يستعد الاتحاد الأوروبي لفرض المزيد من العقوبات على روسيا بسبب دعمها للانفصاليين في أوكرانيا والذين يتهمهم الغرب بإسقاط الطائرة الماليزية ما أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 298 شخصا. وامتنع الغرب حتى الآن عن فرض ما يعرف بعقوبات المستوى الثالث والتي تستهدف قطاعات كاملة للاقتصاد الروسي. ونتيجة لذلك، فإن قطاع الطاقة الحيوي في روسيا يمكنه أن يواصل تعاونه الاقتصادي مع شركاء غربيين، لكن على الأرجح سيجد صعوبة في الحصول على قروض غربية. ما هو نطاق العقوبات الأوروبية الجديدة على روسيا؟ يعتزم الاتحاد الأوروبي توسيع قائمة تجميد الأصول وحظر السفر على المسؤولين ورجال الأعمال والهيئات الروسية. وستستهدف هذه العقوبات من ينظر إليهم على أنهم "يدعمون ماديا أو ماليا الأعمال التي تقوض أو تهدد سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها واستقلالها". وسيكشف عن أسماء الأشخاص الذين ستطالهم العقوبات الجديدة بحلول نهاية يوليو/تموز الجاري. ويعني هذا أن الاتحاد الأوروبي على الأرجح سيحذو حذو الولاياتالمتحدة في استهداف المزيد من أعضاء الدائرة المقربة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعض الشركات الروسية الكبرى. ولا يطال حظر الأصول الحسابات المصرفية والأسهم فحسب، بل أيضا الموارد الاقتصادية مثل العقارات. مصرف غازبروم بنك على قائمة العقوبات الأمريكية ولذا فإن الأشخاص الذين سيدرجون في قائمة العقوبات الجديدة لن يسمح لهم بشراء أو بيع أصولهم في الاتحاد الأوروبي بمجرد دخول تجميد الأصول حيز التنفيذ. وسيؤدي حظر السفر إلى منع هؤلاء الأشخاص من دخول أي دولة في الاتحاد الأوروبي حتى في حالة السفر غير المباشر"الترانزيت"، وستدرج أسماؤهم على القائمة السوداء لحظر إصدار التأشيرات. لكن هناك بعض الاستثناءات، إذ أنه لا يزال يجب احترام الحصانة الدبلوماسية، لذا فإن الدبلوماسيين سيستثنون من هذا الحظر. وتشمل الاستثناءات أيضا الحالات التي تستند لدواعي إنسانية، إذا كان الشخص على سبيل المثال يحتاج لسداد نفقات علاج طبي. وهناك وثيقة صادرة عن المجلس الأوروبي تحدد نظاق هذه العقوبات. وكان الاتحاد الأوروبي ركز سابقا على أفراد وعدد قليل من الهيئات التي لها صلة مباشرة بضم روسيا لجزيرة القرم وبانتفاضة الانفصاليين شرقي أوكرانيا. وأبرز مسؤول روسي تستهدفه عقوبات الاتحاد الأوروبي حتى الآن هو فياتشيسلاف فولودين النائب الأول لرئيس إدارة الرئاسة الروسية" الكرملين" ، وهو مدرج أيضا على قائمة العقوبات الأمريكية. وضمت قائمة العقوبات الأوروبية بالفعل بعض كبار الجنرالات الروس. ويدرس الاتحاد الأوروبي إمكانية فرض حظر أسلحة على روسيا.ويدفع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من أجل تبني هذا الخيار حاليا. وتعرضت فرنسا لانتقادات كثيرة بسبب قرارها المضي قدما في بيع حاملتي مروحيات من نوع "ميسترال" إلى روسيا. وقالت فرنسا في 21 يوليو/تموز الجاري إنها قد توقف تسليم السفينة الثانية، مشيرة إلى أن ذلك يتوقف على موقف موسكو إزاء الوضع في أوكرانيا. ماذا فعلت الولاياتالمتحدة؟ جينادي تيموشينكو هو قطب أعمال بارز في روسيا تؤثر العقوبات الأمريكية على أشخاص ذوي نفوذ مقربين من الرئيس بوتين، بعضهم من أغنى رجال الأعمال في روسيا. ومن بين هؤلاء جينادي تيمشينكو مؤسس شركة "غونروف" التجارية، والذي يمتلك أيضا مجموعة "فولغا غروب" الاستثمارية التي لها حصص في قطاع الطاقة والنقل والبنية التحتية من بينها "نوفاتيك"، ثاني أكبر منتج للغاز في روسيا. ايغور سيتشين هو اسم كبير آخر على قائمة العقوبات الأمريكية، وهو ضابط سابق في المخابرات الروسية وحليف قديم لبوتين. وسيتشين هو رئيس شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة "روزنفت"، والتي ترتبط بشراكات في مجال الطاقة مع اكسون موبيل وبريتيش بتروليوم البريطانية. والرئيس بوتين ليس على قائمة العقوبات-لماذا؟ لا يريد زعماء الغرب معاملة روسيا كدولة منبوذة دوليا، فهم يريدون الاستمرار في لقاء بوتين وجها لوجه، وإذا أدرج اسمه ضمن قائمة العقوبات، فسيكون من الصعب ممارسة ضغوط دبلوماسية مباشرة عليه. علاوة على ذلك، لا يزال الغرب يريد تعاون روسيا بشأن مجموعة هائلة من القضايا من بينها إيران وكوريا الشمالية. وسعت الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي من قائمتها بضم المزيد من الشركات الروسية من بينها روزنفت ونوفاتيك بالإضافة إلى مصرف "غازبروم بنك" الذي هو جزء من تكتل غازبروم العملاق المملوك للدولة. وتشمل القائمة أيضا مصرف ""فنيش أكونوم بنك"" الحكومي الذي يعود تاريخه إلى الحقبة السوفيتية. وأدرج على القائمة أيضا شركة "كلاشينكوف" الشهيرة لتصنيع الأسلحة بالإضافة إلى "الجمهوريات الشعبية" غير المعترف بها والتي أسسها الانفصاليون بشكل منفرد في منطقتي دونيتسك ولوهانسك. هل تضر هذه الإجراءات بالفعل الاقتصاد الروسي؟ ايغور سيتشين رئيس شركة روزنفت أحد المقربين من الرئيس بوتين تبعث العقوبات برسالة قوية إلى بوتين وحلفائه الذين يتمتعون بنفوذ قوي في عالم الاقتصاد والسياسة. وستجد البنوك وشركات الطاقة المدرجة على قائمة العقوبات صعوبة في الدخول إلى أسواق المال الأمريكية. وقد يضر حظر السفر الغربي بأصدقاء بوتين الأغنياء أصحاب النفوذ، لكن تجميد الأصول قد يؤثر عليهم بدرجة أقل. وتمثل لندن منطقة جذب شهيرة للنخبة من رجال الأعمال الروس الذين اشترى العديد منهم عقارات باهظة في بريطانيا. ويرتبط الاتحاد الأوروبي بعلاقات اقتصادية مع روسيا أقوى من الولاياتالمتحدة، ولذا فإن تضييق نطاق عقوبات الاتحاد الأوروبي سيحد من التأثير الشامل لها على موسكو. لكن مراقبين يقولون إن العقوبات هي على الأرجح أمر سيء للاقتصاد الروسي الذي تراجع هذا العام. وبعد سنوات من الانتعاش بفضل إيرادات النفط الروسي، فإن الاقتصاد يواجه الآن تراجعا في الاستثمارات المباشرة وهروبا كبيرا لرأس المال. وفر من روسيا رأس مال يقدر ب75 مليار دولار هذا العام، وهو معدل أعلى بكثير مقارنة بالعام الماضي. وتترنح روسيا على شفا ركود اقتصادي، وحقق الاقتصاد نموا بلغ فقط 1.3 في المئة العام الماضي، ولم يحقق نموا على الاطلاق بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران. ما الذي قد تخسره أوروبا من تراجع النشاط الاقتصادي مع روسيا؟ روسيا سوق مزدهر للسيارات الألمانية عالية الأداء ستشعر بعض دول الاتحاد الأوروبي بالتأثير أكثر من دول أخرى، وأصبحت روسيا سوقا مزدهرا للسلع الاستهلاكية الغربية في العقد الماضي. ويبدو أن ألمانيا على وجه الخصوص تعارض زيادة العقوبات على روسيا، وهذا ليس أمرا مثيرا للدهشة إذ أن صادرات ألمانيا إلى روسيا بلغت 38 مليار يورو في عام 2013، وهو الأعلى بين دول الاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك هو أن ألمانيا تحصل على أكثر من 30 في المئة من صادراتها من النفط والغاز من روسيا. وتعتمد هولندا وإيطاليا بشكل كبير على صادرات الطاقة الروسية، بالإضافة إلى أن بعض جيران روسيا من دول الاتحاد السوفيتي السابق يعتمدون بشكل كامل على شحنات الغاز الروسية. وبلغ إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا نحو 270 مليار يورو في عام 2012، وهو أعلى بكثير من مستوى التبادل التجاري بين الولاياتالمتحدةوروسيا.