لا نعلم ما الذي يدور في الاجتماعات المغلقة للقيادة المؤقتة للمؤتمر الجنوبي الاول في القاهرة ؛ ولكنه من الجلي انهم ادركوا فجأةً بان العمل الحقيقي يجب ان يكون من الداخل افضل من الخارج ، لا اعرف هل هم فعلاً مقتنعين بأن مؤتمرين في الخارج بالإضافة الى اجتماعات كثيرة جداً لم تكن كافية لان يدركوا ذلك ... ام لزمهم ان يتم مؤتمر الحوار اليمني الذي تشكلت له لجنة تحضيرية قدمت الى القاهرة كي تطلب منهم الانضمام للمؤتمر لكنهم اشترطوا جملة من المطالب للقبول بالدخول في مؤتمر الحوار ، والذي باعتقادي كان اكرم لهم الانضمام افضل من عودتهم مرغمين لتنفيذ مخرجاته.
كما اسلفت لن نستطيع ان نجزم بما يدور في الاجتماعات الخاصة ( مآدب الغداء كما يطيب لبعضهم ان يطلق عليها ) ، ولكن دعونا نتحدث عن الاحتمالات وهذا حق مشروع ؛ لن يستطيعوا ان ينكروا ان هناك خلاف فيما بينهم .
ففي اعتقادي ان هناك احتمالين :
الاول ان بعض قيادات المؤتمر الجنوبي الاول تريد ان تعود ، لديها اسبابها وربما وعود ، اما اذا قالوا ضمانات ففي " المشمش ".
المشكلة التي استدعت الخلاف هي انهم يريدون ان يعودوا كقيادات لكيان المؤتمر الجنوبي الاول وباسمه ، بالرغم من انها تجاهلت المؤتمر الجنوبي وقياداته ، وتعاملت به كورقة ضغط فقط تريد ان تقنع باقي الاعضاء بأنه للصالح العام ولتحقيق مصالح الكل ، والقيادات الاخرى المتحفظة على مسألة العودة , باتت تجزم بان لن تحقق مطالب الكل , وان المسألة ليست متعلقة بتنفيذ مخرجات الحوار , وإنما بدولة وهوية ومطلب شعبي ، فالقيادة التي تريد العودة لا تريد التعامل مع المؤتمر الجنوبي الاول ككيان سياسي ، فهناك وثيقة ، تنفيذ بنودها شرط اساسي للدخول في الحوار ، اوضحوا لمن سلموها لهم بأنها ليست قابلة لتطبيق جزء منها وترك الآخر , حيث انهم وصفوها بشكل صريح بأنها " إجراءات الحد الأدنى " ، فكانت ايضاً ردودهم واضحة للجنة برئاسة عبد الكريم الارياني وبعض اعضاءها د/ ياسين سعيد نعمان والانسي ؛ فالتحالف مع د/ ياسين في تلك الفترة قبل الحوار ، كان سيقوي من موقف مؤتمر القاهرة الجنوبي والجنوبيين الذين دخلوا في الحوار برغم قلتهم وتمثيلهم لأنفسهم ، ولن يُترك ظهر الدكتور ياسين مكشوف بتلك الطريقة ، فقد خاض معركة ضروس في سبيل قضية هو مؤمن بها ، يحترم لذلك حتى ان لم نكن نؤمن بما يراه الافضل ويؤمن به ، ومع ذلك يجب ان نقر له بالصلابة والشجاعة.
الدكتور ياسين قد صرح بان خروجه من اليمن , لدواعي صحية لا جدال في ذلك , بل ندعو الله له بالصحة والعافية وطول العمر , لكن في اعتقادي ان هناك سبب آخر , وهو انه لا يريد ان يكون مشاركاً في الجريمة التاريخية التي تحدث في اليمن .
فما يقال عنه تنفيذ مخرجات الحوار , هو مغالطة تاريخية , فما ينفذ الان ليس ما اتفقت عليه القوى السياسية المشاركة في الحوار , ولا مخرجاته , فجاء رد الدكتور ياسين صريحاً لمن يريد ان يقرأه بشكل صحيح .
