على ترديده على ملأ؟!.
هل هناك أحد يستحيي من الشعار؟ لا بل كلنا نستحيي من أننا أفرغناه من محتواه!! ولكن على أي حال فإن الاستحياء درجة من درجات الإحسان ودرجة من درجات الإيمان.. فلماذا لا تتدرج الدماء الزكية على سلم الإيمان.. درجة درجة..
لماذا لا تحاول القيمة النضالية أن تتذوق حلاوة الأنتصار والتوبة من الهذيان المبكر.. أعلنوها يا أهل البذخ .. أعلنوها كما أعلنها الكثير في بلدان عدة أجزل الله لهم خير الثواب.. قدموا شعب قرباناً لرؤيا رؤوها في ظلام حرب أشعلوها ظلم .
اكثر من عقدين يعجز فيه القلم عن حصر البلايا والرزايا التي أصابت الجنوب والجنوبيين في مقتل بعد الحرب الطاحنة التي تعرض لها شعب الجنوب ودولته بكل مقدراتها وبنيتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية وشهدت الكواليس كراً وفراً، علواً وهبوطاً، إلى أن جاء السيناريو الذي مضى بالوارثين إلى غياهب الجب.
بيد أن الأمر لم يكن بذات السهولة التي كتبنا بها هذه الأسطر، إذ ينبغي علينا الوقوف عند حيثيات بعينها، وهي تتطلب منَّا قليلاً من الصبر حتى يتسنى لنا متابعة وقائع تكشف أسرار مرحلية لها انعكاساتها على الواقع الجنوبي المثخن بالجراح من جهة والمهيأ لوقائع كارثة مقبلة من جهة أخرى.
فهل يجوز لمن تلطخت أياديه بدماء الأبرياء وولغ في الفساد حتى لم يبق من جسده شبراً طاهراً، أن يطوي تلك الصفحة كما يطوي كتاب فرغ من قراءته؟ ذلك سؤال أجاب عليه تاريخ البشرية بصورة عامة وتاريخ العقديين بصفة خاصة، إذ لم تختلف جماعة منهم دون أن تنقسم، ولم تنقسم إلا بعد أن رفعت المصاحف على أسنة السيوف، ولم تطو المصاحف وترجع السيوف لأغمادها إلا بعد أن أراقت على جانبيها الدماء. وتعلمون إن هذا ما قاله بوضوح التاريخ - الذي تحاول الجماعة تملق سننه وفرائضه والإيحاء بأنهم حملة رايته - منذ أن صارت دولة الخلافة ملكاً عضوداً، قتلاً وسحلاً وتنكيلاً، وممارسات أخرى تصدعت لها ردهات قصور بني أمية، وضجت بها أركان دولة العباسيين، وتسودت جراءها قلوب آيات الله الجدد. وللذين يهربون مما ندعو في الفصل بين الدين والسياسة ويستعصمون بالثيوقراطية البغيضة ملاذاً،
نقول إن تاريخنا الماثل خير مثال، إذ أُريقت فيه الدماء قولاً وفعلاً، وتبعتها إراقة قيم ومثل وأخلاق.. فيا دعاة الدولة المدنية ، ما أكثر الشواهد حين تعدها ولكن الذاكرين قليل!