الداخلية تعلن ضبط أجهزة تشويش طيران أثناء محاولة تهريبها لليمن عبر منفذ صرفيت    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    عاجل: هجوم صاروخي للحوثيين في خليج عدن وإعلان أمريكي بشأنه    قيادي حوثي يسخر من إيران ويتوقع تعرض الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) للاختطاف مع مروحيته    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    بن دغر يدعو للتحرك بشأن السياسي محمد قحطان.. وبن عديو: استمرار اختطافه جريمة بحق الوطن    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل .. هكذا ذهب اليمن إلى التمزيق بعد الانقلاب الطائفي
نشر في عدن الغد يوم 29 - 09 - 2014

الصراعات في اليمن الشمالي
كتب: صالح أبو عوذل
تنبأت تقارير صحفية بعودة اليمن او ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية الى (الملكية) في ظل تقدم تحرزه جماعة الحوثيين التي باتت تحظى بتأييد قبلي من قبائل حاشد كبرى القبائل في الشمال اليمني, هذه الجماعة تحمل طابعا عقائديا ودينيا (زيدي شيعي), تسعى بحسب اتهامات لعودة الحكم الملكي الذي كان يحكم ما عرف بالمملكة المتوكلية اليمنية, واطيح به في ثورة مسلحة تمكنت بمساندة الجيش المصري من تحويل النظام في البلاد من ملكي الى جمهوري.
تقرير: إدارته حكومات انقلابية.. اليمن الشمالي بين الانفصال الطائفي والعرقي والعودة إلى الملكية
خمسون عاما على التحول في اليمن من نظام ملكي الى جمهوري, لكن هذا التحول شابته الكثير من الخروقات , حيث حكمت النظام الجمهوري قيادات ورؤساء اتوا على اشلاء وجثث من سبقوهم بدءا من السلال وانتهاء بعلي عبدالله صالح الذي لم يمت في حادث تفجير دار الرئاسة اليمنية.

اليوم الوضع في شمال اليمن يختلف جذريا , حيث يقول سياسيون يمنيون ان الملكيين يهددون الجمهورية اليمنية بفعل ما يدور في بعض المدن والبلدات المتاخمة للعاصمة اليمنية صنعاء.

الحوثيون ومن يناصرهم من (الزيود) الشيعة يقولون انهم يواجهون تيارات دينية تكفيرية ويقاتلونهم من اجل بقاء نفوذهم على مقدرات البلاد والتحكم بها وترك شعب اليمن الشمالي يتضور جوعا.

الحوثيون وفق تصريحات زعماء في الجماعة , يسعون لتمكين الشعب اليمني من ادارة بلاده , لكن هذا التصريحات يقول مسئولون في السلطات ومن الموالين للتيار الديني (الاخوان المسلمين) انها غير حقيقية ويعتبرون الحوثي ملكيا ويسعى لعودة الملكية, متهمين النظام السابق بدعم الحوثيين للانقلاب على حكم الاخوان على الرغم من المشاركة السياسية في الحكم لأحزاب اخرى.

وعلى الرغم من قيام ثورة سلمية على حكم علي عبدالله صالح في مطلع العام 2011م إلا ان الغالبية العظمى في الشمال لا يرضون بهذا التغيير الحاصل.

محمد العنسي شاب في الثلاثينات من عمره يرابط منذ العام 2011م في خيمة نصبها وسط حي الجامعة بالعاصمة اليمنية صنعاء، بألم وحسرة يتحدث محمد على ايام الثورة الأولى التي يقول انهم خرجوا فيها من اجل الحصول على دولة مدنية تساوي بين الجميع.

يأخذ محمد المحرر الى وسط الخيمة التي تمتلئ جنباتها برسوماته الممجدة لشهداء سقطوا برصاص الجيش والأمن اليمني وانصار الرئيس السابق.

وعلى باب الخيمة ينصب محمد لافتة كبيرة تحتوي على عبارات تلعن علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر.

وعن اللافتة يقول محمد ان علي محسن الأحمر (وهو زعيم عسكري وقائد للفرقة الأولى مدرع) "هو من تآمر على ثورتنا وقد وضعنا كثوار في معسكر مغلق ومنعنا من خروج مسيرات لإسقاط نظام علي عبدالله صالح".
يذكر محمد الخلافات والتباينات التي كانت تحصل في الساحة وتصل الى ان "يتدخل جنود الفرقة الى جانب نشطاء الاخوان المسلمين ضدنا (نحن المستقلين)".

ما حصل (يقول محمد العنسي) انها "كانت مؤامرة على الثورة كما حصل في ثورة 26 سبتمبر التي يقول انها لم تحقق تطلعات الشعب في الشمال".

يرفض محمد مطالبات ابناء اليمن الجنوبي ويقول "الجنوبيون وحدويون اكثر منا نحن الشماليين".. طرح محمد لاقى ترحيبا من الزامكي وهو شاب من اليمن الجنوبي ومناصر لثورة التغيير الشمالية, لكن الزامكي يقول ان وحدوية الجنوب قتلت في العام 1994م.
العنسي والزامكي وغيرهما المئات من المستقلين يحتلون ساحة التغيير في صنعاء ويصرون على مواصلة ما يسمونها بالثورة اليمنية السلمية, لكن سلمية تلك الثورة تعرضت للقمع وقتل العشرات بينهم صحافيون في ما عرف بجمعة الكرامة.

بالقرب من ساحة التغيير تقع جولة شهداء الكرامة , اربعة من رجال شرطة المرور يتمركزون في التقاطعات، وعلى عمود للكهرباء نصبت لوحة ضخمة عليها صور شهداء الكرامة.

وعن الحادثة يتحدث سائق التاكسي وهو من ابناء تعز اليمنية "هؤلاء هم شهداء الكرامة سقطوا برصاص مسلحين يقال انهم استهدفوا الثوار من هذا المنزل" (يشير بيده ناحية عمارة تقع يسار الجولة على مدخل الساحة).

يقول عمار ان عملية قتل الثوار لم تثبت على طرف بعينه, هناك من يتهم النظام السابق, بينما النظام السابق يتهم الإخوان المسلمين بقتل المتظاهرين. (يضحك) "كل واحد يتهم الآخر وهكذا!".

في ال18 من مارس 2011م قتل نحو (45) من المتظاهرين ، معظمهم من طلاب الجامعات، وجرح 200 آخرون في ثلاث ساعات فقط، وفقا للأرقام التي جمعتها منظمة هيومن رايتس ووتش.

وفي ال18 من مارس الحالي تجمع المئات وسط الساحة التي كانوا يتظاهرون فيها ضد نظام صالح وهم يرددون هتافات تطالب بإسقاط الحصانة عن صالح باعتباره المتهم في قتل متظاهري جمعة الكرامة.

واصطف المئات في طوابير وهم يرتدون اكفانا تعبيرا عن تضامنهم مع رفاقهم الذين لقوا حتفهم في العام 2011م.

يقول عمار وهو سائق تاكسي ان الكثير من اليمنيين الشماليين باتوا يشعرون بالندم على الاوضاع التي كانت افضل بكثير من الوقت الراهن.. يشير الى ان غالبية الشعب وصل الى قناعة ان نظام صالح كان أفضل من الوضع الراهن.. والسبب كما يقول ان "الاخوان المسلمين يريدون حكمنا كيمنيين بالحديد والنار في الوقت الذي فشل فيه (صالح) على مدى عقود ثلاثة".

وعن الحل يقول ان "اليمنيين لديهم حكمة وسوف يخرجون من كل هذه المشاكل والازمات".

"الحوثيون يعدون رقما صعبا في المعادلة السياسية في الشمال".. يقول عبدالله صالح، مشرف على (خيمة) لعرض صور انتهاكات الطائرات الأمريكية للسيادة في اليمن وقتل العشرات من المدنيين "ان انصار الله ليسوا مختزلين في صعدة وعمران بل انهم ينتشرون في معظم المحافظات اليمنية الشمالية من صعدة شمالا الى تعز جنوبا ولديهم قواعد وانصار كثر".

وفي المعرض الذي يقول انهم افتتحوه قبل شهرين عشرات الصور لانتهاكات جنود امريكيين لما يقول انهم مسلمون في اليمن والعراق والشيشان.