فكيف يعقل ان من يريد من القيادات الجنوبية في الخارج وبالتحديد بعض قيادات مؤتمر القاهرة , ان تعود لتنفيذ مخرجات حوار , قد تم اتخاذ قرار من قبل النظام في صنعاء , بأنها لن تنفذ إلا ما يحلو لها ويوافق مصالحها .
اذاً قرارات وفق مبادرة اقليمية وبرعاية ودعم دوليين , لم تستطع كل تلك الدول ان تلزم النظام في صنعاء او حتى تلزم القوى السياسي المشاركة في الحوار , بتنفيذ تلك القرارات الذائعة الصيت ؛ فنريد ان نعرف كيف سيتأتى لتلك القيادات الذائعة الصيت ايضاً من إلزام النظام والقوى السياسية في صنعاء وإجبارهم بتنفيذ تلك المخرجات الغير متفق عليها , او حتى المساهمه في تنفيذ شيء غير موجود على ارض الواقع .. " احرث في بحر " .
الاحتمال الثاني : ان القيادات التي لا توافق على العودة ، تطلب من القيادات التي تريد ان تعود ، بأنهم احرار ، اذا ارادوا العودة فليعودوا ، ولكن كممثلين عن انفسهم ، وقد يكون لديهم معلومة بأن هادي طلب ممن طلب ان يعودوا ، بأن يعودوا دون اية شروط ، فبالتالي هذه محاولة للحفاظ على ماء وجههم ، أي عودتهم كممثلين للمؤتمر الجنوبي الاول المنعقد في القاهرة ؛ ومع ذلك فان حديثهم عن ضمانات يريدون ان يقنعوا الآخرين بها بينما هم انفسهم غير مقتنعين ، فاعتقد ان رد الذين لا يريدون العوده ، ان هادي لا يستطيع ان يوفي بضمانته ، وهذا قد اثبته طوال توليه سدة الحكم ، حتى جمال بن عمر يواجه مواقف مستحيلة ، في ضبط القوى السياسية والقبلية والإخوانية في الشمال.
عشرون عاماً في الغربة .. لماذا ؟!!!
عشرون عاماً خارج وطنكم .. لماذا ؟!!!
اي قضية تناضلون عنها واي مواقف تتمسكون بها ؟!!!
هل وطنكم ام شخوصكم ، كانت العائق امامكم للعودة ؟!!!
هل تريدون ان تقنعوننا بان الوضع في اليمن قد تغير !!!
الذكي والغبي ، الكبير والصغير ، المثقفون والجهلة ، السياسيون والعوام من الناس يدركون بأن الوضع في اليمن لم يتغير بل انه يوماً بعد يوم ينجر الى الاسوأ وتضمحل معه سلطة الدولة ؛ لازالت القوى تتصارع فيما بينها البين لتحقيق مكاسب سياسية ومادية , والقتل يتصدر الساحة في اليمن وعناوين الاخبار ، ويجتمعون ويتفقون ويتآخون على ذبح الانسان الجنوبي ونهب ثرواته واستباحت ارضه.
في كل يوم في الجنوب وحتى في الشمال يتم اغتيال وقتل ابناء الجنوب , الكادر منهم والمواطن البسيط , الكهل والطفل والرجل والمرأة , بنادقهم وعنجهيتهم وأطماعهم عمياء , فلا تفرق بينهم , وتميز فقط بأنهم جنوبيين وهذا – بالنسبة لهم – كافي ؛ ان تلك الاغتيالات ما هي الا اغتيالات سياسية , بل انهم طوروها لتصبح اغتيالات سياسية جماعية , كما حدث في عزاء مقام في مدرسة بالضالع لأحد الشهداء , حيث قام ضبعان بإصدار اوامره بإطلاق قذائف الدبابات على الذين حضروا لتقديم واجب العزاء كما حثنا ديننا الاسلامي الحنيف .
لا اعلم كيف ان تلكم القيادات نست او تناست ذلك القسم الذي اقسموه في القاعة التي عقد فيها اللقاء التشاوري بالقاهرة مايو 2011 م ، قسماً اهتزت له القاعة ، بالتمسك بالقضية الجنوبية والنضال في سبيل الدفاع عنها حتى تحقيق كامل اهدافها.
