تنويه ؛ قرأت مقال الدكتور محمد شمسان الذي عقَّب فيه على مقالي السابق ، وقد كتبت تعليقي عليه . . . وكنت سأرسله للنشر لوكان بالإمكان تأجيل نشر هذا المقال ، لكنَّه لا يُؤجل لأنَّه مخصص للعنة 22 مايو ، والإنصاف يستوجب أن يكون مقال 22 مايو بعد مقال 21 مايو . انتهى التنويه ، وننتقل إلى مقال اليوم ؛
كل ثورات الشعوب عبر التاريخ لا تنطلق لأنَّ نخبة معينة أرادت الوصول إلى السلطة فحركت الجماهير لإسقاط السلطة القائمة . . . هذا لايحدث . . . لابد من ارتكاب السلطة الحاكمة خطأ أو أخطاء ؛ قد لايرتقي حجم الخطأ إلى مستوى إثارة الشعب للقيام بثورة ، ولكن وجود مجموعة سياسية تهدف إلى اسقاط النظام تستطيع صناعة ثورة في هذه اللحظة . فهل حدث هذا في الجنوب...؟ قطعاً لا ؛ هذا لم يحدث ؛ بل إنَّ عدد أخطاء نظام صنعاء لايمكن حصرها ولايمكن تحديد مدى أضرارها . . . وعندما بدأ الهياج الشعبي ، وبدأت تلوح في الأفق علامات الثورة ، ظهر علينا لعنة القدر -الحزب الاشتراكي- وبدأ في تسميم ذاكرة الشعب الجمعية . وقام بتحديد أخطاء سلطة صنعاء بفصل مئات الآلاف من أعمالهم ، ونهب ممتلكات الدولة الجنوبية والحزب . . . وهذا في رأيي جزء من الأعمال الخفية التي عناها الدكتور ياسين نعمان ، عندما قال (انضم الحزب الاشتراكي إلى الحراك الجنوبي من أجل حماية الوحدة) وقد حماها حتى الآن .
وفي رأيي أنَّ هذه الأخطاء يمكن علاجها في إطار دولة الوحدة ، لأنَّها عبارة عن ممارسات يمكن نسبها إلى شخص الحاكم ومجموعة من رموز السلطة فقط . . . كما أنَّها لاتعتبر مؤامرة لأنَّها ظاهرة للعيان ، الجميع يستطيع ملاحظتها ؛ كما أن الشعب يستطيع استعادة الكثير منها ، ويستطيع تعويض مافقده . وهي ليست عمود الدولة الجنوبية . هي عمود قوة السيطرة على السلطة ، ولذلك كانت هدف الحزب ، فبها يستطيع العودة إلى السلطة . أمَّا عمود الدولة فهو الشعب "الإنسان" وقد تعرض لمؤامرة استهدفت وجودة ؛ مؤامرة عميقة غير ظاهرة للعيان ، وإدراك خفاياها ليس في متناول الجميع . . . مؤامرة المتهم فيها نظام بكامله وخلفه طائفة كبيرة . مؤامرة بخطط استراتيجية طويلة المدى تم تنفيذها في "يمن منزل" ونجحت ، وهذه الخطط قد لاتكون مكتوبة ، لكنَّها معلومة ومفهومة للنظام والطائفة التي ينتمي إليها .
ونبدأ بسياسة تغيير التركيبة السكانية عن طريق تزوير العدد بتخفيضه إلى مايقارب نصف العدد الحقيقي (عدد السكان سيكون موضوع مقال قادم) .. ثم طبَّقوا سياسة الترانسفير ، والاستيطان ، والتهجير الممنهج ؛ حتى وصل متوسط سن الاغتراب والهجرة في الجنوب إلى ماتحت 15 سنة .
ثم سياسة "فرمتة" عقل الإنسان ؛ تجهيل الأجيال التي تلت حرب 1994 وتدمير البنية التحتية التعليمية . . . وتدمير البنية التحتية الصحية . . . وتدمير ذاكرة الشعب [الأرشيف الوطني] بنقله إلى صنعاء وإحراقه ؛ الأرشيف الذي يحفظ تاريخ الدولة . . . بهذه الطريقة انتهى تاريخ شعب بكامله ؛ وأصبح تحت سطوة المستعمر يُلقِّنه مايشاء من التاريخ والثقافة الوطنية . . . شعبٌ حاله حال الطفل الوليد الذي يتعلم مايسمع , فليس لديه قاعدة بيانات تحميه من تعلم الزيف والسوء .