وعلى جنبات الخيمة الداخلية توجد ملصقات فيها فتاوى لرجال دين يمنيين بينهم الزعيم الحوثي عبدالملك الحوثي وشيوخ دين.

وعن الفتاوى يقول "هذه فتوى للسيد (في اشارة الى عبد الملك الحوثي) الذي يلقبونه ب"السيد".

يتحدث محمد المطري وهو من بلدة بني مطر الى الغرب من صنعاء العاصمة "الكثير من اليمنيين يعتقدون ان الحوثي او انصار الله في صعدة فقط, وهذا ليس صحيحا، انصار الله في كل مكان.
يطلع القائمون الكاتب على المعرض, وفيه صور لضحايا غارة جوية, يشير صلاح بيده ناحية الصورة, هذه الصورة لضحايا طائرة بدون طيار, قتلوا اثناء مشاركتهم في عرس".
صور كثيرة لجنود أمريكيين قالوا انهم يسكنون في مقر يقع بجانب ثانوية للبنات وسط العاصمة.
الخيمة التي يقولون ان وسائل الاعلام اليمنية زارتها لم تحتو على صور ضحايا الغارات الجوية في الجنوب اليمني لأسباب، يقول صلاح ان الجنوبيين لم يزودونا بأي صور وإلا كنا عرضناها".
ساحة الجامعة تحولت الى منازل من صفيح, بوسطها يجتمع شبان يتناولون اوراق القات المحبب لدى الغالبية العظمى من اليمنيين.
يحيى شاب دون العشرينات من العمر يمتلئ فمه بأوراق القات يتحدث عن ثورة تم الانقلاب عليها من قبل جماعة الإخوان, يقول يحيى "الاصلاح رفعوا خيمهم قبل بدء مؤتمر الحوار الوطني في مارس من العام المنصرم, دعتهم توكل كرمان ولحقوا بها".
وعمن بقي في الساحة يقول "من بقي في الساحة هم الاحرار الذين رفضوا ما انتجته المبادرة الخليجية.. الناس هنا لا يسعون الى تسليم دولتهم الى يد جماعة ارهابية". بحسب التصنيف في اليمن لجماعة الاخوان.
يتقسم المئات من النشطاء في الساحة بين انصار الله والمستقلين, حيث اطلق المستقلون على ساحتهم (حارة دبش) على عكس الحوثيين الذين يأخذون الطابع الديني والمذهبي في تسمياتهم للمخيمات".

ساحة الجامعة تقع على بعد عدة كيلو مترات من خط المواجهة المسلحة بين الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين, حيث يقول ناشطون في جماعة انصار الله ان لديهم القدرة في احتلال صنعاء, ولكن هناك موانع كثير من بينها الحفاظ على ارواح الناس في العاصمة, خشية وقوع مواجهات مع مناوئيهم في المدينة المكتظة بالسكان.

وخلال الاشهر الماضية تمكنت تلك الجماعات الشيعية من التوغل في بلدة خمر وقبل ايام في وادي ظهر وهمدان, حيث سبق وقامت جماعة الحوثي بتفجير منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر, في الخمري لتعلن سيطرتها على معقل زعماء حزب الاصلاح جناح الإخوان المسلمين في اليمن, ليتمكن اولاده من الفرار الى العاصمة اليمنية صنعاء وفيها يستقرون ويتركون منزل والدهم اطلالا, قبل ان تبث وسائل اعلام يمنية صورا للحوثيين وهم يتجمعون وسط باحته, قبل ان يعلنوا عثورهم على اموال واسلحة.
وخلال الايام القلية الماضية انتقلت المواجهات المسلحة التي تأتي على وقع طائفي عرقي بين جماعة الحوثي الشيعية والاخوان المسلمين ذات المذهب السلفي إلى محافظة عمران التي كانت مسرحا للكثير من المعارك المسلحة التي اودت بحياة العشرات من الجانبين.

وسائل اعلام يمنية تحدثت عن نية الحوثي اسقاط صنعاء قبل ان يظهر قيادي في الجماعة لينفي ما قال انها مزاعم اسقاط العاصمة.

وقال السيد عبدالملك الحوثي في تصريحات انه " لا يريد اسقاط صنعاء فهو موجود وانصاره منتشرون في كل مكان".
ومنذ حكم الامامة يعد الشمال اليمني بلد الانقلابات العسكرية المسلحة حيث عرف عنها أنها بلد الانقلابات العسكرية والطائفية والعرقية منذ القدم, بدءا من انقلاب الامام على الوجود العثماني والتركي وانتهاء بمحاولة الانقلاب على الرئيس التوافقي هادي اثر استهدافه في مستشفى العرضي بصنعاء اواخر العام الماضي, قبل ان تسبقها محاولة اغتيال فاشلة فضلا عن الانقلاب على سلفيي دماج وترحيلهم من صعدة الشيعية ناحية الجنوب السني.

الإمامة في الشمال
تأسست (المملكة المتوكلية اليمنية في العام 1918) على الأرض والمساحة الجبلية والساحلية التي عرفت لاحقا بالجمهورية العربية اليمنية, واستمرت حتى انهيارها عام 1962 اثر انقلاب عسكري اسند من جمهورية مصر العربية.
وبحسب كتب التاريخ والموسوعات الحرة فقد أعلن الإمام يحيى حميد الدين إمامته، عام 1904م وخاض صراعاً ضد العثمانيين انتهى بتوقيع اتفاقية دعان عام 1911م، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تسلم مقاليد السلطة من الأتراك المنسحبين، وأعلن قيام المملكة المتوكلية اليمنية.

ولكن تلك المملكة انهارت بفعل الانقلاب العسكري الذي قاده شيوخ قبائل يتزعمهم محمد محمود الزبيري وهو شاعر وثائر تربى في جنوب اليمن او ما كان يعرف باتحاد الجنوب العربي.

وتقول كتب التاريخ والمؤلفات ان قوات الطائفة الشيعية الزيدية المسلمة قامت بطرد القوات العثمانية من شمال اليمن في منتصف القرن السابع عشر.

وتمكن الامام حميد الدين من السيطرة على مدن يمنية اصبحت فيما بعد تابعة للأراضي السعودية حيث يقول مؤرخون ان الامام يحيى وسع مملكته إلى جنوب تهامة وجنوب عسير, غير أنه اصطدم بالتأثير المتصاعد لملك نجد والحجاز عبد العزيز آل سعود.

الانقلاب على الإمام بمساندة جيش مصر العربية
قاد مجموعة من المشايخ القبليين ورجال الدين والسياسة انقلابا عسكريا على مملكة حميد الدين في ال26 من ديسمبر 1962م، هذا الانقلاب الجمهوري كما وصف حينها كان مسنودا بنحو سبعين الف جندي وضابط مصري, في حين كانت المملكة العربية السعودية قد قدمت كل الدعم المالي والعسكري للملكيين للصمود ودحر الجمهوريين وقوات الجيش المصري, لكن تلك المساعي السعودية قوبلت بالخسارة وانتصر الجمهوريون قبل ان يفرض الملكيون حصارا على صنعاء لأكثر من شهرين وهو الحصار الذي عرف فيما بعد بحصار ال70 يوما.

بعد انتصار الجمهوريين على الملكيين تعرض من تبقى من جنود الجيش المصري للتصفيات الجسدية (طعنا بالخناجر) من اجل الاستيلاء على اسلحتهم وتعزيز الجمهورية العربية اليمنية وحكم رئيسها عبدالله السلال.

وتقول السيرة الذاتية لأول رئيس للجمهورية العربية اليمنية عبدالله السلال انه من مواليد 1917 في قرية شعسان مديرية سنحان محافظة صنعاء.

التحق بمدرسة الأيتام بصنعاء عاصمة اليمن آنذاك عام 1929، وبعد اتمامه للمرحلة الثانوية قبل ان يرسله حاكم اليمن الإمام يحيى حميد الدين إلى العراق عام 1936 في بعثة عسكرية التحق بالكلية العسكرية العراقية وتخرج فيها برتبة ملازم ثان عام 1939.