ان اهداف القضية الجنوبية لم يضعوها هم او يبتدعوها ، بل ان شعب الجنوب هو من حددها وكتبها بدماء شهدائه ؛ فليس لهم الحق بالتلاعب بها او بالتذاكي بأنهم سيحققونها ، بأساليب عبقرية ودهاء سياسي.
اذ انهم - وهذه معلومات عامة - لم يستطيعوا تفادي الوقوع في شرك الانفرادية ؛ اذ ان بعض اعضاء القيادة السياسية لمؤتمر القاهرة ، التقت بالرئيس عبد ربه منصور هادي ، وبعض رموز نظام ألشمال دون الرجوع الى القيادات السياسية الاخرى ، والذي من المفترض في مثل هذه الظروف ، ان تجتمع القيادة السياسية لمؤتمر القاهرة بحضور رئيسه ، لتحديد ما يتم نقاشه مع الرئيس هادي او اي جهة او فرد يمثله.
ولا يفوتنا الاشارة الى نقطة مهمة وهي ان بعض القيادات في المؤتمر الجنوبي الاول ، لم يكلفوا بعقد اتفاقات مع هادي ، ودون الرجوع لقيادات المجلس التنسيقي وهيئته التنفيذية.
الغريب الكارثي ان هناك اجتماعات تعقد للقيادة من دون ان يدعوا لها رئيس المؤتمر ، وفي بعضها لا يكون له علم بها او حضور !!!.
مع كل ذلك لا اعتقد ان المشكلة فيهم , فهم احرار بالعودة ولا ينتقص ذلك من وطنيتهم , فالمشكلة بالحرج السياسي الذي سيسببونه لقيادات الخارج او بالأصح خلق صورة جديدة لقيادات الخارج والتي طالما حاول الكثيرين وصمهم بها واشتغل عليها علي عبد الله صالح ونظامه ومؤسسته الاعلامية لإظهار قيادات الخارج – وهم منها – انها لم تخرج من الوطن وتعيش في بلدان الشتات , إلا لسبب واحد وهو انهم فقدوا مناصبهم ( راجعوا خطابات علي صالح ) ؛ وعندما توهب لهم المناصب مرة اخرى وأيضاً المشاركة في العملية السياسية مع نظام الشمال و الذي طالما رددوا واصفينه بالنظام المحتل لوطنهم الجنوب , فبذلك حققوا ما عجز عنه علي عبد الله صالح ومؤسسته الاعلامية ومخبريه بخلق تلك الصورة لدى المواطن الجنوبي , في الوقت الذي هناك استياء في الداخل من قيادات الخارج , وشعب الجنوب لا يستحق نكسات كهذه .. اعلو ذواتهم فوق المصلحة الوطنية .
ما هكذا تُلعب السياسة يا ايتها القيادة السياسية المُجرِبة والمُجربة , ولكن هكذا تُسلب الاوطان وتوهب للأعداء باسم الوطنية . فكان الاجدى والأجدر بكم ان تبذلوا كل جُهدكم لرأب الصدع الجنوبي والتوفيق بين مكوناته وتوحيدهم , والاصطفاف معهم , لان معركتكم ومعركتهم واحدة , ووطنكم واحد , يتسع للجميع .
لن ننكر عليكم بأنكم حاولتم وبذلت جهود في سبيل ذلك , لكن من الطبيعي ان تواجهوا تلك الصعاب التي واجهتموها , ولن نكذب عليكم فستواجهون ايضاً صعاباً وتحديات كتلك وقد تكون اشد , ولكن لا يجب ان يكون ذلك مدعاة لليأس والقنوط او سبب ليدفعكم بطريق آخر , تصوراً منكم بأنه اجدى ومفروش بالورود .
لن يستطيع احد ان يسلبهم حق العودة الى وطنهم , ولن يستطيع احد ان يجبرهم على ذلك , ولن يستطيع احد ايضاً ان ينكر دوافعهم الوطنية ؛ ولكنهم يعلمون جيداً ان الجنوب والجنوبيين في حرب ظالمة وشعوا فرضت عليهم وشُنت من قبل النظام والقوى السياسية والقبلية في الشمال , وسخروا لذلك كل امكاناتهم العسكرية والمالية والجماعات الارهابية .