ثمَّ انتهجوا سياسة الاستعباد والإذلال للشعب ؛ وكانت تمشي بالتوازي مع غيرها من المؤامرات الخفية . . . وسياسة الجزية بمسميات جديدة ؛ [حق الحماية] يلتزم كل تاجر جنوبي بالتنازل عن جزء من ماله لنافذ من يمن مطلع مقابل حمايته . . . [حق الحفاظة] يدفعها المواطن الجنوبي للسارق الذي سرق شيء من املاكه حتى يعيده إليه . . . كان الهدف من هذه السياسة نزع الغيرة والكرامة من روح المواطن الجنوبي ، وقد نجحت نجاح جزئي في الجنوب ، كما نجحت خلال العقود الماضية في مناطق اليمن الأسفل [ تعز وإب والحديدة] .
وسياسة الاغراق في الحروب الذاتية ؛ بإذكاء روح الثارات وتعطيل القانون في المناطق الجنوبية ، والدفع بالقبائل إلى مستنقع الحروب فيما بينها . . . وقد نجحت هذه السياسة في الجنوب كما نجحت خلال العقود الماضية في محافظة مأرب والبيضاء ، وبواسطتها غرق أبناء تلك المناطق في الدم ، فتمكن نظام صنعاء في نهب ثرواتهم دون أي اعتراض منهم .
سياسة إفساد الشباب ؛ وقد تركزت هذه السياسة في عدن بنشر بيوت الدعارة التي وصلت إلى العشرات . . . وأصبحت واردات الخمور مئات أضعاف ماكان في العهد الشيوعي والبريطاني (الكافر) . . . وتم استجلاب بنات الليل من كثير من مناطق اليمن ومن بعض البلاد العربية...! وانتشار المخدرات وحبوب الهلوسة .. هكذا اصبحت عدن في عهد حكومة صنعاء الاسلامية ! أسوء مما كانت عليه في العهد الشيوعي أو البريطاني (الكافر) .
سياسة الشيطنة لكل ذي عقلٍ يدرك سياسة النظام وينتقدها ، والتهمة [انفصالي] وحينها يصبح ذو العقل مشغولاً بالدفاع عن نفسه ، ويفقد التركيز في انتقاد النظام . . . ونجحت هذه السياسة في الجنوب ، كما نجحت في الشمال قبل 98 سنة ، فأول ظهور لهذا المصطلح -انفصالي- كان في العام 1918 ووسموا به الشيخ عبدالوهاب بيك نعمان ورفاقه من شيوخ تعز وإب ، الذين أرادوا الحرية لشعبهم .
لقد تعرض الجنوب لمؤامرة طويلة المدى ، لم يتعرض لها شعب في التاريخ . . . ومنذ الأشهر الأولى التي تلت حرب 1994 كان حجم الإساءة والمظالم تستوجب ثورة شعبية جنوبية ، ومع كل تمادي في المؤامرة كانت مسببات الثورات الشعبية تزيد . . . ولو حدث في أي دولة أخرى ماحدث في الجنوب لثارت خلال العام الأول الذي تلى الحرب .
فلماذا تأخر الشعب الجنوبي في الثورة من 1994 حتى 2007...؟ وعندما ثار ؛ لماذا تخبَّط بين العجز في الحسم وفشل في الإدراك...؟ والإجابة في رأيي أنقلها لكم من صديقنا المفكر الفرنسي غوستاف لوبون ، عندما قال [شدة المرونة هي روح الامَّة ، تسوقها الى القيام بثورات متتالية ، وشدة الثبات والجمود تقودها الى الانقراض] كتاب روح الثورات .. والجمود الذي أصاب الشعب الجنوبي كان نتاج طبيعي للإنهاك الذي طاله في الفترة بين 1967-1994 . ومازال الجمود هو الدافع الرئيس لجعل الشعب يدور حول القيادات الصنمية التي تسببت في التخبط والعجز عن الحسم .