درجت السياسة السعودية -وكماهي عادتها- على التدخل السلبي في الشؤون الدولية لدول الجوار بكل تعجرف وعنجهية مناقضة بذلك الأعراف الدولية في إحترام العلاقات المتبادلة والثنائية وخصوصية الدول ودائماً ما كان التدخل على حساب مصلحة الشعوب وحريتها في تقرير المصير وانتخاب الحكام وبما يخدم توسعها وتمدد نفوذها في رسم سياسات المنطقة خدمة لأجندتها وتوجهاتها. كانت المملكة ولمدة ثلاثة أعوام غائبة-جزئياً-عن المشهد اليمني بفعل المبادرة الخليجية التي شرعتها كمسمار جحا للتدخل متى ما شاءت بذريعة حفظ السلام العالمي وبدعوى ما يهدد أمنها وإستقرارها و بحكم الجوار العربي و الوضع السوري وما ألقى بظلالها على السياسة الشرق أوسطية والإختلات الأمنية في العراق وغليان ثورة البحرين تحت قوة الضغط الهائلة لقوات درع الجزيرة والحصار الخليجي أضف إلى ذلك أوضاع اليمن المتلاطمة فوق صفيح ساخن.. كانت بمثابة نيران تشتعل وحلقة نارية تحاصر المملكة من جهاتها الأربع وتقوض أركان الأسرة الحاكمة وتهدد وجودها فكان لابد من بتر سيقان الثورات و كبت رغبات الشعوب بالتحرر وتكوين طوق آمن يحمى المملكة من هيجان الشارع العربي وانتقال عدوى الثورات إليها , وبذا دأبت ترسم سياساتها بما يخدم توجه الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط الجديد. الحالة المرضية والمتأزمة التي أنجبتها سياسات وخطط ومؤامرات الجارة الكبرى في المنطقة ولّدت الجماعات الإرهابية الأصولية والداعشية- سعودية المنشأ وهابيّة الهوى-, وبدأت سياط ويلاتها تضرب في عمق وحدة الصف العربي وتؤثر بشكل مباشر على مجريات الأحداث وبعنوة ,المناخ السياسي المتقلب ولّد نتوءات وطفرات داعش بفعل عوامل النشوء والتكاثر في الوسط الصحي الغير مناسب الملوث بجراثيم السياسة والأفكار الملّغمة انجبت داعش وأخواتها كنتيجة حاصلة ومسلمة من الوسط البيئي العليل, وكان من ضمن سياسات المملكة وأدواتها تسخير هذه الأدوات مجتمعة لتقويض السلم الاجتماعي في الدول المجاورة والتدخل بذريعة حفظ الأمن الدولي لجره إلى الارتهان لحكم العقال الخليجي والكاو بوي الأمريكي! ما جرى في اليمن بعد تناقص نفوذ آل الأحمر الإبن الشرعي للأسرة الحاكمة وانحسار نفوذه في حاشد ومع تهاوي حركة الإخوان في اليمن تباعا لموت الأب الشرعي لها في مصر خلق فراغاً كبيراً في حلقة الوصل وبدأت المملكة تفقد نفوذها وسيطرتها لسير الأحداث وترمي بثقلها على اطراف بالكاد تدين لها بالولاء المطلق و الفشل في خلق ولاءات جديدة, بدا من الصعوبة بمكان التنبوء بارتهانها فما كان من المملكة الا الانتظار لما ستؤول اليه الأحداث بعد فشلها المتكرر في مصر وسوريا والبحرينوالعراق. مع اندلاع (ثورة الجياع) في اليمن وتنامي قدرتها على الاستقطاب الفعّال والمتنامي وتوسع وتيرتها في الأوساط الشعبية خلق بركاناً جديد اقلق البيت السعودي وبدا بتجميع صفوفه والمضي نحو التوافق بعد القطيعة التي تمت حيال قطر وهذا ماعبر عنه الإجتماع الوزاري لمجلس التعاون الخليجي في جلسته بالأمس وبحضور وزير الخارجية اليمني وكان من ضمن مدرجات أهدافه ودراساته وأولوياته ملف اليمن وتداعيات الثورة اليمنية, مرة أخرى المشهد يعيد نفسه ويتكرر بالعودة إلى ثورة 2011 حينما كانت الثورة قاب قوسين أو أدني من تحقيق أهدافها ونجاحها ومع تدخل السعودية والخليج ومع طول التفاوض تحولت الثورة إلى أزمة كان نتاجها المبادرة الخليجية التي اكتوت اليمن بنارها حتى اللحظة, المشهد يتكرر ووجدت السعودية نفسها في مواجهة الشعب وخياراته مرة أخرى مع وجود فوارق جوهرية تعمى عنها الإدارة في المملكة ولا تكاد تستوعبها وهي ان الثورة اليمنية الصاعدة ثورة شعبية خالصة لا مجال فيها للتحايل أو التفاوض أو الالتفاف عليها وتسخيرها لخدمة الخارج, وهذا ما تجلى في بيان المجلس الوزاري بنظرته السطحية للأمور وفقدانه التعمق في دراسة الحالة اليمنية من كافة جوانبها وملامسة جوهر المشكلة ومربط الفرس. التحرك السعو-خليجي في اليمن بدأ متناغماً مع بيان مجلس الأمن ومتوافقاً مع السلطة التي تم زرعها في خاصرة الوطن باسم المبادرة الخليجية, وامتدادا لها, وما تحرك وفد عسكري يمني إلى السعودية -وكما جرت العادة- ومع بدء تلاشي نفوذ الجارة الا لتقديم المشورة بل والتخطيط المسبق وتدارك ثورة الشعب لتظل العباءة السعودية تلف البيت اليمني وان بكثير من الفقر والإمتهان, تزامن مع تحرك قوات سعودية محاذية للحدود اليمنيه بالإشتراك مع قوات درع الجزيرة, يضع علامات استفهام كبيره عن نوايا السلطة والجوار من هذه التحركات المشبوهه ويلقي بظلاله على جدوى سيرالمفاوضات التي حددها الرئيس هادي بأربعة أيام فقط ؟ فهل النيّة مبيتة بالحرب أم أنها مجرد ضغط سياسي للانصياع والطاعة لإرادة البيت السعودي والعودة إلى احضانه.