الإرياني ينقلب على السلال
تمت الإطاحة بالسلال في انقلاب قام به ضباط الصاعقة والمظلات في 5 نوفمبر 1967 أثناء زيارته للعراق حيث كانت الحرب الأهلية بين الجانب الملكي والجانب الجمهوري لا تزال قائمة ، وتشكل مجلس رئاسي من ثلاثة أمناء هم عبد الرحمن الإرياني ومحمد علي عثمان وأحمد محمد نعمان وتشكلت حكومة برئاسة محسن العيني.

وتوفي المشير السلال اول رئيس للعربية اليمنية (الشمال) في 5 مارس 1994 (عن 77 عاما).
وعقب الاطاحة بالسلال والانقلاب عليه تم تعيين القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني (المولود في اليمن الاسفل "إب" لأسرة شافعية, وهو زعيم ديني وسياسي، شارك في الانقلاب الاول ضد الامام), رئيسا للمجلس الجمهوري 1967 إلى 1974 أي ثاني رئيس للجمهورية العربية اليمنية التي اتت بفعل الانقلاب على حكم الامامة.

ويقول مؤرخون انه وبعد انقلاب 5 نوفمبر 1967 على الرئيس عبد الله السلال وصعود الرئيس عبد الرحمن الإرياني، غلب الطابع المدني مع سمات النظام البرلماني على الطابع العسكري وتراجع نسبياً دور الجيش في الحياة السياسية، وأجريت العديد من التعديلات والاستحداثات في الجيش حينها.

الحمدي يقود انقلابا (أبيض) على القاضي الإرياني

أطاح الرئيس ابراهيم الحمدي في انقلاب أبيض يوم 13 يونيو 1974م بالقاضي الارياني, ويقول مؤرخون ان الإعلان عن تسلم ابراهيم الحمدي مقاليد الحكم بالانقلاب على الارياني كان بمثابة إجهاض لأول تجربة لأول وآخر رئيس مدني يحكم العربية اليمنية (الجمهورية).
وتوفي القاضي الارياني في المنفى بسوريا في مارس من العام 1998م.
وتسلم إبراهيم بن محمد الحمدي السريحي مقاليد الحكم كرئيس للجمهورية العربية اليمنية في 13 يونيو 1974 وظل حتى 11 أكتوبر 1977 عام اغتياله هو وأخيه عبدالله على يد انقلابيين اخرين.

وتقول السيرة الذاتية للرئيس الحمدي الذي ولد في 1943 بمحافظة إب وأصوله من منطقة ريدة في محافظة عمران فهو سريحي من خولان.

ويقول المؤرخون ان الحمدي ينحدر من أسرة معروفة في الأوساط الدينية الزيدية، فقد كان والده محمد بن صالح بن مُسلَّم الحمدي قاضيا في (ثلا) و(ذمار).

تعلم في كلية الطيران، ولم يكمل دراسته وعمل مع والده القاضي في محكمة ذمار في عهد الإمام أحمد يحيى حميد الدين، وأصبح في عهد الرئيس عبدالله السلال قائداً لقوات الصاعقة، ثم مسؤولاً عن المقاطعات الغربية والشرقية والوسطى.

وفي عام 1972 أصبح نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية، ثم عين في منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة.

قاد إبراهيم محمد الحمدي انقلابا أبيض سمي (حركة 13 يونيو التصحيحية) لينهي حكم الرئيس عبد الرحمن الإرياني والذي كان الرئيس المدني الوحيد من حكام اليمن, وصعد المقدم إبراهيم الحمدي للحكم برئاسة مجلس قيادة البلاد.
وبحسب المؤرخين فقد اتسع الدور الذي يلعبه الجيش في النظام السياسي والحياة العامة ، وعاد تدخل الجيش في الحياة السياسية بل وكان الحكم العسكري هو سمة النظام السياسي بحكم أن الغشمي كان أحد مدبري الانقلاب ومن المقربين من إبراهيم الحمدي حينها، عُين الغشمي مشيرا في القوات المسلحة فقام هو بدوره بتعيين علي عبدالله صالح حاكماً عسكرياً على تعز برتبة رائد.

بدأ الحمدي بالتقليل من دور مشايخ القبائل في الجيش والدولة وألغى وزارة شئون القبائل باعتبارها معوقاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحولت إلى إدارة خاصة تحت مسمى (الإدارة المحلية) تقدم الاستشارة.
وقام بتجميد العمل بالدستور وحل مجلس الشورى، وفي 27 يوليو 1975 الذي أطلق عليه "يوم الجيش" أصدر قرارات بإبعاد العديد من شيوخ القبائل من قيادة المؤسسة العسكرية وأجرى إعادة تنظيم واسعة للقوات المسلحة، فاستبدل الحمدي العديد من القادة العسكريين خاصة ممن يحملون صفة (شيخ قبلي)، بقادة موالين لتوجه الحركة التصحيحية التي يقودها الرئيس الجديد الحمدي، وأعاد بناء القوات المسلحة بشكل جديد حيث تم دمج العديد من الوحدات لتتشكل القوات المسلحة من أربع قوى رئيسة على النحو التالي:

قوات العمالقة: تشكلت من دمج لواء العمالقة والوحدات النظامية، كقوة عسكرية ضاربة في محافظة ذمار مهمتها تأمين حماية النظام وجعل على رأسها شقيقه عبدالله الحمدي.
قوات الاحتياط العام: تشكلت من دمج لواء العاصفة ولواء الاحتياط.
قوات المظلات: تشكلت من سلاح الصاعقة وسلاح المظلات ولواء المغاوير.
قوات الشرطة العسكرية: تشكلت من سلاح الشرطة العسكرية وأمن القيادة.
ووفق ما ذكره المؤرخون فقد تقارب الحمدي مع النظام الاشتراكي في اليمن الجنوبي، وفي خطوات السير نحو الوحدة، عقدت (اتفاقية قعطبة) في فبراير 1977 نصت على تشكيل مجلس من الرئيسين إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي لبحث ومتابعة كافّة القضايا الحدودية بين الدولتين الجارتين.

نشبت الخلافات بين إبراهيم والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ حاشد وقتها وكان كثير من مشايخ القبائل والمسؤولين (المعارضين) للحمدي في السعودية، وجاء في وثيقة بعثها هؤلاء المعارضون لسنان أبو لحوم: "الأخ النقيب (النقيب هو لقب مشايخ بكيل) سنان أبو لحوم.. حفظكم الله.

كان قد تم الاتفاق على خروج أكثرنا وحصل التأخير انتظارا لوصول الأخ عبدالله (يقصد عبدالله الأحمر) من أجل تبادل الرأي عند وصوله هنا.

الموقف هنا مازال على الصورة التي سبق شرحها لكم، فالقناعة لدى المسؤولين جيدة. وحقيقة الحمدي تظهر يوما بعد يوم ولديه أساليب ووسائل كثيرة للمغالطة ولا شك أنه في زيارته سيطرح لهم مؤامرات سنان أبو لحوم وارتباطاته بفلان وفلان والجهة الفلانية، ومؤامرات وتخريب مجاهد أبو شوارب (أحد زعماء حاشد) والتحقيق في ما حصل من تفجير أو محاولة تفجير.

وكعادته لا بد أن يكذب ويلوح بالقوة بالأساليب المتعددة مادامت السلطة بيده وحكم البلاد بيده بحسب الظاهر فكلمته لها وزنها واعتبارها ويحسب لها حساب.
ولكن كيفما كان الأمر فلا يعني ذلك أن تتخلى المملكة السعودية عن القبائل لأنهم مرتبطون بها ارتباطا مصيريا وهي تقدر هذا كل التقدير وتعرف الصدق والوفاء في مواقفهم".
(عبد الملك الطيب أحد أقطاب المعارضة ضد إبراهيم الحمدي من المملكة العربية السعودية لسنان أبو لحوم - وثيقة رقم 24 من مذكرات سنان بتاريخ الاثنين 25 يوليو 1977) يقول فيها انه "كان ينبغي أن نقنع الآخرين بقناعتنا أننا شيء واحد وعلى رأي واحد يرتبط بمصلحة المملكة وسياستها ومصلحة اليمن وسياسته ولا ينبغي أن نستسلم لأي دس أو تشويش ومع الأيام لابد أن تتحسن الأمور مادام موقفك على خط واضح لا يتعارض مع أهداف المملكة أو يسئ إليها".

