خلال الأعوام الماضية كنت كلَّما تواجدت في مكان وعرفني أحد ، كان يسألني عن قراءتي للوضع الداخلي ؛ فهو مدار الحديث اليومي ؛ في الأسواق ، وفي المقايل ، وعلى قارعة الطريق ، وحيثما ترى جمعاً من الناس لن تجدهم يتحدثوا بغير الوضع الداخلي . . . لكنَّ هذا الحال تبدَّل في الشهر الأخير ؛ فالحوثي أصبح مدار اهتمام الجميع ، وحوله يسأل السائلون...!! بل لا أبالغ إذا قلت أنَّه أصبح عاملاً من عوامل انقسام الشارع الجنوبي ؛ ففريق الرئيس البيض يعتبره حليف لقوى التحرير والاستقلال ، وانتصاره انتصارٌ لهم ، وبعضهم يعتبرونه "بطلهم القومي" والمنقذ المنتظر للجنوب ... وفريق آخر -إسلامي- يعتبره خطر على الجنوب ؛ من منظور أن الحوثي شيعي أثنا عشري ، وإذا انتصر وسيطر على السلطة سيجلب إلى الجنوب صراع مذهبي لم يحدث منذ 1400 سنة ، فالجنوب دولة سنيَّة خالصة . . . وفريق ثالث يناصر الحوثي من زاوية "عدو عدوي صديقي" والعدو هو -الاحتلال- سلطة دولة الوحدة . بينما الواقع يقول عكس ذلك -أو هكذا قراءتي للواقع- :- فالحوثي ليس مناضلاً ثورياً مثل جيفارا ؛ هو زعيم يمني ومصالحه هي نفس المصالح التي ناضل من أجلها أبائه وأجداده ، ومن غير المعقول أن يكون يوماً من الأيام مع تحرير واستقلال الجنوب "لأنَّه مع الوحدة" . . . وهو ينظر إلى الحراك على أنَّه حركة شعبية "يمنية" ضد الظلم والقهر والاستبداد وليس ثورة شعبية ضد مستعمر . . . وتعاونه مع فريق الرئيس البيض في السنوات الماضية ، كان من باب الحاجة لاستخدام الحراك ، باعتبار الحراك أداة فاعلة في الصراع على السلطة . وقد نجح في استخدامه وجعله أداة من أدواته الماكنة في هزيمتهم ، كما استخدم ثورة التغيير اليمنية سابقاً . وعندما ينتصر سيتنصل من كل تعهداته إذا كان تعهد للبيض بشيء . . . حاله في ذلك حال حميد عبدالله الأحمر الذي ركب فدرالية العطاس في 2009 ، ووقَّع معه العهود والمواثيق ثمَّ تنصَّل منها في 2011 ، فهو مع الوحدة وتحالفه مع الفدراليين كان لاستخدامهم في صراعه مع خصومه ، وقد نجح كذلك في استخدامهم ضد الرئيس صالح . . . وخلال الأشهر الماضية عاد لركوبها من جديد لاستخدامها ضد الرئيس هادي . لكنَّ الحوثي لم يمهله ، وعاجله بضربة شبه قاضية . وفي الأمس القى السيد الحوثي خطاب النصر الذي انتظرته الملايين ؛ ولم يقل في خطابه -أو حتى يلمح- بحق الشعب الجنوبي بالتحرير والاستقلال ، أو حتى حقه في تقرير مصيره...؟ .. وذكر القضية الجنوبية كما يذكرها غيره من صقور يمن مطلع ، ولم يتطرق إلى ملامح رؤيته لحلها . ولو أنَّه ربط الحل بجملة [حلاً مرضياً للشعب الجنوبي] لكنت مع المصفقين له ، لكنَّه قال "حل عادل" ؛ فماهي مقاييس العدالة التي يعنيها...؟ ولمن..؟ لقد تخلص الحوثي من كل منازعيه الشماليين -صقور يمن مطلع- على السلطة ، وقال أن عدوه القادم هو "الفساد" ، والفساد كلمة مجازية حالها حال "الإرهاب" لا تعرف لها في اليمن رسماً ولا وصفاً ، وقد كانت خلال السنوات الماضية عدو السابقين ؛ كانت على لسان الرئيس صالح وحميد الأحمر وعلي محسن ويحي الراعي ومن حولهم ، لاينفكون عن ذكرها . . . وبالتالي ؛ لا نعيرها أي اهتمام ، لأنَّها "استحمار للعقول" ، وعلينا البحث والتحليل كي نعرف الفريسة الحقيقية القادمة للحوثي . فمن يكون...؟ وختاماً أقول ؛ على الجنوبيين أن يسمعوا صوت العقل ويذعنوا له ، ويُطلِّقوا العاطفة ويهجروها إلى غير رجعة ، فيضعوا الحوثي على ميزان التاريخ فهو ميزان كشَّاف يستطيع كشف الحقيقة . . . بل لو سمعوا الهتافات والأطروحات التي يقولها أنصاره في الساحات وعبر القنوات الفضائية ، وحلَّلوها لظهرت لهم حقيقته "ذئب أم حمل" . وقد جاء في الأثر أن امرأة من البادية وجدت ذئباً ولد في تلك اللحظة التي وجدته ، فرحمته عندما رأته في دماء الولادة لا يستطيع الحركة ، فأخذته معها ، ووضعته بجانب شاتها فرضع منها ، والشاة تلعقه بلسانها لتنظيفه وكأنَّه أبنها ، ومرَّ الوقت والذئب يرضع من ثدي الشاة حتى كبر . . . وفي أحد الأيام هجم الذئب على الشاة وأكلها ، وعندما رأت المرأة ما فعله أنشدت ودموعها تنهمر قائلة :- بقرتَ شويهتي وفجعتَ قلبي وأنت لشاتنا ولدٌ ربيبُ غذيتَ بدرِّها و ربيتَ فينا فمن أنباكَ أن أباكَ ذيبُ إذا كان الطباع طباع سوءٍ فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ انتهت قصة الذئب والشاة والمرأة ، وأسأل الله أن لا يقول القوم قولها . . . أمَّا هم فلم يثقوا بالجنوبي ، سواءً كان ذئب أو حمل ، وتآمروا عليه منذ الوهلة الأولى ، ومازالوا في تآمرهم ، والله أعلم لمن تكون الغلبة . وللحديث بقية بإذن الله