تزامن التحرك الخليجي مع التحرك الداخلي لجماعة الاخوان واستنفار قياداتها وقواعدها بالتحرك باسم الإصطفاف الوطني والدفاع عن الجمهورية, تحت مظلة هادي وبغطاء وتمويل رسمي يضع مزيدا من الشكوك حول جدية النظام في تنفيذ مطالب الشعب وان كان تحت مظلة المفاوضات واللجان الرسمية , الخطاب السياسي والرسمي المتشنج وتصاعد وتيرة الأحداث والإستقواء بالخارج والتلويح بالعصا الدولية ومجلس الأمن والإرتماء في احضان المملكة واللجوء إليها يؤكد ان الحكومة ممثلة بالرئيس هادي غير جادة في تلبية مطالب الشعب, وما المماطلة واللجان الا لكسب المزيد من الوقت للتحرك وترتيب الصفوف وكسب دعم دولي واقليمي قبل اي تحرك سياسي للوصول إلى الأقل الممكن من المطالب او ربما عسكري –في حال نجاح الهبّة الشعبية المناهضة لسياسة الدولة- ونقضاً للعهود والمواثيق والخروج عن شرعية الحكم بافتعال حرب شعواء هوجاء, وبذا تنتظر السلطة الضوء الأخضر من المملكة للشروع في مخططاتها قبل اي عمل جبان متهور لا تحمد عقباه قد يهوي باليمن إلى حرب حقيقية. صمت الرئيس هادي وما ينتج عنه من تسريبات غير مطمئنة تبعث على مزيداً من الشكوك تجاه جدوى لجان المفاوضات واهميتها, جاءت التحركات السعودية الأخيرة مستفزة ومستنفزة للشارع اليمني للخروج بالملايين لمواجهة التصلف السعودي مرة أخرى وايصال صوته الحر للعالم بأحقيته في التظاهر بسلمية وفي الحياه الكريمة أسوة بدول الجوار, لذا جاءت المطالب الخليجية متناغمة مع بيان مجلس اليمن وتعيد وتكرر مطالب الرئيس هادي بصيغة فاضحة عن التوافق السلبي دون النظر إلى مطالب العامه, نظرة قاصرة سطحية تفرز من الواقع حركات مناهضة مستمرة وتصاعِد من الالتحام الشعبي وتعاضِد مواكبة و مسيرته الخصبه. رغم ان مبادرات الأحزاب اليمنية بمن هم في الحكومة جاءت متناسقة مع المطالب الشعبية إلا ان السلطة ترفض الإنصياع لها والتجاوب معها ما يؤكد ان قوى النفوذ واباطرة الفساد يحتمون مرة اخرى خلف الحكومة والجرعة ويراهنون بالمملكة لتعيد تأهيلهم وترتيب صفوفهم وضمهم مرة اخرى إلى الحاضنة الأولى بعد قطيعة دامت لفترة بفعل تقلبات المنطقة ومواقف المملكة من دعم النظام في مصر ضد جماعة الإخوان بل واعتبارها منظمة ارهابية , لكن الأحداث على الارض في اليمن تناقض ذلك وتؤكد ان الجماعه وان كانت هناك مظاهر جفاء بادية الا انها تحاول على الدوام الاحتفاظ بولاءها المطلق والتبعيّة لحكام الخليج بل ما يؤكدة ان السعودية لن تجد افضل منهم ولاءاً وتبعيةً وإنصياعاً.
فهل ستنجح المملكة هذه المرة في تحويل الثورة إلى أزمة؟, و تكوين مبادرة خليجية جديدة طاحنة لآمال الشعب اليمني؟.. هذا ما ستفصح عنه الأيام .. وليس ببعيد.