وبحسب مذكرات ابو لحوم فقد أطاح الرئيس إبراهيم الحمدي بالقاضي عبد الرحمن الإرياني وذلك عن طريق إقناع القيادات القبلية واستخدامها طعما مرحلياً لإدراكه أنهم أصحاب القوة الحقيقية على أرض الواقع, فقام باستمالة سنان أبو لحوم بتعيين قريبه محسن العيني رئيسا للحكومة وأبقى على أقارب أبو لحوم في الجيش وهؤلاء فصيل قبلي لا ترضى عنه السعودية ولكن سرعان ما تخلص منهم عام 1975 خلال ما سماه الحمدي ب(عيد الجيش). تحرك الحمدي أغضب عبد الله بن حسين الأحمر رغم أنه منافس لأبو لحوم ولكنه أدرك نوايا الحمدي للتخلص من تأثير القوى القبلية السلبي في الغالب حاول الأحمر حشد أنصاره في أرياف صنعاء للإطاحة بالرئيس الحمدي ولكن السعودية، الوصي على القوى القبلية في اليمن عن طريق الأموال التي تدفعها من خلال ما يسمى (اللجنة الخاصة) رفضت دعم الأحمر لأن الحمدي نجح في إيهامهم أنه حليف لهم بتخلصه من آل أبو لحوم.

شهد عهد إبراهيم الحمدي إصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة وراهن على شعبيته في الأوساط اليمنية ليخرج بلاده من العباءة السعودية بقصقصة أظفار اللاعبين القبليين الأقوياء ولكن بدأت نواياه تتكشف للسعودية وأظهر الحمدي عدة مظاهر (استقلال خطيرة) مثل عقد قمة رباعية لدول حوض البحر الأحمر وبدأ بالتواصل مع رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سالم رُبيَّع علي بشأن الوحدة اليمنية وعقد صفقات سلاح مع فرنسا وكلها (خطوط حمراء) بالنسبة لآل سعود.

اغتيال الرئيس الحمدي
لم يكمل الحمدي ما بدأه واغتيل مع شقيقه عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة في 11 أكتوبر1977 قبل يوم واحد من توجهه الى العاصمة الجنوبية (عدن) لبحث الوحدة اليمنية مع الرئيس سالم ربيع علي.
بقي ملف الحمدي معلقاً لسنوات, لكن بعد توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب وبعد التصفيات التي تمت لقيادات الجنوب في صنعاء على يد اتباع علي عبدالله صالح, حيث يقول سياسيون ان صالح اعدم نحو مائتين من قيادات وكوادر دولة الجنوب الشريك في الوحدة.
ويؤكد مطلعون ان صحيفة (الثوري) الناطقة بلسان الحزب الاشتراكي نشرت معلومات عن اغتيال الحمدي, حيث قالت الصحيفة ابان تدشين صالح لعمليات التصفية "إن علي عبدالله صالح القائد العسكري لتعز أطلق الرصاص على الحمدي بمعونة عبدالله بن حسين الأحمر ومشاركة أحمد الغشمي والسعوديين".
وهُناك تكهنات أخرى كلها تشير إلى ضلوع صالح في مؤامرة الاغتيال بحكم منصبه وصفاته الشخصية دون أن يكون ممكناً التثبت من أي منها، والثابت أن نفوذه ودوره في الدولة ارتفع ارتفاعاً هائلاً بعد عملية الاغتيال حتى أصبح المتنفذ الأول فيها".
وبحسب ما ذكر فان بعض يتهم نائبه والجيش مع بعض شيوخ القبائل التي حد من نفوذها، والبعض يتهم المملكة العربية السعودية بدعم العملية بسبب تمرد الحمدي عليها ومحاولته اتباع سياسة مستقله عن النفوذ والمضي نحو الوحدة اليمنية وأحد أهم دوافع السعودية و(لجنتها الخاصة) التي تدفع المرتبات الشهرية لمشايخ القبائل من اجل عرقلة الوحدة اليمنية".
وخلف أحمد الغشمي الحمدي في رئاسة الجمهورية العربية اليمنية لأقل من سنة واحدة، ومن ثُم قُتل هو بدوره في مؤامرة غير واضحة الأبعاد بتفجير حقيبة مفخخة أوصلها له مبعوث الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي، ليعدم سالم ربيع بعد يومين بتهمة اغتياله رغم تعهده بالانتقام من قتلته، وبعد أقل شهر من مقتل الغشمي، أصبح علي عبدالله صالح عضو مجلس الرئاسة رئيس الجمهورية العربية اليمنية بعد أن انتخبه مجلس الرئاسة بالإجماع ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية.

زعيم الانقلاب على الحمدي رئيسا!
ترأس المقدم أحمد حسين الغشمي الجمهورية العربية اليمنية في الفترة من 1977 – 1978.
والغشمي ولد في ضلاع همدان، إحدى ضواحي العاصمة اليمنية صنعاء عام 1941، التحق بالقوات المسلحة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، وتولى مهام ومسئوليات قيادية عسكرية كرئيس لأركان حرب فوج، وقائدا للمحور الغربي ثم الشرقي، واللواء الأول مدرع".
واطلق انقلاب الغشمي على الحمدي بحركة التصحيح, وتولى منصب رئيس الأركان ثم نائبا لرئيس مجلس القيادة (رئاسة الدولة) استمر حكمه أقل من سنة واحدة.

كيف تم الانقلاب على الغشمي؟
اغتيل الغشمي في مكتبه في القيادة العامة للجيش في 24 يونيو 1978؛ إثر انفجار حقيبة ملغومة - حملها إليه من عدن (مهدي أحمد صالح تفاريش), مبعوث رئاسي من سلطات الحكم في عدن - في ظروف غامضة؛ وجّهت فيها أصابع الاتهام لأكثر من طرف في قيادة الحزب (الاشتراكي) في عدن، وإثر ذلك عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا - على مستوى وزراء الخارجية العرب - هدف إلى اتخاذ موقف عربي ضد نظام الحكم في عدن؛ لضلوعه في عملية الاغتيال، وقد أعلنت خمس عشرة دولة عربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة عدن إثر ذلك الحادث. ليعقبه سالم ربيع في القتل بعد أشهر بتهمة اغتياله رغم تعهده بالانتقام من قتلته.

ما بعد اغتياله
شُكّل مجلسٌ رئاسي برئاسة (عبد الكريم عبدالله العرشي) رئيس مجلس الشعب التأسيسي، وعضوية كلٍّ من: (علي الشيبة)، و(عبد العزيز عبد الغني)، و(علي عبدالله صالح)، وفي ال17/7/1978م انتخب مجلس الشعب التأسيسي بأغلبية الأصوات (علي عبدالله صالح) رئيسا للجمهورية، وقائدا عاما للقوات المسلحة، وتعيين القاضي (عبدالكريم عبدالله العرشي) نائبا لرئيس الجمهورية العربية اليمنية.

علي عبدالله صالح يحكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود
علي عبد الله صالح (ولد في 21 مارس 1942)، وكان الرئيس السادس للجمهورية العربية اليمنية من 1978 حتى 1990 ليصبح بعد ذلك التاريخ أول رئيس للجمهورية اليمنية.

وتعد فترة حكمه أطول فترة حكم لرئيس في اليمن منذ العام 1978 وحتى تسليمه للسلطة في 25 فبراير 2012، يحمل رتبة المشير العسكرية، وهو صاحب ثاني أطول فترة حكم من بين الحكام العرب - الذين هم على قيد الحياة حاليا.

وصل صالح إلى رأس السلطة في البلاد عقب اغتيال الرئيس أحمد الغشمي بفترة قصيرة إذ تنحى عبد الكريم العرشي واستلم صالح رئاسة البلاد في فترة صعبة تم وصف نظامه بانه (كليبتوقراطية) وتذيلت البلاد قائمة منظمة الشفافية الدولية المعنية بالفساد.

