بعد 5 أيام على اجتياح الحوثيين للعاصمة، وانهيار سلطة الشقاق والنفاق، وتلاشي اصطفاف هادي والاصلاح في مواجهتهم، يجدر ان لا تعمينا وقائع الأيام الماضية وبخاصة الفظاعات التي ارتكبتها الجماعة (المجتاحة، الجائحة) عن الحقائق الاساسية في المرحلة الانتقالية: _ هناك سلطة انتقالية انقلبت على الشعب بصفقة سياسية ترعاها حكومة القناصل الأجانب. الصفقة الاحتيالية التحايلية التآمرية، منحت هادي التمديد في الرئاسة بدون انتخابات شعبية، وسمحت للإصلاح بالاستمرار في الهيمنة على الحكومة، وابقت لصالح اغلبيته في مجلسي النوب والشورى؛ _ الصفقة هي انقلاب كامل على الدستور اليمني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وكرست وضعية شاذة في اليمن غير مسبوقة منذ 1990. فكل السلطات القائمة غير شرعية، وآخر انتخابات تنافسية كانت في 2006؛ _ لم يظهر أي طرف في السلطة أية بوادر على امكان استيعاب تعبيرات يمنية لها حساسية تمثيلية. وفي ما يخص الحراك الجنوبي فإن 2013 شهد اكبر عملية اختلاس في تاريخ اليمن. لقد اختلس هادي وشركاؤه في السلطة "القضية الجنوبية" وصاروا هم ممثلوها بينما مناضلو الحراك يتجرعون مرارات خيانات رفاقهم، أو يهيمون في المنافي؛ _ في الواقع فإن تحالف السلطة بقيادة هادي تحايل كليا على تطلعات اليمنيين واشواقهم الى التغيير؛ احتكر تمثيل الثورة (بواسطة المشترك المقيت) واحتكر تمثيل الجنوب بواسطة حراك 2013 برئاسة هادي نفسه؛ _ في ما يخص مخرجات الحوار، فالثابت ان الحوار الوطني تمحور حول هدف واحد هو تفكيك الدولة على اسس مناطقية وطائفية. المخرجات التي تحتوي على اكثر من 2000 نص مقترح، هي مجرد غلاف السكر للسم الزعاف الذي يفتك باليمن؛ _ هناك بديهيات يهرب منها جميع الاطراف في السلطة الدميمة، وهي المظالم والحقوق. وفي هذه النقطة بالذات فإن السيرة الذاتية لرموز السلطة الانتقالية كفيلة بتفسير جزء من ذلك التطير من النقاط ال20 التي كانت مقرة كأساس لانطلاق الحوار وشرط له. (هذه النقطة تتطلب منشورا مستقلا)؛ _ الهروب من البديهيات اصاب الإصلاح في مقتل، جنوبا وشمالا. فالحزب الأكبر في الحكومة تصرف بأنانية وفصائلية وقصر نظر، فدفع ثمنا باهظا في الجنوب اولا، ثم في الشمال. لقد قوض الاصلاح مصداقيته ووضع رقبته تحت المقصلة (الوطنية والاقليمية)؛ _ دمرت سلطة الشقاق والنفاق الروح الوطنية وفعلت كل شيء من أجل الحؤول دون انتفاضة شعبية ذات جوهر واطار وطنيين. لقد فككوا الجيش توطئة لتفكيك الدولة وتمزيق المجتمع. كانوا في الواقع يريدون تفادي مشهد ربيع 2011 بأي ثمن؛ _ خلت الحياة السياسية من قوة معارضة تقليدية، وتقدمت جماعة الحوثيين على الطرقات التي عبدتها قيادة "الإصلاح" خلال العامين الاخيرين، إلى العاصمة. كانت جماعة "انصار الله" المستفيد الأول من خطايا "انصار الثورة" وانحسار "انصار الشرعية"؛ _ لم تبدر أية اشارة تنم عن حكمة ورشد في سلوك الاصلاحيين. وهم في سبيل السلطة، وفي تعبير صارخ على عدم الاتعاظ من الماضي، تحالفوا مع الرئيس الجديد على الطريقة نفسها التي تحالفوا فيها مع صالح في الثمانينات والتسعينات. ارادوا رئيسا حليفا لهم وضد المكونات الحزبية والسياسية الأخرى؛طك _ لقد تلقى الإصلاح ضربة مؤلمة الأسبوع الماضي. صار الخاسر الأول في معركة العاصمة بينما يظن الآخرون الذي يتحالفون معه أنهم افلتوا من العقاب، العقاب جراء غدرهم بالثورة وتمريرهم مخرجات الحوار التفكيكية والتفتيتية لليمن؛ _ حتى الآن لم يظهر الاصلاح ما يفيد بأنه تراجع فعليا عن مؤامرة تدمير اليمن وتمزيقه طائفيا ومذهبيا. بل لعله الآن يستعجل مشروع التمزيق بمظنة انه الخلاص من سطوة الحوثيين؛ _ يرث انصار "الله" "انصار الثورة" في العاصمة بينما يشوب الغموض الموقف في محافظات شرقية وجنوبية يتواجد فيها "انصار الشريعة"، ويواصل الأغبياء في العاصمة تضخيم دور "انصار الشرعية" الذين يمكن اعتبارهم فعلا الرابح الثاني من احداث الاسبوع الماضي، الرابح الثاني ليس جراء التحالف مع الحوثيين بل بفضل التحالف مع الاصلاحيين وهادي!