الان ما على قياداتنا الجنوبية التي تفكر بالعودة , إلا ان تختار اي جبهة تريد ان تقاتل فيها , وأي حلفاء يريدون ان يتحالفوا معهم لتحقيق اهدافهم ؛ وهم يعلمون جيداً ان في كل جبهة قد يختاروها , توجد تحديات جسام , وأي طريق يفكرون المُضيّ فيه لتحقيق اهدافهم محفوف بالمخاطر ؛ فهل يريدون ان يواجهوا كل ذلك , وهم جنباً الى جنب والكتف ملتصق بالكتف مع اخوانهم في الجنوب ام يريدون ان يخوضوا معركتهم لوحدهم ؟!
تلك الاسئلة هم المعنيين بإجابتها وليس شعب الجنوب , ولكني اكاد اجزم ان شعب الجنوب يتمنا لهم كل الخير , ويخشون عليهم .
اعود واكرر , لا اقول بأن تلك القيادات قد قررت العودة وحسمت امرها , فلم تصدر بيان بذلك , ولكن المسألة قد أُثيرت كثيراً وطرحت للنقاش من كثيرين , وما هذا إلا مجرد احتمالات , أُبدي فيها رأيي , وهذا من حقوقي مثلما من حقهم اتخاذ ما يناسبهم من قرارات ؛ ولكن كونهم شخصيات عامة , تصرفاتهم وتصريحاتهم ومواقفهم او حتى توقعات ردود افعالهم وقراراتهم , فمن حق المواطنين امثالي ابداء رأيهم , خاصةً اذا كان سيؤثر ذلك على القضايا المتعلقة بالشأن العام ؛ التأني والتحفظ في ابداء الرأي في مثل هذه القضايا من شيم السياسيين , وليست من شيم المواطنين البسطاء من ابناء شعبكم الذين سلبتموهم في يومٍ ما قرارهم وإرادتهم ؛ جربوا اسلوب جديد في التعامل معهم , فعل وعسى هذه هي الحلقة المفقودة التي تمكنكم من سد الفجوة بينكم وبين أبناء شعبكم , فكما نصحكم احد السياسيين امثالكم ( ان شعب الجنوب لم يعد ذلك الشعب الذي عهدتموه قبل عشرون سنة ) , واعتقد انه قال سنة ولم يقل عام , لأنها فعلاً سنوات عجاف عانى فيها شعب الجنوب كل اصناف العذاب والقهر .
ان نظام الشمال لا يريد عودتكم كونه يراكم من نسيجه الاجتماعي في الشمال , وإنما كونه يراكم من النسيج الاجتماعي للجنوب , ومن قياداته , فما نخشاه ان يتخذكم " كحصان طروادة " .
فإيجاد القيادات الجنوبية في الخارج , ضمن القيادة السياسية في اليمن كونهم قادة جنوبيين , ووجودهم في السلطة والحكومة , اعتقد اني استطيع ان اعتبرها احد الخطوات لتمهيد تنفيذ الفصل السابع عملياً , واحدى الوسائل لأضعاف موقف الحراك الجنوبي السلمي - الحامل السياسي للقضية الجنوبية - اقليمياً ودولياً .
فتخيلوا وجود قيادة جنوبية سياسية بثقلهم , تشارك بتنفيذ ما يسمى مخرجات الحوار , وتشارك في العملية السياسية وتشارك في الحكومة والسلطة , بينما هناك قيادة جنوبية في الجنوب , غير موحدة , وبدون برنامج سياسي واضح , ومشروع لبناء دولة جنوبية حديثة , يتمكن الجنوبيين به من اقناع المجتمعين الدولي والإقليمي , بقدرتهم على حفظ الامن والاستقرار في الدولة المنشودة .
ان وجود ذلك المشروع في مخيلة ابناء الجنوب , وذكرياتهم عن دولتهم السابقة - مع احترامي للجميع - فان ذلك ليس مشروع , وذلك افصح دليل على ان الجنوبيين غير قادرين على بناء دولة لهم وذلك غير صحيح ؛ فبالتالي عليهم وضع ذلك المشروع الذي لابد ان يعكف عليه , خيرة ابناء الجنوب ذوو الخبرات والمؤهلين والمجربين , فلدينا كادر بنا وأدار مؤسسات دولة , ولديهم خبرات في العمل اكثر من 30 وأكثر من 40 عام في مجالات تخصصاتهم .