وعرف عن علي عبدالله صالح بأنه كان صاحب شخصية دموية, حيث ارتكب طوال حكمه مجازر وحشية, يؤكد المؤرخون ان اول قرار اتخذه صالح في 10 أغسطس 1978 وقضى بإعدام ثلاثين شخصا متهمين بالانقلاب على حكمه.
وتسبب سقوط الاتحاد السوفييتي في اضعاف موقف جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ليتفق مع علي سالم البيض وهو رئيس اليمن الديمقراطي بعد مفاوضات على الاتحاد واعتبار علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية اليمنية وعلي سالم البيض نائباً للرئيس.

وعقب توقيع الوحدة بأقل من عام, نفذ صالح حملة تصفيات كبيرة بحق قيادات ورموز دولة الجنوب, ليضطر بعدها علي سالم البيض النائب لصالح للاحتجاج في منزله بصنعاء, وحينما كان البيض يحتج على التصفيات ولزم منزله كان صالح قد تحرك ليحشد رجال دين شماليين في مدينة تعز القريبة من عدن.

وفي ال27 من ابريل 1994م كان صالح يحشد الآلاف من انصاره وسط ميدان السبعين في الوقت الذي كان وزير العدل عبدالوهاب الديلمي منهمك في اعداد فتوى دينية تجيز للشماليين قتال الجنوبيين.

وفي ساعة الظهيرة كان صالح يصور لأنصاره ان الوحدة في خطر وانه يجب الدفاع عنها بكل ما يملكون, اطلق صالح طلقة واحدة من مسدسه الشخصي في الهواء ليعلن بدء الانقلاب على شركاء الوحدة الجنوبيين, وهي الطلقة التي وصفها سياسيون جنوبيون بأنها الطلقة التي قلت الوحدة السلمية, وبينما عاد الرئيس اليمني الى منزله كانا اثنان من الالوية العسكرية في بلدة عمران الشمالية قد دشنا القتال المتبادل لتعقبها الوية اخرى جنوبية وشمالية في ذمار ومأرب, حين ذلك كان الديلمي ورجال الدين قد انتهوا من اصدار فتوى دينية اوجبت قتال الجنوبيين وقتلهم باعتبارهم كما يقول نص الفتوى "خارجين عن الدين الاسلامي".

ويقول نص الفتوى الصادرة عن وزير العدل اليمني في منتصف تسعينات القرن الماضي, «إننا نعلم جميعاً أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو احصينا عددهم لوجدنا أن اعدادهم بسيطة ومحدودة, ولو لم يكن لهم من الأنصار والاعوان من يقف إلى جانبهم ما استطاعوا ان يفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الأسود طيال خمسة وعشرين عاماً، وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها أنهم اعلنوا الردة والالحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه، ولو كان هؤلاء الذين هم راس الفتنة لم يكن لهم من الاعوان والانصار ما استطاعوا أن يفرضوا الإلحاد على أحد ولا أن ينتهكوا الاعراض ولا أن يؤمموا الاموال ويعلنوا الفساد ولا أن يستبيحوا المحرمات، لكن فعلوا ما فعلوه بأدوات, هذه الادوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم المسلمين هؤلاء هم الذي اعطى الجيش ولاءه لهذه الفئة، فاخذ ينفذ كل ما يريد أو ما تريد هذه الفئة ويشرد وينتهك الاعراض ويعلن الفساد ويفعل كل هذه الأفاعيل وهنا لابد من البيان والإيضاح لحكم الشرع في هذا الأمر:

أجمع العلماء أنه عند القتال بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين فإنه أذا تترس اعداء الإسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المُتترس بهم مع أنهم مغلوبون على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والاطفال، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الاعراض.

إذا ففي قتلهم مفسدة اصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا، فإذا كان إجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقاتلون فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح.

هذا اولاً، الامر الثاني: الذين يقاتلون في صف هؤلاء المرتدين يريدون أن تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الإسلام، وعلى هذا فإنه يقول العلماء من كان يفرح في نفسه في علو شوكة الكفر وانخفاض شوكة الإسلام فهو منافق، أما إذا اعلن ذلك وأظهره فهو مرتد أيضاً».

وشنت القوات العسكرية الشمالية حربا على الجنوب مسنودة بمليشيات دينية وقبلية ومن العائدين من افغانستان, حيث تمكنت تلك القوات بعد حرب استمرت زهاء 100 يوم من احتلال مدينة عدن, وقتل جرح عشرات الآلاف من الجنوبيين جراء ما امطرت به القوات الشمالية مدينة عدن بصواريخ الكاتيوشا التي نسبت فيما بعد الى الجنرال اليمني علي محسن الأحمر الاخ غير الشقيق للرئيس صالح والذي اطلق عليه في الجنوب لقب (علي كاتيوشا).
وادت الحرب الى نزوح للسكان مدينة عدن الى الجبال, في حين هربت القيادات الجنوبية بما فيها الرئيس علي البيض الى دولة دول خليجية واوروبية.

وفي عام 2011 قامت على نظام صالح ما اسميت ب(ثورة الشباب اليمنية) وسلم صالح السلطة بعد سنة كاملة من الاحتجاجات بموجب (المبادرة الخليجية) الموقعة بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك والتي أقرت ضمن بنودها تسليم صالح للسلطة بعد إجراء انتخابات عامة كما أقرت لصالح حصانة من الملاحقة القانونية وتم إقرار قانون الحصانة في مجلس النواب اليمني واعتباره قانونا سياديا لا يجوز الطعن فيه، وهو ما يعتبر مخالفة صريحة لدستور البلاد، تولى نائبه عبدربه منصور هادي رئاسة المرحلة الانتقالية.

وفي ال3 من يونيو العام 2011، تعرض صالح لمحاولة اغتيال اثر استهدافه وهو يؤدي صلاة الجمعة في دار الرئاسة او ما يسمى بجامع النهدين, وقصف الجامع بصواريخ ادت الى اصابة صالح بجروح بليغة بينما قتل واصيب عدد من معاونيه وقيادات بارزة في نظامه.

اضطر صالح بعدها الى التنحي بموجب المبادرة الخليجية وتسليم مقاليد السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي الذي خاض لاحقا انتخابات بمفرده كرئيس لدولة اليمن, ليترأس لاحقا مؤتمر حوار وطني وسط مقاطعة لأبناء محافظات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي اعلنوا خلال تظاهرة حاشدة نظمت بهدف اعلان رفضهم للحوار اليمني على اعتبار انه خاص باليمن الشمالي, قبل ان ينظموا تظاهرات لاحقة لاتزال مستمرة يجددون فيها رفضهم وباستمرار لمخرجات الحوار اليمني.

آخر رئيس لليمن ما بعد عام 1994م, عبدربه منصور هادي الفضلي، من مواليد الأول من سبتمبر 1945, في قرية ذكين، مديرية الوضيع في محافظة أبين الجنوبية.

وتخرج في بريطانيا عام 1966 بعد حصوله على منحة دراسية عسكرية للدراسة في بريطانيا، لتعلم اللغة الإنجليزية. ثم في عام 1970 حصل على منحة دراسية أخرى لدراسة سلاح الدبابات في مصر لمدة ست سنوات.
أمضى هادي السنوات الأربع التالية في دراسة القيادة العسكرية في الاتحاد السوفيتي.

وشغل عدة مناصب عسكرية في جيش اليمن الجنوبي، عمل قائدا لفصيلة المدرعات، وبعد الاستقلال (30 نوفمبر 1967) عين قائدا لسرية مدرعات في قاعدة العند في المحور الغربي لجنوب اليمن، ثم مديرا لمدرسة المدرعات، ثم أركان حرب سلاح المدرعات، ثم أركان حرب الكلية الحربية، ثم مديرا لدائرة تدريب القوات المسلحة.

وفي سنة 1972 انتقل إلى محور الضالع، وعين نائبا ثم قائدا لمحور كرش، وكان عضو لجنة وقف إطلاق النار، ورئيس اللجنة العسكرية في المباحثات الثنائية التالية للحرب مع الشمال.

استقر في مدينة عدن مديرا لإدارة التدريب في الجيش، مع مساعدته لرئيس الأركان العامة إداريا، ثم رئيسا لدائرة الإمداد والتموين العسكري بعد سقوط حكم الرئيس سالم ربيع علي، وتولي عبد الفتاح إسماعيل الرئاسة. رقي إلى درجة نائب لرئيس الأركان لشؤون الإمداد والإدارة معنيا بالتنظيم وبناء الإدارة في الجيش بداية من سنة 1983، وكان رئيس لجنة التفاوض في صفقات التسليح مع الجانب السوفياتي، وتكوين الألوية العسكرية الحديثة. كان من ضمن القوى التي نزحت إلى صنعاء عقب حرب 1986 الأهلية في جنوب اليمن.

عمل مع زملائه على لملمة شمل الألوية العسكرية التي نزحت معهم إلى الشمال، وإعادة تجميعها في سبعة ألوية، والتنسيق مع السلطات في الشمال لترتيب أوضاعها ماليا وإداريا، وأطلق عليها اسم ألوية الوحدة اليمنية، وظل في شمال اليمن حتى يوم 22 مايو 1990، تاريخ الوحدة اليمنية.

عين قائدا لمحور البيضاء، وشارك في حرب 1994 الى جانب القوات الشمالية, قبل ان يتم تعيينه في مايو 1994 وزيرا للدفاع، ثم عين نائبا للرئيس في 3 أكتوبر من نفس السنة.

وانتخب هادي رئيسا للجمهورية اليمنية كصفة رئيس انتقالي في ال25 من فبراير 2012، وكان قبلها نائبا للرئيس (صالح) منذ 1994 - 2011.

وعمل كقائم بأعمال الرئيس علي عبدالله صالح حين كان يخضع للعلاج في السعودية في اعقاب هجوم على القصر الرئاسي أثناء ثورة الشباب اليمنية 2011.

وفي 23 نوفمبر أصبح رئيسا بالإنابة مرة أخرى قبل الانتخابات الرئاسية اليمنية 2012 التي خاضها هادي كمرشح للتوافق الوطني والذي اجمع عليه حزب المؤتمر الشعبي العام واحزاب تكتل اللقاء المشترك.

منذ توليه رئاسة البلاد من 21 فبراير 2012، يقول سياسيون ان هادي يفتقر لدعم القوى القبلية المؤثرة في البلاد الذي يحظى به منافسوه وأبرزهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وابنه أحمد بالإضافة لطبيعته الشخصية فهو يفتقد للجرأة السياسية والحزم وسمته البطء والتردد وفقا ل(نيويورك تايمز) الامريكية.

وتعرض هادي منذ تعيينه لعمليات اغتيال كان ابرزها استهداف مجمع العرضي في وزارة الدفاع اليمنية التي كان هادي ينوي خلالها زيارة نجل شقيقه الذي يرقد في مستشفى العرضي, والذي قتل في الحادث.
وتسعى قوى يمنية نافذة الى الانقلاب على هادي بشتى الوسائل في الوقت الذي تصر فيه قوى اخرى على التمديد له فترة اضافية.

ورغم التأييد الذي يحظى به الرئيس اليمني الانتقالي في صنعاء الا ان الاخوان المسلمين احد ابرز الاجنحة المعارضة لسياسة الرئيس الجنوبي, حيث عمدت تلك القوى الى الدفع بشخصيات سياسية تطالب هادي بتسليم السلطة لعدة اعتبارات من بينها انه جنوبي ويسعى لتفتيت الشمال اليمني.

ويشهد الشمال اليمني ذو النزعة القبلية والدينية معارك طاحنة بين فصائل يمنية متناحرة رغم ان مجلس الأمن وضع البلاد تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة والذي اقر وضع اليمن تحت الوصاية الدولية وهدد بمعاقبة اي معرقل لما اسماها بالتسوية السياسية في اليمن المضطرب امنيا, حيث يخوض طرفا الصراع الاخوان المسلمون من طرف والحوثيون الشيعة من الطرف الآخر معارك دامية, وسط اتهامات لنظام الرئيس السابق بدعم الحوثيين لاستعادة عرش الملكية, حيث كشفت وسائل إعلام يمنية مقربة من الرئيس صالح عما قالت إنها مساع يبذلها محمد بن عبد الله بن الحسين بن حميد الدين، العائد إلى اليمن منذ نحو شهر لترتيب عودة أفراد أسرته.. مؤكدة ان "قرارات جمهورية ستصدر بإعادة أملاك أسرة حميد الدين التي كانت تحكم اليمن قبل الإطاحة بها في مطلع ستينات القرن الماضي".

وقال علي بن الحسين علي حميد الدين "إن الأمير يسعى في زيارته الاجتماعية بالدرجة الأولى إلى لقاء الرئيس عبدربه منصور للسماح بعودة بقية العائلة الذين يقدر عددهم بألفي شخص".
وبحسب الصحيفة فإن قرارات جمهورية ستصدر تقضي بإعادة أملاكهم المصادر بعضها من الدولة ومنهوب بعضها من قبل الأفراد.

وأضاف علي حميد الدين "لقد سعينا حثيثاً لحصول العائلة على مقعد في مؤتمر الحوار الوطني لطرح قضية العائلة ووضع صيغة وطنية لإغلاق هذا الملف المفتوح منذ خمسة عقود، ووقف علي محسن وطابوره من ناهبي أملاك الأسرة في وجه هذا المطلب، فلم نتمكن من المشاركة في الحوار الوطني".

وأتت عودة احد احفاد حميد الدين في الوقت الذي تقترب فيه جماعة الحوثي الزيدية والمقربة من اسرة حميد الدين من العاصمة اليمنية صنعاء, وباتت على مشارف صنعاء.

ووسط حالة التجاذبات السياسية والعنف المسلح الذي يأتي على وقع طائفي (سني زيدي) فإن الكثير من المراقبين لا يستبعدون عودة العربية اليمنية او اليمن الشمالي الى النظام الملكي السابق في ظل القوة العسكرية التي يتمتع بها الحوثيون السادة, والمقربون من الطائفة الملكية السابقة.

المزيد
في بلدٍ تتنازعه مراكز القوى القبلية والمذهبية والعسكرية، لا يمكن لأي فردٍ، أو جماعةٍ، أو حزبٍ، فيه، أن يستأثر بالسلطة دون سواه، مهما بلغ أولئك من قوة ماديةٍ، أو عسكريةٍ، أو سندٍ خارجي متنوّع. ولذلك، تتجلّى التحالفات، من حين إلى آخر، بين مراكز القوى تلك، لتسقُط معها رموزٌ عسكرية وقبلية، وإقطاعيات وبرجوازيات، وحكومات، وتظهر بدلاً عنها، فجأة، قوى جديدة، تحاول جاهدةً فرض نفسها في هذه التحولات التحالفية، سواء بقوة الجماهير التائقة للتغيير الحقيقي، تحقّق لها ذلك أو لم يتحقق، أو بالقوة المسلحة، أيّاً كان نوعها، أو توجهها أو مصدرها.
يعيش اليمنيون، اليوم، حالةً من الذهول والاندهاش إزاء ما جرى في الأيام الثماني الماضية، والتي استطاعت فيها جماعة الحوثيين المسلحة (أنصار الله)، وما تزال، نقل المعركة من محافظة الجوف، شمال شرقي البلاد، إلى مركز الحكم في صنعاء، وتمكنوا، في ستة أيام (من 16 إلى 21 سبتمبر/ أيلول 2014)، من التوغل والسيطرة على ثلثي العاصمة، في خطواتٍ خرافيةٍ مثيرة للجدل، بدأت بمواجهاتٍ مسلحة بسيطةٍ في إحدى ضواحي العاصمة، وهي قرية القابل، ثم تطورت لتأخذ شكل الحرب العنيفة، وتسلّلت متقدمةً نحو المركز، في مناطق محصنة عسكرياً، هي: شملان، وذهبان، والجراف، والتلفزيون، والنهضة، وصوفان، ومذبح.
لم تكن الأحداث الأخيرة هذه سوى محصّلة لمواجهات مسلحة سابقة ومتعددة، جمعت بين مقاتلي الحوثيين ووحدات من الجيش اليمني، ترابط في محافظتي عمران والجوف، وكان أكثر خسائرها فداحةً، بالنسبة للجيش، ما خلّفته المواجهات التي خاضها معهم اللواء 310 مدرع الذي كان مرابطاً في عمران، وكان من أقوى الوحدات العسكرية المؤللة، الواقعة في هيكل المنطقة العسكرية السادسة، وما تلا ذلك من مواجهات مسلحة، بعد سقوط هذا اللواء في قبضة المسلحين الحوثيين، بمباركة قياداتٍ عسكرية عليا في قيادة الجيش، على خلفيات سياسيةٍ وعسكريةٍ معقدة، في مقدمتها التأثير القوي للواء علي محسن الأحمر، المستشار العسكري والأمني للرئيس عبد ربه منصور هادي، والنزعات الثأرية التي يضمرها له وزير الدفاع، اللواء محمد ناصر أحمد.
"
تتلمذت جماعة الحوثي على الأيديولوجيات المختلفة للثورة الإيرانية، في الدبلوماسية والثورة والقتال
"
ولقد كسبت الجماعة الحوثية تلك المواجهات على مستويات مختلفة، عسكرية وأمنية وسياسية وجغرافية وجماهيرية، لتبدو أقوى قوة مسلحة متمردة في البلاد، فاستثمرتها استثماراً متنوّعاً أطرافٌ داخلية وخارجية، بحيث برز الدور الإيراني جلياً في تمثُّل هذا الجماعة بخطوات حزب الله اللبناني، الذي تتلمذ على الأيديولوجيات المختلفة للثورة الإيرانية، في الدبلوماسية والثورة والقتال، واستقطاب الجماهير بالخطابات الحماسية الملتهبة، والتذرّع بالقضية الأولى للعرب والمسلمين، القضية الفلسطينية، وكذا العداء للولايات المتحدة، باعتبارها الداعم الأول للكيان الصهيوني، على أن توظيفاً أميركياً وإقليمياً لهذه الجماعة أخذت تؤديه، عملياً، وفق تفاهمات سرية، أو في الاستثمار الذكي لمواقفها العدائية إزاء جماعات سياسية، ذات توجهات فكرية مغايرة لها، يشترك كثيرون في خصومتها، مثل حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يقترب، في نهجه، من "الإخوان المسلمين"، والذي تحالفت عليه الأطراف إياها، أو من تبني الجماعة الحوثية منافحتها تنظيم القاعدة، أو مَن تسميهم الدواعش والتكفيريين، وإن بدا ذلك لكل متابع مجرد مزايدة إعلامية خادعة، تقوم بها، شأن شعارها الذي يسمى "الصرخة"، ويُنادى فيه في محافلهم بالموت للولايات المتحدة، وباللعن والموت لإسرائيل!
استراتيجيات الانقضاض على صنعاء
تربض العاصمة اليمنية صنعاء على "عرصةٍ" جغرافية ضيقة في مركزها، وبين ذراعين من سلسلتين جبليتين مرتفعتين، تحيطان بها من جهتي الشرق والغرب، تتسرب منهما مداخل متعددة للمدينة، علاوةً على المداخل الأخرى على الامتدادات السهلية عند طرفي هذه العرصة، وقد استغل الحوثيون، وفقاً لدروس وقائع تاريخية عسكرية مرت بها المدينة، هذه الخصائص، لتنفيذ استراتيجية الانقضاض التدريجي على العاصمة، في محاولات متكررة، بدأت قبل شهرين من سقوط محافظة عمران في قبضتهم أوائل يوليو/ تموز الماضي. وتفصيل ذلك كما يلي:
1 بتر الأذرع والسيقان
تمثلت هذه الاستراتيجية (التسميات للباحث) بتمركز الحوثيين ومناصريهم وحلفائهم القبليين والعسكريين في مداخل العاصمة، من كل الاتجاهات، بما يشبه مناطق الجمع والتحشّد في خطط قتال الجيوش، ومسيطرة على الطرق الرئيسة "المنفذة" إلى المدينة، والاقتراب من الوحدات العسكرية المرابطة بجوارها، وكذا المطارات والقواعد الجوية والوحدات العسكرية النوعية الحامية للمدينة، حيث بدا ذلك التمركز سلمياً في ظاهره، ولكن، في حقيقة الأمر، كانت الساحات تعج بأسلحة خفيفة ومتوسطة، شاهدها متابعون كثيرون من رجال الإعلام والعسكريين والسياسيين وغيرهم، فضربت تلك التجمعات أذرع كيان الدولة وسيقانها، أو أوهنت من قوتها، وعطلت معظم القوى العسكرية في تلك المناطق، بما في ذلك القوات الجوية ومواقع الدفاع الجوي في "بطن" العاصمة، وعلى القمم المحيطة بها، ما دفع قيادة وزارة الدفاع، في وقت مبكر، إلى نقل معظم الطائرات العسكرية من العاصمة إلى مدنٍ أخرى، والتعامل مع هذا الموقف بضعف إرادة مع وجود القوة، أو بما يشي بالتساهل، أو التواطؤ، وإخراج النتائج، بما يضمن مصالح أطراف معينة في السلطة.
2 نهش الأحشاء
تمثلت هذه الاستراتيجية بتمركز الحوثيين في أهم منطقة في العاصمة، وهي منطقة الجراف، على الطريق الرابط بين مركز العاصمة ومينائها الجوي الدولي، وهذه المنطقة يقع في محيطها الأول أكبر تجمع لمؤسسات الدولة، عسكرية ومدنية، في وحدات عمرانية منفردة، منها وزارات الداخلية والاتصالات والكهرباء، وقيادة شرطة النجدة، والأكاديمية العسكرية، ومدرسة قتال الحرس الجمهوري (سابقاً)، كما تقع في محيطها الثاني، الكلية الحربية، ومطار صنعاء، والقاعدة الجوية، ووحدات عسكرية أبرزها قيادة المنطقة العسكرية السادسة، ووحدات فرعية للواء الرابع مدرع (314)، وموقع التلفزيون اليمني الذي يضم أربع قنوات، وإذاعة صنعاء، وكذا مراكز حيوية مدنية أخرى.
"
نيّة المواجهة لم تكن، في الأصل، حاصلة من القيادة العليا للجيش
"
أخرج الحوثيون، قبل نحو شهر، وفق هذه الاستراتيجية، حشود المتظاهرين من الشوارع الفرعية التي كانوا يتظاهرون فيها إلى الشارع الرئيس (شارع المطار) ومداخل وزارات في ذلك المكان، في خطوة تصعيدية أخرى، للتضييق على الحكومة، لتلبية مطالبهم الثلاثة التي كانوا قد أعلنوها، والمتمثلة بإسقاط الجرعة (الزيادة السعرية في المشتقات النفطية التي اتخذتها الحكومة)، وإسقاط الحكومة، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وتزايدت تلك التصعيدات إلى حدٍّ دفع أولئك المتظاهرين إلى مقاومة قوات مكافحة الشغب بالقوة، بعدما حاولت إخلاء الشارع الرئيس (شارع المطار) منهم، بل تقدموا وخيّموا قريباً من مدخل وزارة الداخلية، وسلبوا آلياتٍ وأحرقوها، ثم حركوا، بعد أيام من ذلك، مسيراتهم الجماهيرية لتجوب العاصمة، وتعطل حركة السير، عبر المسيرات الراجلة تارة، والمحمولة على الآليات تارة أخرى، للغرض نفسه، وكان من ذلك، المسيرة التي اتجهت إلى مقر مجلس الوزراء، ودارت، حينها، مواجهات بين المتظاهرين وقوات اللواء الرابع مدرع (314) المعني بحماية المكان الذي توجد فيه مقار حكومية ودبلوماسية كثيرة، وقد اتخذ الحوثيون من اللواء الرابع عدواً مبيناً يجب اجتثاثه!
الانقضاض على أركان الدولة
بعد تصدّي اللواء الرابع مدرع 314 للمتظاهرين الحوثيين، ومنعهم من الوصول إلى مجلس الوزراء والمنشآت العسكرية والدبلوماسية المجاورة، وإحباطه محاولة نصب خيامهم هناك، وذلك في الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول الجاري، وهي واقعة استثمرها الحوثيون، سياسياً وإعلامياً، بقوة وذكاء، حيث راح ضحيتها متظاهرون وجنود أبرياء، أخذ الحوثيون على عاتقهم نهج الانقضاض على العاصمة في أقرب وقت ممكن، والنيل من قوة هذا اللواء، وتمزيقه شر ممزّق، فكانت الأحداث التي خلفتها مواجهات دامية بين مسلحين حوثيين وآخرين مناوئين لهم في قرية القابل، مفتتحاً هذا الطريق، ودخل هذا اللواء في هذه المواجهات المسلحة من دون حساب، بعدما كانت قد اتسعت لتشمل نطاق اختصاصه في محيط موقع محطة التلفزيون اليمني، والمواقع الأخرى التي تتمركز فيها كتائبه وسراياه على الامتداد الواصل بين موقع التلفزيون، وصولاً إلى قيادة وزارة الدفاع. وبلغ القتال أشده بين الطرفين، إلى درجةٍ يقال فيها إن قائد اللواء، العميد حسين المقداد، وبعض الضباط، قد وقعوا في الأسر في أثناء المواجهات مع الحوثيين في الموقع نفسه، فكان ذلك سبباً لانهيار اللواء في تلك الجبهة، إذ علم الحوثيون بوجود قائد اللواء هناك، فركزوا ضرباتهم ونيرانهم من كل الاتجاهات على ذلك الموقع، ليحدث ما حدث، ولتلتهم النيران جانباً كبيراً من المحطة.
بعد سيطرة الحوثيين على المنطقة المحيطة بموقع التلفزيون، انهارت بقية كتائب اللواء، ودبت فيها الفوضى، بفعل نقص الإمدادات وانفراط القيادة والتخلي عن أداء الواجب والمهام من بعض الضباط، وتعرض آليات اللواء ومعداته للنهب المتعمّد من المندسين الحوثيين فيه، في مؤشرٍ على وجود مؤامرة وخيانة ضربت تماسك اللواء وثباته. وبذلك، تفرغ المسلحون الحوثيون للجبهة التي تقاتلهم من جهة مقر قيادة المنطقة السادسة (الفرقة الأولى المدرعة سابقاً) التي لم يستطيعوا مواجهة نيرانها من قبل، حينها لم تتمكن تعزيزات طلبها اللواء علي محسن الأحمر، الذي كان موجوداً حينها هناك، من الوصول إليه، ومن ذلك تعزيزات لواء حفظ السلام (في موقع الخرافي، غربي العاصمة)، الذي كان يعاني، أساساً، من فراغ قيادي، بسبب مشكلات داخليه مفتعلة فيه.
"
اللواء علي محسن الأحمر كان آخر أقوى الرموز العسكرية الشمالية في بنية النظام العسكري الحالي
"
حصل اللواء علي محسن على تعزيزات من اللواء الثالث حماية رئاسية (عربات مدرعة قتالية ودبابات حديثة)، تحركت من مقر اللواء، بحسب شهود عيان من سكان الضواحي التي مرت منها شرقي العاصمة، لكنها لم تأتِ إلا بعد فوات الأوان، كما لو أنها جاءت لرفع الحرج عن القيادة العليا للجيش، وكان الحوثيون حينها قد احتلوا جامعة الإيمان، الواقعة إلى جانب مقر قيادة المنطقة العسكرية السادسة، التي تدور فيها وحولها المواجهات، وكان اللواء محسن قد غادر مكتبه، قبل الظهر، فجأة، من دون معرفة الأسباب، ثم انسحبت تلك التعزيزات عصر اليوم نفسه (21 سبتمبر 2014) من دون معرفة السبب كذلك، وتخللت ذلك غارة جوية قامت بها طائرة حربية، لتطال موقعاً داخل المنطقة، يعتقد بأنه يضم أسلحة أو ذخائر، للحيلولة دون وصول الحوثيين إليها، وقد شوهدت مضادات جوية، تتعقب تلك الطائرة لكنها لم تطلها.
بعد انسحاب تعزيزات اللواء الثالث حماية رئاسية، في 21 سبتمب، تمكن الحوثيون من الاستيلاء الكامل على مقر قيادة المنطقة العسكرية السادسة، ونهب محتوياتها، وسيقت الأسلحة والمعدات العسكرية التي كانت فيها، باتجاه عمران، من دون أي تعقب أو مقاومة أو اعتراض من الطيران أو الوحدات والنقاط العسكرية على طول الطريق بين صنعاء وعمران، والشأن نفسه حدث مع الآليات المنهوبة من بقية الوحدات الأخرى، وتحديداً اللواء الرابع مدرع (314)، في مشهد درامي حاولت فيه السلطة الرسمية التبرير لما حدث بوجود مؤامرة قذرة استهدفت القوات المسلحة، وتقف وراءها أيدٍ داخلية وخارجية، وهذا ما عبّر عنه الرئيس هادي في لقائه مع قيادات سياسية التقاها يوم الثلاثاء 23 سبتمبر في صنعاء!
قطعاً، لا يمكن تصديق وجود عامل واحد، دون سواه، يقف خلف ما حدث من انكسار للوحدات العسكرية التي قاومت الحوثيين في صنعاء، وأن وراء الأمر مؤامرة أو خيانة، بل هناك عوامل كثيرة، لعلّ أقواها التمزيق الذي طال الجيش اليمني في ما سمي "بالهيكلة"، حيث ضربت وحداته المتجانسة بخليط من مجندين حديثي الانتساب للخدمة العسكرية، ولم يجرِ إعدادهم الإعداد العسكري الجيد، على العرف العسكري المتبع في كل الجيوش، كما أن نية المواجهة لم تكن، في الأصل، حاصلة من القيادة العليا للجيش نفسها، بل إن الدفع باللواء علي محسن إلى هذه المواجهة الخاسرة منفرداً، كانت قد جاءت لحظتها المنتظرة من خصومه، ليلحق بصاحبه ورفيق دربه، العميد حميد القشيبي، الذي لقي حتفه في مواجهات مع الحوثيين في الثامن من يوليو/ تموز الماضي، ذلك أن اللواء محسن كان آخر أقوى الرموز العسكرية الشمالية في بنية النظام العسكري الحالي، وكان يمثل عامل قلق لأطراف بعينها، على أن بعضهم كان ينظر إليه كعامل توازن مع قوى الجنوب المتحكمة بقوة الجيش، ما جعل أولئك يتخلصون منه بأيدي مَن يقاسمونهم الرغبة، وهم الحوثيون، لكن الرجل فوّت الفرصة عليهم ليبقى عامل قلق للجميع، حيث نجا بنفسه من موت محقق.
الآن، وبعدما تحقق للحوثيين دخول صنعاء على نحو ما يفعله المظفّرون، وتخلّصهم من ألدّ خصومهم العسكريين، والذي أذاقهم مرارة القهر في الحروب الستة (2004 2010)، عندما تمردوا على السلطة والنظام الجمهوري، وكذا تخلصهم من القادة العسكريين والوحدات العسكرية التي كانت تمتّ له بصلة ما.. مَن، يا ترى، يجرؤ على أن يرفع في وجه الحوثيين سكيناً بالية، أو قشّة خاوية من قصب، مع كل فعل متمرد يمارسونه جهاراً نهاراً في هذه القصبة التي تسمى صنعاء، وهم يجولون فيها ممارسين أعمالاً "سيادية" بالقوة القاهرة؟ وأين وما هي القوة، أيضاً، التي سيواجَهون بها في حال انحرافهم عن النظام الجمهوري، والنهج الديموقراطي وتفرّدهم بالسلطة، فيما لو تخلى الرئيس هادي عن عاصمة اليمن الواحد، ليذهب في انفصالٍ سلسٍ، بعدما يحكم الحوثيون سيطرتهم على هذه العاصمة، لا سيما بعدما أمّن الرجل مدن الجنوب من البلاد بأقوى وأكفأ الوحدات العسكرية وأضخمها تسليحاً؟
الأيام المقبلة ستجيب على تلك الأسئلة.(العربي الجديد)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.